يَقُولُ لَحْمُ الْبَقَرِ دَاءٌ فَحَلَفَ لَا آكُلُ لَحْمًا فَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ ضَأْنٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْحَامِلَ كَوْنُهُ دَاءً، وَلَيْسَ الضَّأْنُ كَذَلِكَ فَيُخَصَّصُ لَفْظُهُ الْعَامُّ بِلَحْمِ الْبَقَرِ كَمَا يُقَيِّدُهُ شِرَاؤُهُ فِي الْأَوَّلِ بِوَقْتِ الزَّحْمَةِ.
(ثُمَّ) إنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ وَالْبِسَاطُ خُصِّصَ وَقُيِّدَ (عُرْفٌ قَوْلِيٌّ) أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْقَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْقَوْلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَاخْتِصَاصِ الدَّابَّةِ عِنْدَهُمْ بِالْحِمَارِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْأَبْيَضِ وَالثَّوْبِ بِالْقَمِيصِ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مَا ذُكِرَ مَثَلًا فَاشْتَرِي فَرَسًا أَوْ أَسْوَدَ أَوْ عِمَامَةً فَلَا يَحْنَثُ
(ثُمَّ) بَعْدَمَا ذُكِرَ خُصِّصَ، وَقُيِّدَ (مَقْصِدٌ) أَيْ مَقْصُودٌ (لُغَوِيٌّ) أَيْ مَدْلُولٌ لُغَوِيٌّ فَمَنْ حَلَفَ لَا رَكِبَ دَابَّةً، وَلَا لَبِسَ ثَوْبًا، وَلَيْسَ لَهُمْ عُرْفٌ فِي دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ حَنِثَ بِرُكُوبِهِ التِّمْسَاحَ وَلُبْسِهِ الْعِمَامَةَ لِأَنَّهُ الْمَدْلُولُ اللُّغَوِيُّ، وَفِي كَوْنِهِ مِنْ الْمُخَصَّصِ أَوْ الْمُقَيَّدِ نَظَرٌ فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مُطْلَقَ الْحَمْلِ.
(ثُمَّ) خُصِّصَ، وَقُيِّدَ بَعْدَ الْمَقْصِدِ اللُّغَوِيِّ مَقْصِدٌ (شَرْعِيٌّ) إنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ صَاحِبَ شَرْعٍ فَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يُزَكِّي حَنِثَ بِالشَّرْعِيِّ لَا بِاللُّغَوِيِّ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِ الشَّرْعِيِّ عَنْ اللُّغَوِيِّ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ.
، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ مِنْ النِّيَّةِ وَمَا مَعَهَا شَرَعَ فِي فُرُوعٍ تَنْبَنِي عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ، وَهِيَ فِي نَفْسِهَا أَيْضًا أُصُولٌ، وَمِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْبَاءِ لِلْحِنْثِ غَالِبًا وَبِلَا لِعَدَمِهِ فَقَالَ دَرْسٌ (وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَلَا) لِيَمِينِهِ (بِسَاطٌ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
عَلَيْهِ حِينَئِذٍ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا يَنْوِي فِيهِ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْيَمِينِ، وَادَّعَى هُوَ الْبِسَاطَ فَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُرَافَعَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ طفى (قَوْلُهُ: يَقُولُ لَحْمُ الْبَقَرِ دَاءٌ إلَخْ) أَيْ، وَكَذَا إذَا قِيلَ لَهُ أَنْتَ تُزَكِّي النَّاسَ لِأَجْلِ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي، وَلَا نِيَّةَ فَلَا يَحْنَثُ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِتَزْكِيَتِهِ لِلنَّاسِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ كَمَا فِي المج أَنْ يَحْلِفَ لَيَشْتَرِيَنَّ دَارَ فُلَانٍ فَلَمْ يَرْضَ رَبُّهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا فَأَقْوَى الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ الْحِنْثِ كَمَا فِي ح، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَبِيعَنَّ فَأَعْطَى دُونَ الثَّمَنِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ مَا إذَا حَلَفَ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تَعْتِقُ أَمَتَهَا، وَكَانَتْ أَعْتَقَتْهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَحْلِفْ، وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ يَنْطِقُ بِمِثْلِ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ زَوْجَتُهُ فَقَالَتْ أَنْتَ طَالِقٌ فَلَا يُحَاكِيهَا، وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَتْ زَوْجَةُ أَمِيرٍ أَنَّهَا لَا تَسْكُنُ بَعْدَ مَوْتِهِ دَارَ الْإِمَارَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ أَمِيرًا آخَرَ فَأَسْكَنَهَا بِهَا لَمْ تَحْنَثْ؛ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهَا انْحِطَاطُ دَرَجَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَنْ ضَاعَ صَكُّهُ فَقَالَ لِلشُّهُودِ اُكْتُبُوا لِي غَيْرَهُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَا يَعْلَمُهُ فِي مَوْضِعٍ، وَلَا هُوَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ فِي بَيْتِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ بَلْ هَذَا مِنْ الْبِسَاطِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا ثُمَّ وَجَدَ فِي حِجْرِ زَوْجَتِهِ شَيْئًا مَسْتُورًا فَقَالَتْ لَا أُرِيكَهُ حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ لَتَأْكُلَنَّ مِنْهُ فَحَلَفَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الَّذِي فِي حِجْرِهَا بَيْضًا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْأَكْلِ مَانِعٌ؛ وَلِأَنَّ عِلْمَهُ بِالْيَمِينِ الْأَوَّلِ يَتَضَمَّنُ نِيَّةَ إخْرَاجِهِ.
(قَوْلُهُ: خَصَّصَ، وَقَيَّدَ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ) أَيْ مَدْلُولٌ مُتَعَارَفٌ مِنْ الْقَوْلِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ قَصْدِ الْحَالِفِ وَاحْتُرِزَ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ مِنْ الْفِعْلِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُخَصِّصُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَالْحَالُ أَنَّ الْخُبْزَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُخْبَزُ فَإِذَا كَانَ بَلَدُ الْحَالِفِ لَا يَأْكُلُونَ إلَّا الشَّعِيرَ فَأَكْلُ الشَّعِيرِ عِنْدَهُمْ عُرْفٌ فَعَلَيَّ فَلَا يُعْتَبَرُ مُخَصِّصًا فَإِذَا أَكَلَ الْحَالِفُ خُبْزَ الْقَمْحِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي التَّوْضِيحِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَقَدْ تَبِعَ فِيهِ الْقَرَافِيَّ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ ظَاهِرَ مَسَائِلِ الْفُقَهَاءِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَإِنْ كَانَ فِعْلِيًّا وَنَقَلَ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ الْبَاجِيَّ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ يُعْتَبَرُ مُخَصِّصًا، وَمُقَيِّدًا قَالَ وَبِهِ يُرَدُّ مَا زَعَمَهُ الْقَرَافِيُّ وَصَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِاعْتِبَارِهِ أَيْضًا، وَفِي الْقَلْشَانِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ فِي ظَاهِرِ مَسَائِلِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: لَا يَشْتَرِي مَا ذُكِرَ) أَيْ دَابَّةً أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ ثَوْبًا
(قَوْلُهُ: وَلَا ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ إلَخْ) بَلْ لَفْظُ الدَّابَّةِ يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَعْنَاهُ لُغَةً، وَهُوَ كُلُّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَعْنَاهُ لُغَةً، وَهُوَ كُلُّ مَا يُلْبَسُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِرُكُوبِهِ، وَلَوْ لِتِمْسَاحٍ وَلُبْسِهِ وَلَوْ لِعِمَامَةٍ. اهـ. وَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، وَلَفْظُ الصَّلَاةِ إنَّمَا يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالدُّعَاءِ إذْ هُوَ الصَّلَاةُ لُغَةً، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ عَلَى الْمَقْصَدِ اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِخِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّاسِخَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مُطْلَقَ الْحَمْلِ) أَيْ فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِكَوْنِ الْمَقْصَدِ اللُّغَوِيِّ مُخَصِّصًا، وَمُقَيِّدًا أَنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا، وَلَا تَقْيِيدًا حَقِيقَةً.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَقْصَدِ اللُّغَوِيِّ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصَدَ اللُّغَوِيَّ لَا يُعْدَمُ، وَيُوجَدُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ إمَّا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ اللُّغَوِيِّ أَوْ مُرَادِفٌ لَهُ كَمَا فِي الظُّلَمِ فَإِنَّهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي كُلٍّ مِنْ اللُّغَةِ، وَعُرْفِ الشَّرْعِ لَا يُقَالُ الْمَدْلُولُ الشَّرْعِيُّ مَدْلُولٌ عُرْفِيٌّ فَيَتَكَرَّرُ مَعَ الْمَدْلُولِ الْعُرْفِيِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَدْلُولُ الْعُرْفِيُّ يُطْلَقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ الْخَاصِّ، وَهُوَ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ كَالشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ، وَعَلَى الْعُرْفِيِّ الْعَامِّ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاقِلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى