للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بِفَوْتٍ) أَيْ تَعَذُّرٍ (مَا حَلَفَ عَلَيْهِ) لِغَيْرِ مَانِعٍ بَلْ (وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ) كَحَيْضٍ لِمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ وَحَمَلَ مِنْهُ لِمَنْ حَلَفَ لَيَبِيعَنَّهَا (أَوْ) لِمَانِعٍ عَادِيٍّ كَغَصْبٍ أَوْ (سَرِقَةٍ) لِحَيَوَانٍ حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّهُ أَوْ ثَوْبٍ حَلَفَ لَيَلْبَسَنَّهُ أَوْ طَعَامٍ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ، وَهَكَذَا وَمَحِلُّ الْحِنْثِ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ، وَإِلَّا فَلَا (لَا) يَحْنَثُ لِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ فَلَا يَحْنَثُ (بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي) حَلِفِهِ (لَيَذْبَحَنَّهُ) فَمَاتَ عَقِبَ الْيَمِينِ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَإِنْ وَقَّتَ بِشَهْرٍ مَثَلًا فَمَاتَ فِيهِ فَلَا حِنْثَ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَيُفَرِّطُ وَالْكَافُ يُقَدَّرُ دُخُولُهَا عَلَى حَمَامٍ أَيْضًا فَيَشْمَلُ الْمَوْتُ الْحَرْقَ وَنَحْوَهُ، وَيَشْمَلُ الْحَمَامُ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ، وَيَشْمَلُ الذَّبْحُ اللُّبْسَ وَنَحْوَهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَانِعَ الشَّرْعِيَّ يَحْنَثُ بِهِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الْيَمِينِ أَقَّتَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا لَكِنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ لَا يَزُولُ كَحَمْلِ جَارِيَةٍ فِي لَيَبِيعَنَّهَا وَالْعَفْوُ فِي الْقِصَاصِ لَا فِي نَحْوِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا الْعَادِيُّ وَالْعَقْلِيُّ فَإِنْ تَقَدَّمَا عَلَى الْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ مُطْلَقًا أَقَّتَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ تَأَخَّرَ فَالْعَادِيُّ يَحْنَثُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَالْعَقْلِيُّ يَحْنَثُ فِيهِ إنْ لَمْ يُؤَقِّتْ، وَفَرَّطَ لَا إنْ بَادَرَ أَوْ أَقَّتَ.

(وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ (بِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ) أَيْ ضِدِّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَوَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ وَهَذَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَثَّلْنَا، وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ أَوْ الْبِرُّ

ــ

[حاشية الدسوقي]

اللُّغَوِيِّ بَلْ الَّذِي فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّاقِ تَقْدِيمُ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ. اهـ. بْن.

(قَوْلُهُ: بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِغَيْرِ مَانِعٍ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ اللَّيْلَةَ فَتَرَكَهُ اخْتِيَارًا حَتَّى فَاتَتْ اللَّيْلَةُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَانِعٍ إلَخْ) رُدَّ بِلَوْ فِي الشَّرْعِيِّ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ، وَعَلَى سَحْنُونٍ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأَمَةِ، وَفِي الْعَادِيِّ عَلَى نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ أَشْهَبَ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ) فَبَانَ بِهَا حَيْضٌ يَحْنَثُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ حَلَفَ لَيَبِيعَنَّهَا) فَبَانَ بِهَا حَمْلٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْحِنْثِ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ إلَخْ) أَيْ إنَّ الْحِنْثَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فَاتَ فِيهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ مَحَلُّهُ إذَا أَطْلَقَ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ، وَلَا بِعَدَمِهِ، وَأَوْلَى لَوْ قَيَّدَ بِالْإِطْلَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ لَأَفْعَلَنَّهُ مُطْلَقًا قَدَرْت عَلَى الْفِعْلِ أَوْ لَا أَمَّا إنْ قَيَّدَ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ فَلَا حِنْثَ بِفَوَاتِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَحْنَثُ لِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ) مِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ مَا إذَا حَلَفَ ضَيْفٌ عَلَى رَبِّ دَارٍ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَبَحَ لَهُ أَوْ حَلَفَ لَيَفْتَضَّنَّ زَوْجَتَهُ فَوَجَدَ عُذْرَتَهَا سَقَطَتْ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ وَتَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ عَقْلًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَنِثَ) أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ فَرَّطَ حَتَّى فَاتَ حَنِثَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْثِ مَعَ التَّفْرِيطِ إذَا لَمْ يُوَقِّتْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ لِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ قَدْ عَيَّنَ وَقْتًا لِفِعْلِهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَّتَ، وَفَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَيُفَرِّطُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُوَقِّتْ فَلَا حِنْثَ إنْ حَصَلَ الْمَانِعُ عَقِبَهُ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنْ فَرَّطَ مَعَ التَّأْخِيرِ حَتَّى فَاتَ فَالْحِنْثُ (قَوْلُهُ: فَيَشْمَلُ الْمَوْتَ وَنَحْوَهُ) أَيْ كَالْحَرْقِ فَإِذَا حَلَفَ لَيَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَأَخَذَهُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَحَرَقَهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ حَيْثُ وَقَّتَ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَيُفَرِّطْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَلَا حِنْثَ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ. (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) قَدْ نَظَمَ ذَلِكَ عج بِقَوْلِهِ

إذَا فَاتَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ ... فَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا فَحِنْثُهُ مُطْلَقَا

كَعَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ إنْ يَتَأَخَّرَا ... وَفَرَّطَ حَتَّى فَاتَ دَامَ لَك الْبَقَا

وَإِنْ أَقَّتَ أَوْ قَدْ كَانَ مِنْهُ تَبَادُرٌ ... فَحِنْثُهُ بِالْعَادِي لَا غَيْرُ مُطْلَقَا

وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمَا ... فَلَا حِنْثَ فِي حَالٍ فَخُذْهُ مُحَقَّقَا

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الْيَمِينِ) اُنْظُرْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّفْرِيطُ فِي الْمَانِعِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ يُقَالُ تَفْرِيطُهُ بِإِمْكَانِ الْكَشْفِ عَنْهُ قَرِيبًا فَتَرَكَهُ وَحَلَفَ (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ فِي الْقِصَاصِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ لَيَقْتَصَّنَّ مِنْ الْجَانِي فَعَفَا عَنْهُ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ قَبْلَ الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: لَا فِي نَحْوِ الْحَيْضِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ مُقَيَّدٌ كَمَا فِي النَّقْلِ بِمَا إذَا حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ أَيْ فَبَانَ أَنَّهَا حَائِضٌ أَوْ طَرَأَ لَهَا الْحَيْضُ بَعْدَ الْيَمِينِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ وَطْئِهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِاللَّيْلَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِحَيْضِهَا بَلْ يَنْتَظِرُ طُهْرَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيَطَؤُهَا حِينَئِذٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي بْن وطفى خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ عبق مِنْ الْحِنْثِ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ) ظَاهِرُهُ تَحَتُّمُ الْحِنْثِ بِذَلِكَ، وَهُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ غَايَةُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَالِفَ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ الْمُطْلَقِ لَهُ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ، وَيُكَفِّرُ، وَلَا يَتَحَتَّمُ الْحِنْثُ إلَّا بِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِيَمِينِهِ، وَيَبْطُلُ الْعَزْمُ كَمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ فَعَلَيَّ كَذَا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الزَّوَاجِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِلزَّوَاجِ، وَإِبْطَالُ عَزْمِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا حَلَفَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ بِهِ طَلَاقًا، وَإِلَّا لَزِمَهُ بِمُجَرَّدِ -

<<  <  ج: ص:  >  >>