قُيِّدَ فِيمَا بَعْدَ الْكَافِ (وَ) إذَا لَمْ يُقْتَلُوا (تُرِكَ لَهُمْ) مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ (الْكِفَايَةُ فَقَطْ) أَيْ مَا يَكْفِيهِمْ حَيَاتَهُمْ عَلَى الْعَادَةِ، وَقُدِّمَ مَالُهُمْ عَلَى مَالِ غَيْرِهِمْ، وَيُؤْخَذُ مَا يَزِيدُ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَا لِلْكُفَّارِ مَالٌ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَاسَاتُهُمْ إنْ أَمْكَنَ (وَ) إنْ تَعَدَّى أَحَدٌ عَلَى قَتْلٍ مَنْ ذُكِرَ (اسْتَغْفَرَ) أَيْ تَابَ وُجُوبًا (قَاتِلُهُمْ) قَبْلَ حَوْزِهِمْ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ، وَكُلُّ مَنْ لَا يُقْتَلُ يَجُوزُ أَسْرُهُ إلَّا الرَّاهِبَ وَالرَّاهِبَةَ بِلَا رَأْيٍ (كَمَنْ) أَيْ كَقَتْلِ مَنْ (لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ) فَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِ سِوَى الِاسْتِغْفَارِ.
(وَإِنْ حِيزُوا) أَيْ مَنْ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ سِوَى الرَّاهِبِ وَالرَّاهِبَةِ أَنْ صَارُوا مَغْنَمًا، وَقَتَلَهُمْ شَخْصٌ (فَقِيمَتُهُمْ) عَلَى قَاتِلِهِمْ يَجْعَلُهَا الْإِمَامُ فِي الْغَنِيمَةِ (وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ) الْمُنْعَزِلَانِ بِلَا رَأْيٍ (حُرَّانِ) فَلَا يُؤْسَرَانِ، وَلَا يُقْتَلَانِ، وَإِنْ كَانَ لَا دِيَةَ عَلَى قَاتِلِهِمَا وَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ قُتِلُوا قَوْلَهُ: (بِقَطْعِ مَاءٍ) عَنْهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَغْرَقُوا (وَآلَةٍ) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَمَنْجَنِيقٍ، وَلَوْ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانِ (وَبِنَارٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا) ، وَقَدْ خِيفَ مِنْهُمْ (وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ) فَإِنْ أَمْكَنَ غَيْرُهَا أَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ لَمْ يُحْرَقُوا بِهَا، وَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ بِهَا بِالشَّرْطَيْنِ (وَإِنْ) كُنَّا، وَإِيَّاهُمْ أَوْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ (بِسُفُنٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ لِلْمَنْطُوقِ (وَ) قُوتِلُوا (بِالْحِصْنِ بِغَيْرِ تَحْرِيقٍ) بِنَارٍ (وَتَغْرِيقٍ) بِمَاءٍ، وَهَذَا كَالتَّخْصِيصِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِقَطْعِ مَاءٍ وَآلَةٍ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَإِنَّمَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ سَحْنُونٍ وَسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ فِي لَغْوِ تَرَهُّبِهَا وَاعْتِبَارِهِ صَيْرُورَتَهَا حُرَّةً بِالتَّرَهُّبِ فَلَا تُسْتَرَقُّ، وَعَدَمُ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ اقْتِصَارَ الْمُصَنِّفِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ يُفِيدُ قَتْلَ الْأُجَرَاءِ وَالْحَرَّاثِينَ وَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ بَلْ يُؤْسَرُونَ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ الْمَاجِشَونِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَائِلًا وَهُوَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فِي أَهْلِ دِينِهِمْ كَالْمُسْتَضْعَفِينَ كَذَا فِي بْن وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ فِي حَالٍ، وَأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ بِنَظَرِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ إلَخْ) أَيْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَمَا بَعْدَهُ لَا يُقْتَلُونَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْيٌ وَتَدْبِيرٌ فِي الْحُرُوبِ لِقَوْمِهِمْ، وَإِلَّا قُتِلُوا وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرُ رَأْيُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ فِي تَرْكِ رَأْيِهَا (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يُقْتَلُوا تُرِكَ لَهُمْ الْكِفَايَةُ) أَيْ، وَإِذَا لَمْ يُقْتَلُوا، وَلَمْ يُؤْسَرُوا تَرَكَ إلَخْ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْكِفَايَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَا يُقْتَلُ، وَلَا يُؤْسَرُ سَوَاءٌ كَانَ لَا يَجُوزُ أَسْرُهُ كَالرَّاهِبِ أَوْ كَانَ أَسْرُهُ جَائِزًا، وَلَكِنْ تُرِكَ مِنْ غَيْرِ أَسْرٍ كَالْبَاقِي، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُمْ الْكِفَايَةَ فَقَطْ أَيْ لَا كُلَّ مَا لَهُمْ هُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُقْتَلُونَ، وَلَا يُؤْسَرُونَ يُتْرَكُ لَهُمْ مَا يَتَمَعْيَشُونَ مِنْهُ كَالْبَقَرَةِ وَالْغُنَيْمَاتِ وَالْبَغْلَةِ وَالنُّخَيْلَاتِ وَمَا يَقُومُ بِمَعَاشِهِمْ، وَيُؤْخَذُ الْبَاقِي أَوْ يُخَرَّبُ أَوْ يُحْرَقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ يُتْرَكُ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ كُلُّهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَقُدِّمَ مَالُهُمْ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ (قَوْلُهُ: مُوَاسَاتُهُمْ) أَيْ مِنْ مَالِهِمْ (قَوْلُهُ: وَاسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَلَا دِيَةٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّاهِبِ وَالرَّاهِبَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ وَهُوَ مُفَادُ النَّقْلِ عَنْ الْبَاجِيَّ كَمَا فِي طفى وَمَا فِي خش مِنْ أَنَّ الرَّاهِبَ وَالرَّاهِبَةَ يَلْزَمُ قَاتِلَهُمَا دِيَتُهُمَا لِأَهْلِ دِينِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَهُوَ خِلَافُ النَّقْلِ، اُنْظُرْ حَاشِيَةَ شَيْخِنَا الْعَدَوِيِّ.
(قَوْلُهُ: إلَّا الرَّاهِبَ وَالرَّاهِبَةَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَسْرُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْمَعْتُوهِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى فَإِنَّهُمْ وَإِنْ حَرُمَ قَتْلُهُمْ يَجُوزُ أَسْرُهُمْ، وَيَجُوزُ تَرْكُهُمْ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ، وَمِنْ غَيْرِ أَسْرٍ وَحِينَئِذٍ يُتْرَكُ لَهُمْ الْكِفَايَةُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِ سِوَى الِاسْتِغْفَارِ) أَيْ سَوَاءٌ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ جِهَادٍ أَوْ فِي جِهَادٍ قَبْلَ أَنْ يُدْعَوْا لِلْإِسْلَامِ أَوْ الْجِزْيَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَقْتُولُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ مُتَمَسِّكٍ بِكِتَابٍ أَوْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِكِتَابٍ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِلُزُومِ الدِّيَةِ لِقَاتِلِ هَذَا الْأَخِيرِ.
(قَوْلُهُ: سِوَى الرَّاهِبِ وَالرَّاهِبَةِ) أَيْ وَأَمَّا هُمَا فَلَا يُحَازَانِ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤْسَرَانِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ حُرَّانِ (قَوْلُهُ: الرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ الْمُنْعَزِلَانِ بِلَا رَأْيٍ حُرَّانِ) التَّقْيِيدُ بِلَا رَأْيٍ خَاصٍّ بِالرَّاهِبِ لِمَا مَرَّ أَنَّ رَأْيَ الْمَرْأَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ فِي تَرْكِ رَأْيِهَا (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا وَقَدْ خِيفَ مِنْهُمْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْخَوْفِ فَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ بَلْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ بِهَا وَلَوْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ تَرَكْنَاهُمْ، اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ لَمْ يُحْرَقُوا بِهَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ خِفْنَا مِنْهُمْ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لِابْنِ الْحَاجِبِ التَّوْضِيحُ هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ لِلْمَنْطُوقِ) قِيلَ الْأَوْلَى جَعْلُهَا رَاجِعَةً لِلْمَفْهُومِ أَيْ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ غَيْرُ النَّارِ أَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ بِالنَّارِ وَلَوْ بِسُفُنٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الشَّرْطَانِ جَازَ قَتْلُهُمْ بِالنَّارِ اتِّفَاقًا فِي السُّفُنِ كَالْحِصْنِ فَلَا مَحَلَّ لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى السُّفُنِ.
وَقَدْ يُقَالُ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَأْتِ بِلَوْ الَّتِي لِرَدِّ الْخِلَافِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِإِنْ، وَالْمُبَالَغَةُ يَكْفِي فِي صِحَّتِهَا مُجَرَّدُ دَفْعِ التَّوَهُّمِ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ النَّارَ تُتْلِفَ حَقَّ الْغَازِينَ فِي السُّفُنِ (قَوْلُهُ: وَبِالْحِصْنِ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ، وَقُوتِلُوا فِي غَيْرِ الْحِصْنِ بِقَطْعِ مَاءٍ وَآلَةٍ، وَفِي الْحِصْنِ بِغَيْرِ تَحْرِيقٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا كَالتَّحْصِيصِ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ صَوَابٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute