للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرِيدُ طَلَاقَهَا (فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ) تَظُنُّ أَنَّهُ طَالِبُ حَاجَةٍ (فَطَلَّقَهَا) أَيْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَظُنُّهَا حَفْصَةَ (فَالْمَدْعُوَّةُ) وَهِيَ حَفْصَةُ تَطْلُقُ مُطْلَقًا فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ وَأَمَّا الْمُجِيبَةُ فَفِي الْقَضَاءِ فَقَطْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَطَلَقَتَا) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ وَيُحْتَمَلُ طَارِقُ وَعَمْرَةُ وَهُوَ أَوْلَى وَأَتَمُّ فَائِدَةً (مَعَ) قِيَامِ (الْبَيِّنَةِ) وَلَوْ قَالَ فِي الْقَضَاءِ كَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِنْكَارِ وَحُصُولِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَتَى قِيلَ مَعَ الْبَيِّنَةِ فَالْمُرَادُ الْقَضَاءُ الشَّامِلُ لِلْإِقْرَارِ

(أَوْ) (أُكْرِهَ) عَلَى إيقَاعِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي فَتْوَى وَلَا قَضَاءٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ بَلْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَاحِدَةٍ فَأَوْقَعَ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ كَالْمَجْنُونِ أَيْ وَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا بِطَلَاقِهِ حَلَّ الْعِصْمَةِ بَاطِنًا وَإِلَّا لَوَقَعَ عَلَيْهِ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ إمَّا شَرْعِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ طَوْعٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ جَزْمًا خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ فَأَخْرَجَهَا قَاضٍ لِتَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَكَمَا لَوْ حَلَفَ فِي نِصْفِ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ لَا بَاعَهُ فَأَعْتَقَ شَرِيكُهُ نِصْفَهُ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الْحَالِفِ وَكَمَّلَ بِهِ عِتْقَ الشَّرِيكِ أَوْ حَلَفَ لَا اشْتَرَاهُ فَأَعْتَقَ الْحَالِفُ نَصِيبَهُ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لِتَكْمِيلِ عِتْقِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَ مَذْهَبَ الْمُغِيرَةِ وَرَدَّ بِلَوْ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ الرَّاجِحَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ) الَّذِي حَلَفَ لَا بَاعَهُ أَوْ لَا اشْتَرَاهُ وَكَانَ الصَّوَابُ الْعَكْسَ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ كُلَّ مَا كَانَ الْإِكْرَاهُ فِيهِ شَرْعِيًّا (أَوْ فِي فِعْلٍ) دَاخِلٍ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ فَلَا يَحْنَثُ كَحَلِفِهِ بِطَلَاقٍ لَا أَدْخُلُ دَارًا فَأُكْرِهَ عَلَى دُخُولِهَا أَوْ حُمِلَ وَأُدْخِلَهَا مُكْرَهًا خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِالْحِنْثِ فِي الْإِكْرَاهِ الْفِعْلِيِّ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ صِيغَةَ بِرٍّ كَمَا مَثَّلْنَا فَإِنْ كَانَتْ صِيغَةَ حِنْثٍ نَحْوُ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْيَمِينِ حَيْثُ قَالَ: وَوَجَبَتْ بِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ وَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَأْمُرْ الْحَالِفُ غَيْرَهُ أَنْ يُكْرِهَهُ وَبِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ سَيُكْرَهُ وَبِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ فِي يَمِينِهِ لَا أَدْخُلُهَا طَوْعًا وَلَا كُرْهًا وَأَنْ لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ حَيْثُ كَانَتْ يَمِينُهُ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِأَجَلٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

مَا بَعْدَهُ فَقَوْلُهُ فَالْمَدْعُوَّةُ لَيْسَ بَيَانًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ بَلْ هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَإِذَا لَمْ تَطْلُقْ عَمْرَةُ فَتَطْلُقُ الْمَدْعُوَّةُ وَهِيَ حَفْصَةُ فِي الْفَتْوَى (قَوْلُهُ يُرِيدُ طَلَاقَهَا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُرِيدًا لِطَلَاقِهَا (قَوْلُهُ أَيْ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ) فَحَفْصَةُ تَطْلُقُ بِقَصْدِهِ وَعَمْرَةُ بِلَفْظِهِ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ طَارِقُ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَمْرَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَإِذَا طَلُقَتْ عَمْرَةُ وَهِيَ الْمُجِيبَةُ فِي الْقَضَاءِ فَأَوْلَى حَفْصَةُ الْمَدْعُوَّةُ (قَوْلُهُ وَأَتَمُّ فَائِدَةً) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ الْقَضَاءُ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ الْبَيِّنَةِ مَعْنَاهُ مَعَ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي كَانَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ تَشُدُّ عَلَى أَلْفَاظِهِ عِنْدَ إنْكَارِهِ أَوْ لَا بِأَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ

(قَوْلُهُ أَوْ أُكْرِهَ) عَطْفٌ عَلَى سَبَقَ لِسَانُهُ أَيْ لَا إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَلَا إنْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِهِ

(قَوْلُهُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ) أَيْ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ طَوْعٍ (قَوْلُهُ أَوْ حَلَفَ لَا اشْتَرَاهُ) أَيْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فِي الْعَبْدِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِكَتَقْوِيمٍ إلَخْ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ غَيْرَ شَرْعِيٍّ بَلْ وَلَوْ كَانَ بِكَتَقْوِيمٍ إلَخْ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ صَوَابَ وَضْعِ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَفِي فِعْلٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْفِعْلِ لَا الْقَوْلِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى فِعْلٍ إلَّا بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ فَتُتَحَرَّرُ الْعِبَارَةُ قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ.

(قَوْلُهُ وَكَانَ الصَّوَابُ الْعَكْسَ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لَا بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ كُلَّ مَا كَانَ الْإِكْرَاهُ فِيهِ شَرْعِيًّا) أَيْ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ لَا يُطِيعُ أَبَوَيْهِ أَوْ لَا يَقْضِي فُلَانًا دَيْنَهُ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى طَاعَةِ أَبَوَيْهِ أَوْ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَذْهَبُ لُزُومُهُ كَمَا عَلِمْت.

(قَوْلُهُ أَوْ فِي فِعْلٍ) فِي بِمَعْنَى عَلَى هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِهِ بَلْ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلٍ وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْفِعْلُ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ الَّتِي فِيهَا خِلَافُ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَمَّا الَّتِي فِيهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ فَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَفِيهَا خِلَافُ الْمُغِيرَةِ وَالْمُدَوَّنَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِالشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّارِحِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْحِنْثِ مُقَيَّدٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَثَّلْنَا) وَنَحْوُ إنْ دَخَلْتِ دَارَ زَيْدٍ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ صِيغَةً حَنِثَ) أَيْ وَلَا يَنْفَعُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ لِانْعِقَادِهَا عَلَى الْحِنْثِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِيغَةَ الْبِرِّ لَا حِنْثَ فِيهَا بِالْإِكْرَاهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا صِيغَةُ الْحِنْثِ فَلَا يَنْفَعُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ لِانْعِقَادِهَا عَلَى الْحِنْثِ.

(قَوْلُهُ وَوَجَبَتْ بِهِ) أَيْ وَوُجِّهَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ إنْ انْتَفَى الْإِكْرَاهُ بِبِرٍّ أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ إكْرَاهٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ إكْرَاهٌ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ فَلَا حِنْثَ (قَوْلُهُ وَبِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ حِينَ الْحَلِفِ أَنَّهُ سَيُكْرَهُ أَيْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ) أَيْ وَإِلَّا حَنِثَ (قَوْلُهُ حَيْثُ كَانَتْ يَمِينُهُ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِأَجَلٍ) وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>