للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْنِي أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ نَحْوُ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ أَقْدَمْ مِنْ سَفَرِي فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ بَلْ يُنْتَظَرُ وَ (مُنِعَ مِنْهَا) فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا حَتَّى يَحْصُلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَفَعَتْهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ كَمَا يَأْتِي (إلَّا) أَنْ يَكُونَ بِرُّهُ فِي وَطْئِهَا نَحْوُ (إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا أَوْ) إنْ (لَمْ أَطَأْهَا) فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا وَمَحَلُّهُ فِي إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا حَيْثُ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ وَلَوْ مِنْ جِهَتِهِ نُجِّزَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (وَهَلْ يُمْنَعُ) مِنْ نَفْيٍ وَلَمْ يُؤَجَّلْ مِنْ وَطْئِهَا (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ لِلْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلٍ قَبْلَهُ عَادَةً أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ مَحَلُّ الْمَنْعِ مِنْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَقَعُ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ عَادَةً فِعْلُهُ قَبْلَهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا إلَّا إذَا جَاءَ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُؤَجَّلِ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) يُمْنَعُ (إلَّا فِي كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ) فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يَقُلْ (فِي هَذَا الْعَامِ) وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْعَامِ لَكَانَ صَوَابًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ.

(وَلَيْسَ) الْوَقْتُ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ (وَقْتَ سَفَرٍ) لِكَالْحَجِّ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ عَادَةً مِنْ السَّفَرِ (تَأْوِيلَانِ) رَجَّحَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الثَّانِي قَائِلًا؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَلَا يَقْصِدُ أَحَدٌ الْحَجَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ، فَإِنْ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْعَامِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا إذَا جَاءَ وَقْتُ الْخُرُوجِ لَهُ فَيُمْنَعُ فَإِنْ خَرَجَ وَإِلَّا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلِذَا جَعَلْنَا قَوْلَهُ فِي هَذَا الْعَامِ مُتَعَلِّقًا بِمَنْفِيٍّ مَحْذُوفٍ وَهُوَ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسُقُوطُهُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ كَمَا عَلِمْت إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَحْذُوفِ وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى حِنْثٍ مُطْلَقٍ يُمْنَعُ وَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَعَلَى مُؤَجَّلٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

مُؤَجَّلًا فَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَ بِهِ (قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ دُخُولَ دَارٍ أَوْ قُدُومًا مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَكْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَإِلَّا نُجِّزَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِمُحَرَّمٍ كَإِنْ لَمْ أَزْنِ أَوْ إنْ لَمْ يَزْنِ زَيْدٌ هَكَذَا قِيلَ وَلَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ غَالِبٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّقَيُّدِ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ مُنِعَ مِنْهَا) أَيْ وَيُنْتَظَرُ فَحُذِفَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ أَثْبَتَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا وَمِنْ هُنَا قَوْلُهُ وَيُنْتَظَرُ فَهُوَ شِبْهُ احْتِبَاكٍ وَقَوْلُهُ مَنَعَ مِنْهَا ابْنُ عَرَفَةَ، فَإِنْ تَعَدَّى وَوَطِئَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ لِخَلَلٍ فِي مُوجِبِ الْوَطْءِ وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ كُلُّ وَطْءٍ فَاسِدٍ لَا يَطَأُ فِيهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ يُرِيدُ فَاسِدٍ لِسَبَبِ حِلِّيَّتِهِ أَلَا تَرَى وَطْءَ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُعْتَكِفَةِ وَالصَّائِمَةِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ رَفَعَتْهُ) أَيْ، فَإِنْ تَضَرَّرَتْ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ وَرَفَعَتْهُ لِلْقَاضِي ضُرِبَ إلَخْ (قَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ) أَيْ لَا مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ مُنِعَ مِنْهَا أَيْ يُمْنَعُ مِنْهَا فِي كُلِّ لَفْظٍ فِيهِ نَفْيٌ وَلَمْ يُؤَجَّلْ إلَّا فِي هَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا وَيَسْتَرْسِلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا لِلْقَاضِي يَضْرِبُ لَهَا أَجَلَ الْإِيلَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَعَلَيْهِ إذَا تَضَرَّرَتْ بِتَرْكِ الْوَطْءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِدُونِ ضَرْبِ أَجَلٍ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ انْتِظَارِهِ وَعَدَمُ مَنْعِهِ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مَحَلُّ الْمَنْعِ مِنْهَا إلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا لَكِنْ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَالثَّانِي قَوْلٌ لِغَيْرِهِ مُفَصَّلٌ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ إنَّ شُرَّاحَهَا اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ بَيْنَهُمَا خِلَافًا وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَيْنَهُمَا وِفَاقٌ فَالْقَوْلُ الْمُفَصَّلُ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ وَاسْتَظْهَرَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَرَيَانَ التَّأْوِيلَيْنِ فِيمَا إذَا عَيَّنَ الْعَامَّ مَعَ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا إلَّا إذَا جَاءَ وَقْتُ خُرُوجِهِ فَيَمْنَعُ مِنْهَا حَتَّى يَحُجَّ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الثَّانِي) فِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّمَا اسْتَظْهَرَ كَوْنَ الْقَوْلَيْنِ بَيْنَهُمَا وِفَاقٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ خِلَافٌ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ اسْتَظْهَرَ الثَّانِي.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَمَا يَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ قَبْلَهُ عَادَةً يَجْرِي فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْخُرُوجِ لِبَلَدٍ وَكَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَأُسَافِرَنَّ لِمِصْرِ مَثَلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ السَّفَرُ لِفَسَادِ طَرِيقٍ أَوْ غُلُوِّ كِرَاءٍ أَوْ قَالَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لَيَشْكِيَنَّ زَيْدًا لِلْحَاكِمِ وَلَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ يَشْتَكِي إلَيْهِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الزَّوْجَةِ إلَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْفِعْلِ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ السَّفَرِ أَوْ جَاءَ الْحَاكِمُ.

(قَوْلُهُ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَحْذُوفِ) تَمَحَّلَ بَعْضُهُمْ لِجَوَابٍ آخَرَ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْعَامِ مُتَعَلِّقًا بِالْقَوْلِ الْمَدْخُولِ لِحَرْفِ الْجَرِّ لَا بِأَحُجُّ وَالْأَصْلُ أَوْ إلَّا فِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الْعَامِ إنْ لَمْ أَحُجَّ فَالْقَوْلُ مُقَيَّدٌ وَالْحَجُّ مُطْلَقٌ (قَوْلُهُ يُمْنَعُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَى مُؤَجَّلٍ) أَيْ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ مَثَلًا فِي هَذَا الشَّهْرِ وَهَذَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ صَرِيحًا بَلْ عُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>