سِوَى الْبَرَاءَةِ، وَقَبُولُهُ أَوْ الْإِبْرَاءُ إنْ أَحْضَرَهُ لِغَرَضِ الْبَرَاءَةِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَخَذَهُ الْحَاكِمُ لَهُ (كَفَى الْأَدَا) أَيْ: كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَدَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ غَرَضٍ، وَهُوَ ارْتِفَاقُهُ بِالْأَجَلِ، وَلَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، كَمَا لَوْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَلَمْ يَقْنَعْ الْمُسْلِمُ بِهِ، بَلْ طَلَبَهَا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ، كَمَا عُلِمَ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ فَقَوْلُهُ: (بِالْعُذْرِ مِنْ مُمْتَنِعِ) يَعُمُّ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ، إلَّا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فِي امْتِنَاعِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ غَرَضٍ كَمَا مَرَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَقَابَلَ غَرَضَاهُمَا فِي الْأَدَاءِ حِينَئِذٍ أُجِيبَ الْمُسْتَحِقُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَالدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ اتَّفَقَ كَوْنُ رَأْسِ
ــ
[حاشية العبادي]
وُجُوبِ الْقَبُولِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ لِمُسَاعَدَةِ النَّقْلِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ عَقِبَ قَوْلِ الرَّوْضِ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ امْتَنَعَ الدَّائِنُ لَا لِغَرَضٍ لِزْمَة الْقَبُولُ مَا نَصُّهُ: سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ غَيْرُ الْبَرَاءَةِ أَمْ لَا، اهـ. بِاخْتِصَارِ أَمْثِلَةِ الْغَرَضِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ أَوْ ضَامِنٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَدِينِ وَلَهُ إسْقَاطُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَابِ الْمَنَاهِي أَنَّ الْمَدِينَ إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ لَا يَسْقُطُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ الْإِسْقَاطَ وَسِيلَةٌ إلَى الطَّلَبِ الْمُؤَدِّي لِلْبَرَاءَةِ، وَالدَّفْعُ مُحَصَّلٌ لَهَا نَفْسِهَا فَكَانَ أَقْوَى مَعَ أَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يَسْقُطْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ: أَنَّهُ إذَا تَقَابَلَ غَرَضَاهُمَا يُرَاعَى جَانِبُ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى غَرَضِ الْمُؤَدِّي إلَّا عِنْدَ عَدَمِ غَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ لِنَقْلِهِ إلَخْ) هِيَ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ زَادَ الْمَحَلِّيُّ عَقِبَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ مِنْ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ اهـ. وَالشَّارِحُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مُؤْنَةٌ فِي نَقْلِهِ إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ كَمَا لَا يَخْفَى كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذًا مِمَّا فِي الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى عَنْ الْجَوْجَرِيِّ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُ مَوْضِعِهِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُجْلَبَ مِنْهُ إلَى مَوْضِعِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْأَدَاءُ بِهِ إذَا رَضِيَ الْمُسْلِمُ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْنَعْ الْمُسْلِمُ بِهِ) اقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ إذَا قَنِعَ أُجْبِرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَقَدْ بَحَثَ الْجَوْجَرِيُّ اسْتِثْنَاءَ مَا لَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُجْلَبَ إلَى مَكَانِ اللُّقَى قَالَ: فَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ وَإِنْ قَنَعَ بِهِ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَكْلِيفَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ مِنْ بَلَدِ الْمَحَلِّ إلَى بَلَدِ اللُّقَى. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ وَقَالَ هُنَا بَحْثًا أَيْضًا: لَوْ كَانَتْ الْبَلَدُ الَّتِي لَقِيَهُ بِهَا يُعْتَادُ حَمْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْهَا إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الْأَدَاءَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ يُؤَدِّيهَا بِالْقَاهِرَةِ ثُمَّ وَجَدَهُ بِالصَّعِيدِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ وَفَرَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ الْحَمْلِ إلَى الْقَاهِرَةِ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ هَذَا الَّذِي بَحَثَهُ آخِرًا مَفْهُومُ قَوْلِ الشَّارِحِ: وَلَمْ يَقْنَعْ الْمُسْلِمُ بِهِ، بَلْ طَلَبَهَا
(فَرْعٌ) لَوْ كَانَتْ الْمُؤْنَةُ مُنْتَفِيَةً وَلَكِنَّ الْقِيمَةَ بِمَكَانِ اللُّقَى أَعْلَى لَمْ يَجِبْ الْأَدَاءُ ثُمَّ رَأَيْت مَا بَحَثَهُ أَوَّلًا فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْمَحَلِّيِّ حَيْثُ قَالَا: وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَحَلِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ مُؤْنَةٌ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ قُلْت: وَاقْتَضَى قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَمْ يَقْنَعْ بِهِ الْمُسْلِمُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْنَعْ وَرَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِدَفْعِ الْمُؤْنَةِ جَازَ قَبُولُهَا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْهَامِشِ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ اعْتِيَاضٌ مَمْنُوعٌ
(قَوْلُهُ نَعَمْ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ) أَيْ صُورَتَيْ امْتِنَاعِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْقَبُولِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَالْمَوْضِعِ، وَصُورَتَيْ امْتِنَاعِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ الْأَدَاءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَغَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: كَفَى الْأَدَاءُ. (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا مَرَّ وَجْهُ الْأَخْذِ أَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ غَرَضُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ غَرَضِ الْمُسْلِمِ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ. (قَوْلُهُ وَالدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ إلَخْ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الدَّائِنِ قَبُولُهَا قَبْلَ مَحَلِّهَا إذَا امْتَنَعَ لِغَرَضٍ، وَمِنْ الْغَرَضِ مَا إذَا عَلَّقَ الزَّوْجُ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى تَزَوُّجِهِ عَلَيْهَا وَإِبْرَاؤُهَا مِنْ كَذَا مِنْ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ لَهَا قَبْلَ مَحَلِّهِ، فَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ لِأَنَّ لَهَا
[حاشية الشربيني]
أَصْلًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ وَقَبُولُهُ أَوْ الْإِبْرَاءُ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ فِي الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ الْمُحْضَرِ بِغَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ، بَلْ عَلَى الْقَبُولِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ ثَمَّ اسْتَحَقَّ التَّسْلِيمَ لِوُجُودِ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، فَامْتِنَاعُهُ مَحْضُ عِنَادٍ فَضُيِّقَ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْإِبْرَاءِ بِخِلَافِهِ هُنَا اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إلَخْ) وَلَا يُطَالَبُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ هُنَا، وَبِهِ فَارَقَ مُطَالَبَةَ الْمَالِكِ لِلْغَاصِبِ وَالْمُتْلِفِ بِهَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ) مِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حَيْثُ طُولِبَ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ فَيَتَخَيَّرُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute