الرَّهْنِ أَوْ مِنْ مَقَاصِدِهِ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَا لَا يَقْبَلُ الْبَيْعَ كَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ قِصَاصٌ لِقَبُولِهِمَا الْبَيْعَ.
لَكِنْ لَوْ شُرِطَ رَهْنُهُمَا فِي بَيْعٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِحَالِهِمَا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، إذَا عَلِمَ بِحَالِهِمَا (غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِوَصْفِ عِتْقُهُ إنْ يَحْتَمِلْ عَلَى الْحُلُولِ سَبْقُهُ) أَيْ: صِحَّةُ الرَّهْنِ بِمَا ذُكِرَ حَالَةَ كَوْنِ الْمَرْهُونِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِوَصْفٍ يُحْتَمَلُ سَبْقُهُ حُلُولَ الدَّيْنِ، كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ لِلْغَرَرِ، وَفُهِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِوَصْفٍ يُعْلَمُ سَبْقُهُ الْحُلُولَ لِفَوَاتِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْحُلُولِ، أَمَّا رَهْنُهُ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ فَصَحِيحٌ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ حَتَّى وَجَدَ الْوَصْفَ، فَهُوَ كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِحَالِ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا بِحَالِ التَّعْلِيقِ، وَكَلَامُهُ كَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الرَّهْنِ إذَا عُلِمَ مُقَارَنَةُ الْوَصْفِ الْحُلُولَ أَوْ احْتَمَلَ الْمُقَارَنَةَ وَالتَّأَخُّرَ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِيهِمَا لَا يُحْتَمَلُ سَبْقُهُ الْحُلُولَ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْبُطْلَانُ.
وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: يُحْتَمَلُ مُقَارَنَتُهُ لِيَبْطُلَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهَا أَوْ بِالسَّبْقِ أَوْ بِإِمْكَانِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، (وَلَا مُكَاتَبٍ وَ) لَا (مَا لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ وَ) لَا (الْمَوْقُوفِ) ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ شَيْءٍ مِنْهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، (وَ) لَا (الْمُدَبَّرِ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ لِلْغَرَرِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، إذْ قَدْ يَمُوتُ السَّيِّدُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِهِ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ فَجْأَةً قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ بَيْعِهِ، وَقَوَّى فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَهُ فِي الدَّلِيلِ وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ مُشْكِلٌ بِالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ: فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةِ الْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَالْأَصْحَابُ نَظَرُوا فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ إلَى مَعْنًى أَوْجَبَ لَهُمْ التَّفْصِيلَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَانِعَ خُرُوجُ الْوَثِيقَةِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ قَبْلَ الْحَمْلِ، فَاسْتَثْنَوْا الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ بِأَجَلٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى الصِّفَةِ، وَلَعَلَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ، بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُدَبَّرِ آكَدُ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ.
وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ: بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَالشَّافِعِيُّ نَظَرَ فِيهِمَا إلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُمَا الْعِتْقَ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُمَا عَنْ مِلْكِهِ
، (وَإِنْ لَهُ) أَيْ: لِلرَّهْنِ (اسْتَعَارَ) ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَوَثُّقٌ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا لَا يُمْلَكُ بِدَلِيلِ الْإِشْهَادِ وَالْكَفَالَةِ، بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْمُثَمَّنَ.
(وَاشْرُطْ ذِكْرَهُ صِفَاتِ دَيْنٍ جِنْسَ دَيْنٍ قَدْرَهُ) أَيْ: وَاشْرُطْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فِي الْإِعَارَةِ لِلرَّهْنِ أَنْ يَذْكُرَ لِلْمُعِيرِ صِفَاتِ الدَّيْنِ الَّذِي يَرْهَنُ بِهِ، كَكَوْنِهِ صَحِيحًا أَوْ مُكَسَّرًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَجِنْسَهُ كَكَوْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَقَدْرَهُ كَعَشَرَةٍ أَوْ مِائَةٍ. (وَذَا ارْتِهَانٍ) أَيْ: وَالْمُرْتَهِنَ كَكَوْنِهِ زَيْدًا لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ (إنْ يُخَالِفْ) أَيْ: الْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (بَطَلَا)
ــ
[حاشية العبادي]
وَالْمُوصَى لَهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ لِلْغَرَرِ) بِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ هَلَّا تَبَيَّنَ صِحَّتَهُ إذَا تَبَيَّنَ التَّأْخِيرَ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْقُعُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَاكَ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ غَرَرٌ
(قَوْلُهُ وَفُهِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِوَصْفٍ يُعْلَمُ سَبْقُهُ الْحُلُولَ) لَوْ شُرِطَ بَيْعُهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الْمُرْشِدِ: بِصِحَّةِ الرَّهْنِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي رَهْنِ مَا يَفْسُدُ قَبْلَ الْمَحَلِّ وَلَا يُجَفَّفُ بِرّ. (قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ) قَيَّدَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحُلُولِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْعُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ بِرّ. (قَوْلُهُ فَهُوَ كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ) الْمُعْتَمَدُ الْعِتْقُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الرَّوْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ التَّعْلِيقِ م ر. (قَوْلُهُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْبُطْلَانُ) اعْتَمَدَهُ م ر
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَهُ اسْتَعَارَ) شَامِلٌ لِاسْتِعَارَةِ النَّقْدِ فَيَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ لِرَهْنِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لَا يُقَالُ: شَرْطُ الْعَارِيَّةِ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا، وَهَذَا يُوفَى مِنْهُ الدَّيْنُ فَيَتْلَفُ فَلَمْ يَكُنْ الِانْتِفَاعُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يُنْتَفَعُ هُنَا بِالْعَارِيَّةِ بِالتَّوَثُّقِ، وَهُوَ يُمْكِنُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا تَلَفُهَا بِتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِعَارَةُ غَيْرِ النَّقْدِ لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِبَيْعِهِ وَالتَّوْفِيَةِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْوَفَاءِ وَكَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ النَّقْدِ الْمَرْهُونِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوفَى مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِبَيْعِهِ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالِ الْغَيْرِ
ــ
[حاشية الشربيني]
مَسْأَلَةٍ خِلَافِيَّةٍ، وَهِيَ رَهْنُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا جَوَّزْنَاهُ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي رَهْنِ الْجَارِيَةِ دُونَ وَلَدِهَا إذَا قُلْنَا: تُبَاعُ وَحْدَهَا وَيُقَالُ: هَذِهِ التَّفْرِقَةُ ضَرُورِيَّةٌ اهـ. نَاشِرِيٌّ. (قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ) أَيْ: وَقَدْ حَلَّ الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصْفِ أَوْ كَانَ حَالًّا. (قَوْلُهُ كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ) فَيَنْفُذُ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ يَنْفُذُ مِنْ الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ. اهـ. م ر
(قَوْلُهُ وَقَوَّى فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ قَالَ: إنَّهُ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ هُوَ مُشْكِلٌ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ جَازَ رَهْنُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الضَّرَرِ كُلَّ لَحْظَةٍ بِمَوْتِ السَّيِّدِ فَجْأَةً قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فَيَكُونُ الْغَرَرُ فِيهِ أَقْوَى اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ.
(قَوْلُهُ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ كَقَدْرِ الْأَجَلِ عَلَى مَا لسم بِالْهَامِشِ. (قَوْلُهُ إلَّا بِنَقْصِ الْقَدْرِ)