أَيْ: الرَّهْنُ لِلْمُخَالَفَةِ (إلَّا بِنَقْصِ الْقَدْرِ) الْمُعَيَّنِ مِنْ الدَّيْنِ، فَلَا يَبْطُلُ بِهِ لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ فِي ضِمْنِ رِضَاهُ بِالْأَكْثَرِ، (لَا لِيَجْعَلَا رَهْنًا لِوَاحِدٍ فَمِنْ شَخْصَيْنِ) أَيْ: لَا إنْ اسْتَعَارَهُ لِيَجْعَلَهُ رَهْنًا مِنْ وَاحِدٍ فَجَعَلَهُ رَهْنًا مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ.
(وَ) كَذَا (عَكْسُهُ) بِأَنْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ مِنْ اثْنَيْنِ فَرَهَنَهُ مِنْ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، إذْ فِي الْأُولَى قَدْ يَبِيعُ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ الْمَرْهُونَ دُونَ الْآخِرِ فَيَتَشَقَّصُ الْمِلْكُ عَلَى الْمُعِيرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمَرْهُونِ، وَقَوْلُهُ: لَا لِيَجْعَلَا إلَى آخِرِهِ تَبِعَ فِي ذِكْرِهِ الْحَاوِيَ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي نَقْصِ الْقَدْرِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهِ؛ لِأَنَّ تَعْبِيرَهُمَا بِالْقَدْرِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ الْعَهْدِيَّةِ يُفِيدُ: أَنَّ الْمُرَادَ نَقْصُ قَدْرِ الدَّيْنِ وَأَنَّ مَا عَدَاهُ دَاخِلٌ فِي الْمُخَالَفَةِ، وَلَوْ سَلِمَ دُخُولُهُ فِيهِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَا: لَا لِيَرْهَنَ مِنْ اثْنَيْنِ فَرَهَنَ مِنْ وَاحِدٍ لِيَكُونَ نُقْصَانُ قَدْرٍ أُخْرِجَ مِنْ نُقْصَانِ قَدْرٍ، وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ عَكْسِهِ لِدُخُولِهِ فِي الْمُخَالَفَةِ.
(وَهِيَ) أَيْ: الْإِعَارَةُ لِلرَّهْنِ (ضَمَانُ الدَّيْنِ) أَيْ: ضَمَانُ الْمُعِيرِ لِدَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ لَا فِي ذِمَّتِهِ، بَلْ (فِي رَقْبَةِ الْمَرْهُونِ) بِإِسْكَانِ الْقَافِ لِلْوَزْنِ، فَإِنَّهُ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ إلْزَامَ ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّهِ وَتَصَرُّفِهِ، (وَالرُّجُوعُ) لِلْمُعِيرِ عَنْ الْعَارِيَّةِ وَلِلْمُسْتَعِيرِ عَنْ الرَّهْنِ (إنْ يَقْبِضَنْ مُرْتَهِنٌ) الْمُعَارَ (مَمْنُوعُ) ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الرَّهْنِ مَعْنًى، إذْ لَا وُثُوقَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ لِعَدَمِ تَمَامِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ
(وَإِنْ جَنَى) الْمُعَارُ الْمَرْهُونُ (فِي يَدِهِ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فَبِيعَ فِي جِنَايَةٍ) أَيْ: جِنَايَتِهِ (فَمُهْدَرٌ) فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ أَمَانَةٌ، وَلَا الرَّاهِنُ إذْ لَمْ يَسْقُطْ الْحَقُّ عَنْ ذِمَّتِهِ (كَالتَّلَفِ) أَيْ: كَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ أَدَاءِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ مُهْدَرٌ لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَا الرَّاهِنُ لِذَلِكَ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الضَّمَانِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِذْنِ فِي الرَّهْنِ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ.
(وَيَأْمُرُ الْمُعِيرُ، وَهُوَ مَنْ ضَمِنْ) أَيْ: الدَّيْنَ (رَاهِنَهُ) أَيْ: رَاهِنَ الْمُعَارِ (بِفَكِّهِ) ، وَيُجْبِرُهُ عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ تَخْلِيصِ مِلْكِهِ (وَ) يَأْمُرُ أَيْضًا (الْمُرْتَهِنْ بِرَدِّ رَهْنٍ أَوْ طُلَّابِ الدَّيْنِ) أَيْ: بِرَدِّ الْمَرْهُونِ إلَيْهِ أَوْ بِطَلَبِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّاهِنِ لِيُوفِيَ فَيَنْفَكَّ الرَّهْنُ، كَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا وَمَاتَ الْأَصِيلُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إمَّا أَنْ تُطَالِبَ بِحَقِّك مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ تُبْرِئَنِي.
وَقَوْلُهُ: (مَعْ حُلُولِهِ) أَيْ: الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا ثُمَّ حَلَّ. قَيْدٌ فِي مَسْأَلَتَيْ أَمْرِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِتَعْجِيلِ أَدَائِهِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ، وَلَا صَاحِبَ الدَّيْنِ بِإِبْرَائِهِ أَوْ بِطَلَبِ دَيْنِهِ مِنْ الْأَصِيلِ
ــ
[حاشية العبادي]
لِنَفْسِهِ اهـ. وَهُوَ مُرَادُ الشَّيْخِ، وَذَلِكَ الْمُثَمَّنُ لِلْمُعِيرِ وَالثَّمَنُ لِلْمُسْتَعِيرِ بِرّ. (قَوْلُهُ إلَّا بِنَقْصِ الْقَدْرِ) اقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ لِيَرْهَنَ عَلَى عَشَرَةٍ صَحِيحَةٍ فَرَهَنَ عَلَى عَشَرَةٍ مُكَسَّرَةٍ يَبْطُلُ، وَقَدْ يُلْتَزَمُ ذَلِكَ بِرّ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مُهْدَرٌ) ، وَلَوْ أُتْلِفَ أُقِيمَ بَدَلُهُ مَقَامَهُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا، وَبَعْدَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ) شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلِمَا بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ اهـ. لَكِنْ لَوْ كَانَ تَلَفُهُ فِي يَدِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ، بِأَنْ أَنَابَهُ فِي وَضْعِ الْيَدِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَيْسَتْ يَدَ عَارِيَّةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ فِيهَا بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ فَيَنْبَغِي الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ يَدِهِ حِينَئِذٍ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ حُكْمُ الضَّمَانِ) أَيْ ضَمَانِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَالَ م ر: وَالضَّابِطُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمَعْدُولُ إلَيْهِ أَحَقَّ جَازَ إنْ تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمَا لَوْ اسْتَعَارَ لِيَرْهَنَ مِنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَرَهَنَ مِنْ ثِقَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ كَسُهُولَةِ مُعَامَلَةِ غَيْرِ الثِّقَةِ.
(قَوْلُهُ إلَّا بِنَقْصِ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الدَّيْنِ) قَالَ ز ي: أَوْ مِنْ الْأَجَلِ وَعَزَاهُ لِلرَّمْلِيِّ وَخَالَفَهُ سم؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ فِي تَطْوِيلِ الْأَجَلِ لِيَحْضُرَ لَهُ مَالٌ فَيَفْتَكَّ مِلْكَهُ اهـ. ق ل مَعَ زِيَادَةٍ، ثُمَّ رَأَيْت سم كَتَبَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ ق ل بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ م ر، وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ دَاخِلٌ فِي الْمُخَالَفَةِ) أَيْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ ذِي الِارْتِهَانِ مِنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ كَكَوْنِهِ زَيْدًا مِثَالٌ. (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الْإِعَارَةُ لِلرَّهْنِ ضَمَانُ الدَّيْنِ أَيْ مَعَهَا ضَمَانُ الدَّيْنِ أَيْ: الْمُغَلَّبُ فِيهَا ضَمَانُهُ فِي رَقَبَةِ الْمَرْهُونِ لَا فِي ذِمَّةِ الْمُعِيرِ، فَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاءٌ، لَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الْإِعَارَةُ إلَخْ أَيْ: الْإِعَارَةُ بَعْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ الْمَرْهُونِ وَقِيلَ: بَاقِيَةٌ عَلَى كَوْنِهَا عَارِيَّةً قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ الْقَوْلَانِ فِي التَّمَحُّضِ عَارِيَّةً أَوْ ضَمَانًا، بَلْ فِي الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ إذَا تَلِفَ ضَمَانَ الْعَوَارِيِّ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَعْدَ الْقَبْضِ عَارِيَّةٌ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الصِّفَاتِ وَالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَعْدَهُ ضَمَانٌ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ قَوْلِهِ: وَهِيَ ضَمَانُ الدَّيْنِ عَلَى ذِكْرِ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِهَا عَارِيَّةً اهـ. مِنْ الْمَحَلِّيِّ وَقِ ل وَالشَّيْخُ عَمِيرَةُ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِنَا فَكَانَ الْأَوْلَى إلَخْ
(قَوْلُهُ لِذَلِكَ) أَيْ: لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ أَمَانَةٍ وَالرَّاهِنُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَقَّ عَنْ ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ بِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ مِنْ الضَّمَانِ وَغَيْرِهِ