الْمَرْهُونِ إذَا وُجِدَتْ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِهَا الرَّهْنُ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْبَيْعِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَمُّرِ بَاقٍ عَلَى صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ بَطَلَ لَكِنْ لَا بِمَعْنَى إبْطَالِهِ الْكُلِّيِّ، بَلْ بِمَعْنَى إبْطَالِ حُكْمِهِ مَا دَامَ الْعَصِيرُ خَمْرًا كَمَا يَلُوحُ بِهِ قَوْلُهُ: (إنَّمَا لَا يُقْبَضُ الْخَمْرُ إذَنْ) أَيْ: لَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ بِتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ كَمَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ: لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ حِينَ تَخَمُّرِهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ.
(وَلَزِمَا) أَيْ: الرَّهْنُ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ (بِقَبْضِ ذِي التَّكْلِيفِ) الَّذِي يَصِحُّ ارْتِهَانُهُ، أَمَّا قَبْضُهُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] فَلَوْ لَزِمَ بِدُونِ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ، فَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ مُكَلَّفٍ يَصِحُّ ارْتِهَانُهُ؛ فَلِأَنَّهُ الَّذِي يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ كَمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ قَبْضُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ (كَالتَّعَيُّنِ لِلدَّيْنِ) ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ الْمُكَلَّفِ أَيْ: الَّذِي يَصِحُّ قَبْضُهُ، فَلَوْ قَبَضَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ لَمْ يَبْرَأْ الدَّافِعُ، وَلَوْ تَلِفَ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ يَضْمَنُوهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ ضَيَّعَهُ بِتَسْلِيمِهِ لَهُمْ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فَالْحَقُّ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: أَلْقِ حَقِّي فِي الْبَحْرِ، فَأَلْقَى قَدْرَ حَقِّهِ لَمْ يَبْرَأْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمُودِعِهِ: سَلِّمْ وَدِيعَتِي لِهَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَهَا، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُعَيَّنِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ، إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ضَرُورَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ.
(وَالتَّوْكِيلُ) جَائِزٌ (لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ) أَيْ: فِي الْقَبْضِ كَمَا فِي الْعَقْدِ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ (لِغَيْرِ رَاهِنٍ) بِخِلَافِ الرَّاهِنِ، إذْ الْوَاحِدُ غَيْرُ مَنْ مَرَّ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْقَبْضِ وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي الرَّهْنِ فَقَطْ جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي الْقَبْضِ مِنْ الْمَالِكِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، (وَ) لِغَيْرِ (عَبْدِهِ) أَيْ: الرَّاهِنِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ سَوَاءٌ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ وَغَيْرُهُمْ، (سِوَى مُكَاتَبٍ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَمِثْلُهُ الْمُبَعَّضُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ التَّوْكِيلُ فِي نَوْبَتِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَمَةَ، وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ كَالْعَبْدِ، وَقَبْضُ الْمَرْهُونِ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إقْبَاضِ الرَّاهِنِ أَوْ إذْنِهِ فِي قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا ذَكَرَهُ مَعَ كَيْفِيَّةِ قَبْضِهِ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ) أَيْ: وَالْمُرْتَهِنِ الَّذِي (فِي يَدِهِ) الْمَرْهُونُ بِإِيدَاعٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (فَبِمُضِيِّ) أَيْ: فَقَبْضُهُ إذَا كَانَ غَائِبًا بِمُضِيِّ (مُدَّةِ) إمْكَانِ (الذَّهَابِ إلَيْهِ) ، وَقَبْضُهُ (كَالْبَيْعِ وَالِاتِّهَابِ) مِنْ إنْسَانٍ لِمَا فِي يَدِهِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي قَبْضِهِ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ الذَّهَابِ إلَيْهِ وَقَبْضِهِ.
(وَشَرْطُهُ) أَيْ: قَبْضِ الْمَرْهُونِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ (إذْنٌ جَدِيدٌ) لَهُ فِيهِ مِنْ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ عَنْ
ــ
[حاشية العبادي]
هُنَاكَ تَعْلِيلٌ سَابِقٌ عَلَى الْفَلَسِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ: لَوْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ غُرَمَاءُ غَيْرَ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجُزْ لِلرَّاهِنِ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ فَكِّ الْحَجْرِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ عَقْدَ الرَّهْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَكَذَا تَسْلِيمُ الرَّهْنِ اهـ. وَقِيَاسُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَارِثِ التَّسْلِيمُ حَيْثُ كَانَ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ لِتَعَلُّقِ أَرْبَابِهِ بِسَائِرِ التَّرِكَةِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ لَكِنْ رَدَّهُ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِنَا وَجَوَّزُوا لِلْوَارِثِ مَا ذُكِرَ لِسَبْقِ التَّعَلُّقِ بِالرَّهْنِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَحْتَاجُونَ لِلْفَرْقِ، إلَّا أَنْ يُخَالِفُوا ابْنَ الصَّبَّاغِ هُنَا أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ
وَقَدْ يُفَرِّقُونَ، بِأَنَّ التَّعَلُّقَ الْجَعْلِيَّ بِالْحَجْرِ بِالْفَلَسِ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ الْحَاصِلِ بِالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ حِينَ تَخَمُّرِهِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: فَلَوْ قَبَضَهُ خَمْرًا وَتَخَلَّلَ اسْتَأْنَفَ الْقَبْضَ لَا الْعَقْدَ، وَلَوْ مَاتَتْ الشَّاةُ أَيْ الْمَرْهُونَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَيْ أَوْ الرَّاهِنِ فَدَبَغَ الْمَالِكُ جِلْدَهَا لَمْ يُعَدَّ رَهْنًا اهـ. وَقَوْلُهُ: فَدَبَغَ الْمَالِكُ مِثْلَهُ غَيْرَهُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي شَرْحِهِ
(قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ) فِي بَعْضِ هَوَامِشِ الشَّرْحِ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، إذَا وَكَّلَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي أَنْ يُوَكِّلَ شَخْصًا عَنْ نَفْسِهِ لِيَقْبِضَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ. نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ: وَكِّلْ عَنِّي أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَكَانَ وَكِيلًا عَنْ الْمُرْتَهِنِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي الرَّهْنِ) مِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ كَانَ وَلِيًّا حَيْثُ جَازَ لَهُ الرَّهْنُ فَكَمَّلَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُوَكِّلَ ذَلِكَ الْوَلِيَّ فِي الْقَبْضِ لِانْعِزَالِهِ بِكَمَالِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ بِمُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ مِنْ وَقْتِ الْإِذْنِ لَا الْعَقْدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
ــ
[حاشية الشربيني]
ع ش (قَوْلُهُ مَا دَامَ الْعَصِيرُ خَمْرًا) فَإِنْ عَادَ خَلًّا عَادَ الرَّهْنُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ زَالَ تَبَعًا لِزَوَالِ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَلَمَّا عَادَ عَادَ
(قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ) أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ جَائِزٌ. (قَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ) وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ قَبْضِهِ لَكِنْ تَبَعًا، كَأَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ وَيَقْبِضَهُ ثُمَّ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ فَيَنْفَسِخَ الرَّهْنُ تَبَعًا. (قَوْلُهُ لِغَيْرِ رَاهِنٍ) أَمَّا تَوْكِيلُ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْإِقْبَاضِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ لَهُ فِي الْقَبْضِ، وَهُوَ كَافٍ اهـ. ق ل وَمِّ ر. (قَوْلُهُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي الْقَبْضِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَنْعَزِلْ الرَّاهِنُ مِنْ الْوَكَالَةِ خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ
(قَوْلُهُ وَوَقَعَ التَّوْكِيلُ فِي نَوْبَتِهِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَوَقَعَ الْقَبْضُ فِي نَوْبَتِهِ، وَإِنْ وَقَعَ التَّوْكِيلُ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ وَلَمْ يُشْرَطْ فِيهِ الْقَبْضُ فِي نَوْبَتِهِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ اهـ. وَانْظُرْ هَلْ قَوْلُهُ: وَلَمْ يُشْرَطْ مِنْ تَمَامِ الْغَايَةِ فَيَكُونُ ضَمِيرُ فِيهَا عَائِدًا لِنَوْبَةِ الْمُبَعَّضِ؟ أَوْ تَقْيِيدًا فَيَكُونُ عَائِدًا لِنَوْبَةِ سَيِّدِهِ؟ ، رَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ إذْنٌ جَدِيدٌ) وَلَا بُدَّ