لَا يَكُونُ رَهْنًا كَسَائِرِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ كَثَمَرَةٍ وَبَيْضٍ وَلَبَنٍ وَصُوفٍ وَمَهْرٍ وَكَسْبٍ، فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ حَامِلًا، بَلْ يُنْتَظَرُ وَضْعُهَا فَتُبَاعُ لِحَقِّ الرَّهْنِ، فَإِنْ بِيعَتْ لِيُعْطَى الثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ جَازَ، وَإِنَّمَا جَعَلْت قَوْلَهُ كَحَمْلِ الْبَطْنِ إلَى آخِرِهِ نَظِيرًا لَا مِثَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ زَائِدًا عَلَى الْمَرْهُونِ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّظِيرَ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَالْحَمْلُ فِي رَهْنِيَّةِ الْأُمِّ دَخَلَ وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مِثَالًا بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: كَزِيَادَةِ حَمْلِ الْبَطْنِ بِمَعْنَى نُمُوِّهِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ.
(وَإِنْ نَفَاهَا) أَيْ: الْجِنَايَةَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا الْجَانِي (رَاهِنٌ وَأَدَّى) دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْبَدَلِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ (إلَى الْمُقِرِّ رَدَّا) أَيْ: رَدَّ الْبَدَلَ إلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُنْكِرُهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ، فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ الْبَدَلِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْمُقِرُّ عَلَى الرَّاهِنِ، وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ رَدُّهُ إلَى الْمُقِرِّ بِعَدَمِ رَدِّ مَا قَبَضَتْهُ الزَّوْجَةُ مِنْ الْمَهْرِ إلَى زَوْجِهَا، فِيمَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ طَلَاقِهَا وَطْأَهَا وَأَنْكَرَتْهُ وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْوَطْءِ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِهَا وَلَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا الْخَصْمَانِ.
(وَالرَّهْنُ يَنْفَكُّ بِأَنْ يَبْرَأَ) أَيْ: بِالْبَرَاءَةِ (مِنْ جَمِيعِ دَيْنٍ) رُهِنَ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَدَاءٍ أَمْ تَعْوِيضٍ أَمْ إبْرَاءٍ أَمْ حَوَالَةٍ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ أَمْ إقَالَةٍ عَنْ سَبَبِهِ، فَلَوْ تَلِفَ الْمُعَوَّضُ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الِاعْتِيَاضُ وَعَادَ الرَّهْنُ كَمَا عَادَ الدَّيْنُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لَا مِنْ حِينِهِ، وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي إنَّ الْغَاصِبَ لَوْ بَاعَ بِالْوَكَالَةِ مَا غَصَبَهُ صَحَّ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، فَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ إنْ قُلْنَا: بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ حِينِهِ فَلَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فَرْعُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ تَجَدَّدَ انْتَهَى. وَيُفَرَّقُ: بِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرَّهْنِ فِي الْأُولَى عَادَ فَعَادَ مُسَبَّبُهُ، وَالْغَصْبُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَعُدْ فَلَمْ يَعُدْ مُسَبَّبُهُ
(وَ) يَنْفَكُّ الرَّهْنُ (بِفَسْخِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْعُبَابِ: فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ بِغَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ حَتَّى تَضَعَ إنْ تَعَلَّقَ بِالْحَمْلِ حَقُّ الْآخَرِ اهـ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مَرْهُونٍ، فَلَا يُمْكِنُ بَيْعُ الْمَجْمُوعِ لِلرَّهْنِ وَتَوْزِيعُ الثَّمَنِ مُتَعَذِّرٌ لِلْجَهْلِ بِالْحَمْلِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ بَيْعِهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَوْ رَهَنَ نَخْلَةً ثُمَّ أَطْلَعَتْ اُسْتُثْنِيَ طَلْعُهَا عِنْدَ بَيْعِهَا، وَلَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْحَامِلِ اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْزِيعُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا لِلْعِلْمِ بِالطَّلْعِ
(قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ تَجَدَّدَ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُوَكِّلِ الَّذِي هُوَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَحْدَهُ، ثُمَّ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ لَمْ يَتَجَدَّدْ. (قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ إلَخْ) فِيهِ أَمْرَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ فَرْقَهُ هَذَا يَقْتَضِي مُوَافَقَةَ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا قَالَهُ، مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِمَا
ــ
[حاشية الشربيني]
أَيْ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ أَوْ كَذَّبَهُ، (قَوْلُهُ فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ حَامِلًا) أَيْ لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ، وَالتَّوْزِيعِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأُمِّ لِلْجَهْلِ بِقِيمَتِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ مُطْلَقًا. سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ ثَالِثٌ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ وَقَالَ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: إنَّمَا يَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا قَبْلَ وَضْعِهَا إنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ ثَالِثٌ بِوَصِيَّةٍ أَوْ حَجْرِ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ، أَوْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ دُونَهُ بِأَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ مَالِكِهَا كَالْجَانِيَةِ وَالْمُعَارَةِ لِلرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ أَوْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أُلْزِمَ الرَّاهِنُ بِالْبَيْعِ أَيْ لَهَا حَامِلًا وَتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ بِتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا، ثُمَّ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنُ وَالدَّيْنُ فَذَاكَ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْمَالِكُ، وَإِنْ نَقَصَ طُولِبَ بِالْبَاقِي.
(قَوْلُهُ فَإِنْ بِيعَتْ لِيُعْطَى إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى طَرِيقِ الشَّارِحِ كَحَجَرٍ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَمْلِ مَانِعٌ مِنْ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّوْزِيعِ، أَمَّا إنْ كَانَ الْمَانِعُ تَعَلُّقَ حَقٍّ ثَالِثٍ فَقَطْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ م ر، فَلَا يَتَأَتَّى إعْطَاءُ الثَّمَنِ كُلِّهِ لِلْمُرْتَهِنِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لِيُعْطَى الثَّمَنُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعْطَاهُ لِلْوَفَاءِ لَا لِيَكُونَ رَهْنًا تَحْتَ يَدِهِ، وَلَوْ أَرَادَ لَمْ يَكْفِ مُجَرَّدُ التَّرَاضِي، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ فِيمَا يَظْهَرُ سم عَلَى التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يُشْكِلُ إلَخْ) كُلٌّ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الزَّوْجَةِ لَيْسَتْ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا، وَإِنَّمَا نَظِيرُهَا مِنْ مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ بِيَدِ الرَّاهِنِ لِكَوْنِ الْأَصْلِ كَانَ بِيَدِهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ إلَى الْمُقِرِّ، إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ مُعْتَرِفٌ، بِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ يُنْكِرُهُ فَيُقَرُّ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِيهِمَا اهـ. م ر وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ
(قَوْلُهُ عَادَ) أَيْ عَادَ نَظِيرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَكِنَّهُ أُعْطِيَ حُكْمَ أَصْلِهِ ق ل. (قَوْلُهُ وَالْغَصْبُ إلَخْ) اُعْتُرِضَ، بِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْعَوْدِ فِي الْغَاصِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا: بِأَنَّهُ إذَا تَعَدَّى الْوَكِيلُ فِي الْعَيْنِ الْمُوَكَّلِ فِي بَيْعِهَا ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، بِأَنَّهُ يَعُودُ الضَّمَانُ وَإِذَا عَادَ فِي الْوَكِيلِ فَفِي الْغَاصِبِ أَوْلَى اهـ. وَأَقُولُ: الْفَرْقُ لَائِحٌ وَالْمُسَاوَاةُ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا صَارَ ضَامِنًا لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي تَعَدَّى فِيهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَتِهِ أَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ فَرَّقَ مَعَ الْتِزَامِ وَضْعِ الْغَاصِبِ يَدَهُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْبَيْعِ بِقُوَّةِ يَدِ الْوَكِيلِ، لِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَعَادَتْ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْبَيْعِ لِقُوَّتِهَا، بِخِلَافِ يَدِ الْغَاصِبِ لِضَعْفِهَا بِالتَّعَدِّي، فَإِذَا زَالَتْ بِالْبَيْعِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ انْقَطَعَ تَعَدِّيهَا وَلَمْ تَعُدْ بِارْتِفَاعِ الْبَيْعِ لِضَعْفِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. سم عَلَى التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ وَالْغَصْبُ إلَخْ) أَيْ مَعَ تَضَمُّنِ إذْنِهِ لَهُ فِي الْبَيْعِ بَرَاءَتَهُ مِنْ ضَمَانِهِ