الْمُعَامَلَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: تَنْزِيلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ وَجَعْلُهُ كَمَا لَوْ أُسْنِدَ لُزُومُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ الْمُقِرِّ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ قَالُوا: وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَى مُعَامَلَةٍ، وَلَا إتْلَافٍ لَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا انْتَهَى، وَالْبَحْثُ السَّابِقُ يَطَّرِدُ فِي هَذَا أَيْضًا، (وَ) يُحْجَرُ عَلَيْهِ مِنْ (رَدِّهِ الْمَعِيبَ) الَّذِي اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَغْتَبِطْ بِرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتٌ لِمَالٍ حَاصِلٍ بِلَا غَرَضٍ، (لَا إنْ اغْتَبَطْ) بِرَدِّهِ، فَلَا حَجْرَ مِنْهُ بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِغِبْطَةٍ، إذْ الْفَسْخُ لَيْسَ تَصَرُّفًا مُبْتَدَأً فَيُمْنَعُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يَشْمَلْهُ الْحَجْرُ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ: جَوَازُ رَدِّهِ حِينَئِذٍ دُونَ لُزُومِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَاسْتُشْكِلَ بِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ: مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فِي صِحَّتِهِ شَيْئًا ثُمَّ مَرِضَ وَاطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ وَالْغِبْطَةُ فِي رَدِّهِ، فَلَمْ يَرُدَّ حُسِبَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الثُّلُثِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيتٌ، وَقَضِيَّتُهُ: لُزُومُ الرَّدِّ هُنَا وَفُرِّقَ: بِأَنَّ حَجْرَ الْمَرَضِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّ إذْنَ الْوَرَثَةِ فِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا، وَإِذْنَ الْغُرَمَاءِ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُفْلِسُ يُفِيدُهُ الصِّحَّةُ وَالِاعْتِبَارُ، وَيُفَرَّقُ أَيْضًا: بِأَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ لِلْغُرَمَاءِ بِتَرْكِ الرَّدِّ قَدْ يُجْبَرُ بِالْكَسْبِ بَعْدُ بِخِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلْوَرَثَةِ بِذَلِكَ، (لَا بِخِيَارٍ) أَيْ: حُجِرَ عَلَيْهِ مِمَّا ذُكِرَ لَا مِنْ رَدِّ مَا اشْتَرَاهُ بِخِيَارٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غِبْطَةٌ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، (وَإِنْ الرَّدُّ سَقَطْ فَأَرْشُهُ لَهُ لِعَيْبٍ حَادِثِ) أَيْ: وَإِنْ سَقَطَ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ لِعَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُفْلِسِ، فَلَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ لِلتَّفْوِيتِ فَقَوْلُهُ: لِعَيْبٍ حَادِثٍ عِلَّةٌ لِسُقُوطِ الرَّدِّ. (وَبِنُكُولِ مُفْلِسٍ أَوْ وَارِثِ لِمُفْلِسٍ عَنْ حَلِفٍ) تَوَجَّهَ عَلَيْهِ كَحَلِفٍ (مَرْدُودِ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ) حَلَفَ (مَعْ وَاحِدٍ) ، وَفِي نُسْخَةٍ رَجُلٍ (شَهِيدِ) أَيْ: شَاهِدٍ (لَمْ يَحْلِفْ الْخَصْمُ) أَيْ خَصْمُ الْمُفْلِسِ، إذْ لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ حَقِّ الْمُفْلِسِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، بَلْ إذَا ثَبَتَ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ، (كَمَا أَنْ لَيْسَ لَهْ دَعْوَى) عَلَى مَنْ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنٌ بِهِمَا إذَا تَرَكَهَا الْمُفْلِسُ أَوْ وَارِثُهُ، (وَمَا يُوصَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَهْ) أَيْ: وَكَمَا أَنَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ مَا أَوْصَى بِهِ لِلْمُفْلِسِ، وَمَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ وَارِثُهُ لِمَا مَرَّ. وَعُلِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَثْبُتُ أَيْضًا لِخَصْمِ غَيْرِ الْمُفْلِسِ.
(وَمَالُ مُفْلِسٍ) حُجِرَ عَلَيْهِ (بِقَاضٍ بِيعَا) أَيْ: بِيعَ بِوَاسِطَتِهِ بِأَنْ يَبِيعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ لِخَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ (وَ) كَذَا (مَالُ مَدْيُونٍ لَوَى) بِالدَّيْنِ أَيْ: مَطَلَ بِهِ بِأَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُخَالِفْهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَالْبَحْثُ السَّابِقُ) عَنْ الرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَغْتَبِطْ بِرَدِّهِ) شَامِلٌ لِمَا الْغِبْطَةُ فِي إمْسَاكِهِ، وَلِمَا لَا غِبْطَةَ لَا فِي رَدِّهِ وَلَا فِي إمْسَاكِهِ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يُرَدُّ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ غِبْطَةٌ أَصْلًا لَا فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الْإِبْقَاءِ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ فِيهَا مُتَدَافِعٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي) وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ وَرَدُّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاكْتِسَابِ. (قَوْلُهُ يُفِيدُهُ الصِّحَّةُ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ هُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ أَوْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي إفَادَةِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ إذْنُ الْحَاكِمِ صَحَّ، وَلَوْ أَذِنَ الْحَاكِمُ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ. (قَوْلُهُ لِعَيْبٍ حَادِثٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَقَطَ.
[حاشية الشربيني]
مَا فِي م ر، وَلَا اعْتِرَاضَ اهـ. سم وَحِّ ف وَعِ ش وَشَوْبَرِيٌّ حَرِّرْ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ ق ل غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: أَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ شَرْعًا أَنَّ الْحَجْرَ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِخَفَاءِ مَالِهِ عِنْدَ الْحَجْرِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ الْحَجْرِ حِينَئِذٍ كَمَا نَقَلَهُ سم عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ) أَيْ فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ) أَيْ بِعَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَيُرَدُّ إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِيهِ لَهُ، وَإِلَّا فَالْغُرَمَاءُ لَا غِبْطَةَ لَهُمْ فِي الرَّدِّ حِينَئِذٍ، بَلْ فِي عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ تَفْوِيتًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الذِّمَّةِ، وَجُوِّزَ لَهُ الرَّدُّ رِعَايَةً لِمَصْلَحَتِهِ اهـ. تَأَمَّلْ لِيَنْدَفِعَ مَا قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ غِبْطَةٌ، وَهُوَ تَفْوِيتٌ مَحْضٌ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَتَصْوِيرُ بَعْضِ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنْ يَكُونَ مَا يُضَارَبُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَعِيبِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. (قَوْلُهُ جَوَازُ رَدِّهِ) أَيْ لِعَدَمِ وُجُوبِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ حَجْرَ الْمَرَضِ أَقْوَى) أَيْ فَأَثَّرَ فِيمَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَجُعِلَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثُّلُثِ، فَأُلْحِقَ بِالتَّبَرُّعَاتِ الْمَحْضَةِ. (قَوْلُهُ أَقْوَى) يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا عُلِّلَ بِهِ عَدَمُ نُفُوذِ اسْتِيلَادِهِ مِنْ أَنَّ حَجْرَ الْفَلَسِ أَقْوَى مِنْ حَجْرِ الْمَرَضِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ اهـ. ع ش. وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ لَك أَنْ تُنَازِعَ فِي أَنَّ حَجْرَ الْمَرَضِ أَقْوَى لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ، بِأَنَّ عَدَمَ إفَادَةِ إذْنِ الْوَرَثَةِ فِي حَيَاةِ الْمُورِثِ، لَيْسَ لِقُوَّةِ حَجْرِ الْمَرَضِ، بَلْ لِعَدَمِ تَسَلُّطِهِمْ عَلَى شَيْءٍ، إذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ إجَازَتَهُمْ فِي الصِّحَّةِ كَذَلِكَ؟ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ عَدَمَ الْإِفَادَةِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ حَجْرِ الْمَرَضِ.
(قَوْلُهُ وَإِذْنُ الْغُرَمَاءِ إلَخْ) يَرُدُّهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ، وَلَوْ بِإِذْنِهِمْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا انْضَمَّ لِإِذْنِهِمْ إذْنُ الْحَاكِمِ اهـ. شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ يَبِيعَهُ) أَيْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَالُ مَدْيُونٍ) أَيْ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ كَالْمُفْلِسِ، بَلْ لَهُ إكْرَاهُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى بَيْعِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ اهـ. م ر ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ مَا هُنَا تَبِعَ فِيهِ الرَّافِعِيَّ وَسَيَأْتِي. (قَوْلُهُ مَدْيُونٍ) أَيْ: أَيْسَرَ وَطَالَبَهُ بِهِ صَاحِبُهُ وَلَوْ مَرَّةً وَامْتَنَعَ اهـ. م ر فَلَعَلَّ الْأُسَيْفِعَ كَانَ كَذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute