أَحَدٌ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إنَّ الْأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعُ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دَيْنِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ: سَبَقَ الْحَاجُّ فَأَدَانَ مُعْرِضًا أَيْ: عَنْ الْوَفَاءِ فَأَصْبَحَ وَقَدْ رِينَ بِهِ أَيْ: غَلَبَ عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَحْضُرْ غَدًا، فَإِنَّا بَايِعُوا مَالَهُ وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ إيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ، فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرَبٌ) . وَيُنْدَبُ لِلْقَاضِي الْبَيْعُ (سَرِيعَا) مُبَادَرَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِمَا وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِذَوِيهِ وَلِئَلَّا يَطُولَ الْحَجْرُ وَالْحَبْسُ عَلَيْهِمَا، (لَا مُفْرِطًا سُرْعَتَهُ) أَيْ: وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ لَا يُفْرِطَ فِي إسْرَاعِ الْبَيْعِ لِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ.
وَيُنْدَبُ الْبَيْعُ (بِحَضْرَتِهْ) أَيْ: بِحَضْرَةِ كُلٍّ مِنْ الْمُفْلِسِ وَاللَّاوِي وَبِحَضْرَةِ الْخُصَمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْقُلُوبِ، وَلِيُخْبِرَ الْمَالِكُ بِصِفَةِ الْمَتَاعِ وَبِكَمْ اشْتَرَاهُ؟ فَيَكْثُرُ فِيهِ الرَّغْبَةُ، وَحَضْرَةُ الْوَكِيلِ كَحَضْرَةِ الْأَصِيلِ، وَيُنْدَبُ بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ وَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ، كَمَا فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ، نَعَمْ إنْ رَضِيَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِالنَّسِيئَةِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: جَازَ وَتَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ، وَلَوْ رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ حُقُوقِهِمْ جَازَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ، بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي.
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْفَرَائِضِ: قَسْمُ الْقَاضِي يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ: وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْعَبَّادِيِّ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا يُوَافِقُهُ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ بَاعَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ، فَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي عَدْلِ الرَّهْنِ وُجُوبُ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ عَنْ النَّصِّ. (قُلْت: وَقَالَ غَيْرُهُ) أَيْ الْحَاوِي التَّابِعِ لِلرَّافِعِيِّ لَا يَتَعَيَّنُ بَيْعُ الْقَاضِي مَالَ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْأَدَاءِ، بَلْ هُوَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ. (بِخِبْرَتِهْ فَإِنْ يَشَأْ فَلْيَبِعْ الْمَتَاعَا أَوْ عُزِّرَ الْمَانِعُ) أَيْ: الْمُمْتَنِعُ (حَتَّى بَاعَا) أَيْ: إلَى أَنْ يَبِيعَ مَتَاعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَيُعَزِّرُهُ بِمَا يَرَاهُ (وَلَوْ بِحَبْسٍ قَالَ) الْمُتَوَلِّي (فِي التَّتِمَّهْ عَلَيْهِ) أَيْ: التَّخْيِيرِ فِيمَا ذُكِرَ (تَعْوِيلُ) أَيْ: عَمَلُ (قُضَاةِ الْأُمَّهْ) وَ (يَبْدَأُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ بَيْعِ الْمَتَاعِ (بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمْ) ، وَهَذَا آخِرُ زِيَادَةِ النَّظْمِ فَيَبْدَأُ بِمَا يُخَافُ فَسَادُهُ، ثُمَّ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ كَزَكَاةٍ وَجِنَايَةٍ ثُمَّ بِالْحَيَوَانِ ثُمَّ بِسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ ثُمَّ بِالْعَقَارِ، وَيَبْدَأُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فَيُقَدِّمُ فِي الْمَنْقُولَاتِ الثِّيَابَ عَلَى النَّجَاسِ، وَفِي الْعَقَارِ الْبِنَاءَ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي غَيْرِ مَا يُخَافُ فَسَادُهُ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَقَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَقْدِيمَ الْعَقَارِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ، فَالْأَحْسَنُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ انْتَهَى.
(وَنِسْبَةَ الدَّيْنِ الَّذِي حَلَّ قَسَمَ) أَيْ: وَقَسَمَ الْقَاضِي عَلَى الْخُصَمَاءِ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ الْحَالَّةِ مُفْرَدَةً إلَيْهَا مَجْمُوعَةً مَا قَبَضَهُ مِنْ الْأَثْمَانِ، فَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عِشْرُونَ وَلِعَمْرٍو عَشَرَةٌ وَكَانَ مَا قَبَضَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَرَفَ إلَى زَيْدٍ عَشَرَةً وَإِلَى عَمْرٍو خَمْسَةً، (وَلَوْ سِوَى جِنْسٍ) أَيْ: وَلَوْ كَانَ مَا قَبَضَهُ غَيْرَ جِنْسِ حَقِّهِمْ، وَقَدْ (رَضُوا) بِهِ (لَا) إنْ كَانَ جِنْسُ حَقِّهِمْ (سَلَمَا) أَيْ: دَيْنَ سَلَمٍ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ فِيهِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِقِسْمَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْسِمَ مَا قَبَضَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ فَيُؤَخِّرَ لِيَجْتَمِعَ، فَإِنْ أَبَوْا التَّأْخِيرَ فَفِي
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ بِصِفَةِ الْمَتَاعِ) الْمُرَغِّبَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) أَوْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْفَرْقُ لَائِحٌ. (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ م ر) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ لَوْ طَلَبُوا مِنْ الْحَاكِمِ قِسْمَةَ شَيْءٍ بِأَيْدِيهِمْ، لَمْ يُجِبْهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ مِلْكُهُمْ اهـ. وَفُرِّقَ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ هُنَا وَرُبَّمَا تَأَخَّرَ لِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ الْبَيِّنَةِ فَيَتَضَرَّرُ، وَلَا كَذَلِكَ الشُّرَكَاءُ وَأَيَّدَ غَيْرُهُ الْأَوَّلَ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ: يَقَعُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ، بِأَنَّهُ مِلْكُهُ اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالِاحْتِيَاجِ لَا مِنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ مِنْ دَيْنِهِ) أَيْ حُكْمِ دَيْنِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْوَفَاءِ، وَالْبَاءُ لِلْبَدَلِ أَيْ: رَضِيَ بَدَلَ الْوَفَاءِ وَائْتِمَانَ النَّاسِ لَهُ بِقَوْلِ النَّاسِ فِي حَقِّهِ: إنَّهُ سَبْقُ الْحَاجِّ أَيْ سَبْقُ الْحُجَّاجِ بِالسَّفَرِ لِلْحَجِّ. (قَوْلُهُ وَآخِرُهُ حَرَبٌ) بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ غَصْبُ مَالِ الْإِنْسَانِ وَتَرْكُهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَرُوِيَ بِالسُّكُونِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ بَيْعُ إلَخْ) إلَّا إنْ تَعَلَّقَ بِالسُّوقِ غَرَضٌ لِلْمُفْلِسِ فَيَجِبُ م ر. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ إلَخْ) الْأَصْلُ عَدَمُهُ لَكِنْ لَوْ تَبَيَّنَ غَرِيمٌ فَالظَّاهِرُ: بُطْلَانُ الْبَيْعِ ع ش. (قَوْلُهُ لَا بُدَّ إلَخْ) لِأَنَّ بَيْعَهُ حُكْمٌ: بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى بَيِّنَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَهَذَا مَبْنَى الْمُعْتَمَدِ الْآتِي. اهـ. ق ل بِزِيَادَةٍ.
(قَوْلُهُ وُجُوبُ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: لَوْ بَاعَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ وُجِدَ رَاغِبٌ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَجَبَ الْبَيْعُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ لَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ بِالْحَيَوَانِ) أَيْ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ فَيُؤَخِّرُهُ حَتَّى عَنْ الْعَقَارِ وُجُوبًا، وَمِثْلُهُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الْأَدَاءِ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ اهـ. ق ل وَغَيْرُهُ. وَيُقَدَّمُ جَانٍ عَلَى مَرْهُونٍ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِهِ ق ل. لَكِنَّ الَّذِي فِي م ر تَقْدِيمُ الْمَرْهُونِ عَلَى الْجَانِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الرَّهْنِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ جَعْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ لَا إنْ كَانَ سَلَمًا) مِثْلُهُ كُلُّ مَا لَا يُعْتَاضُ