بِانْهِدَامِ الدَّارِ بِجَامِعِ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، فَخَرَجَ بِالْمُعَاوَضَةِ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا وَبِالْمَحْضَةِ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ الدَّمِ، فَلَا عَوْدَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، نَعَمْ لِلزَّوْجَةِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ فَسْخُ النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْحَجْرِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: لَا مَا بِحَجْرٍ يَقْتَرِنُ بِعِلْمِهِ مَا إذَا اقْتَرَنَتْ الْمُعَامَلَةُ بِالْحَجْرِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ، فَلَا عَوْدَ لَهُ بِالْإِفْلَاسِ، وَلَا يُضَارِبُ بِالثَّمَنِ لِتَقْصِيرِهِ، بِخِلَافِهِ مَعَ الْجَهْلِ، وَالْعَوْدُ يَكُونُ (حَالًا) أَيْ: عَقِبَ عِلْمِهِ بِالْحَجْرِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ، فَإِنْ قَصَّرَ لَمْ يَعُدْ، بَلْ يُضَارِبْ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَلَا يَفْتَقِرُ الْعَوْدُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي لِثُبُوتِهِ بِالْخَبَرِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ، وَكَالْحَجْرِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَوْتُ مُفْلِسًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَوْ أَفْلَسَ» (بِنَحْوِ الْفَسْخِ) أَيْ: لَهُ الْعَوْدُ بِنَحْوِ فَسَخْت الْبَيْعَ أَوْ نَقَضْته أَوْ رَفَعْته أَوْ رَدَدْت الثَّمَنَ أَوْ فَسَخْت الْبَيْعَ فِيهِ.
وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْحَاوِي: بِفَسَخْت الْبَيْعَ وَنَقَضْته وَرَفَعْته؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ فِي الثَّلَاثَةِ، (لَا جِمَاعِهِ) أَيْ: لَا بِوَطْئِهِ لِمَتَاعِهِ، بِأَنْ كَانَ أَمَةً (وَلَا بِأَنْ يَبِيعَهُ أَوْ حَرَّرَا) أَيْ: أَوْ حَرَّرَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يَحْصُلُ الْعَوْدُ بِهَا كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهَا فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ، وَتَلْغُو هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَ الْغَيْرِ (قَدْرَ) أَيْ: لَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
بَابِ الْقَرْضِ.
(قَوْلُهُ نَعَمْ لِلزَّوْجَةِ إلَخْ) مِمَّا هُوَ فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَبِالْمَحْضَةِ النِّكَاحُ. (قَوْلُهُ نَعَمْ لِلزَّوْجَةِ الْفَسْخُ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ: إذَا كَانَ لَهَا الْفَسْخُ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ الْمَذْكُورِ، فَمَا هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي يَنْتَفِي فِيهَا الْفَسْخُ بِإِفْلَاسِ الزَّوْجِ بِدُونِ الْإِعْسَارِ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُهُ: النِّكَاحُ؟ فَإِنْ قُلْت: لَا يَلْزَمُ مِنْ الْفَلَسِ الْإِعْسَارُ بِالْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمُفْلِسِ أَمْوَالٌ تَنْقُصُ عَنْ دُيُونِهِ الَّتِي مِنْهَا الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ وَتَزِيدُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مَثَلًا، فَهُوَ مُفْلِسٌ، وَلَيْسَ مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا فَسْخَ لَهَا بِهِمَا قُلْت فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى حَقِّهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِجَمِيعِ الْغُرَمَاءِ، فَعَجْزُهُ عَنْ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا حَاصِلٌ فِي الْمَعْنَى. نَعَمْ تَصِلُ إلَى بَعْضِ حَقِّهَا فَيَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَالْفَسْخُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْبَعْضِ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ يَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا دَامَ مَعَهُ مَا يَفِي بِمَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَدَاؤُهُمَا مِنْهُ، فَإِذَا صَرَفَهُ فِي دُيُونِهِ وَصَارَ مُعْسِرًا، فَلَهَا الْفَسْخُ حِينَئِذٍ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَادِمِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: شَرْطُ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ تَكُونَ مَحْضَةً، فَلَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ، ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا قَدْ يُتَجَاوَزُ عَنْهُ لِوُضُوحِهِ ثُمَّ فِيهِ وَقْفَةٌ مُنْكَرَةٌ، ثُمَّ ذُكِرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ هَلْ تَفْسَخُ بِالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ لِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ فِي النِّكَاحِ، بَلْ هُوَ فِي النِّكَاحِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَجْرِ، وَهُنَا يَتَوَقَّفُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ، بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْأَةِ وَأَجَابَ بِوُضُوحِهِ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْخَادِمِ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنْهَا مُنَازَعَةُ الرَّافِعِيِّ، بِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إرَادَةُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ بِقَيْدِ التَّعَذُّرِ بِسَبَبِ الْإِفْلَاسِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُحَصِّلَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ تَصْوِيرُ عَدَمِ الْفَسْخِ بِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا تَعَذُّرُ الْوُصُولِ إلَى الْمَهْرِ بِسَبَبِ إفْلَاسِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بِهِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى تَمَامِ حَقِّهَا وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ صَنِيعُ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ عَدَمُ الْفَسْخِ بِمَا صَوَّرَهُ بِهِ الرَّافِعِيُّ، لَكِنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ صَنِيعِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ مَعَ الْجَهْلِ إلَخْ) قَدْ
[حاشية الشربيني]
مَالَ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ، كَذَا فِي الْمَحَلِّيِّ وَق ل عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ النِّكَاحُ) كَأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ، فَلَا فَسْخَ ع ش. (قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ) كَأَنْ اخْتَلَعَتْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهَا ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ، فَلَا فَسْخَ. (قَوْلُهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ) لِانْتِفَاءِ الْعِوَضِ فِي نَحْوِ الْهِبَةِ وَلِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ فِي الْبَقِيَّةِ لِفَوَاتِ الْمُقَابِلِ، كَذَا عَلَّلُوا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ لِفَوَاتِ الْقِصَاصِ بِالْإِسْقَاطِ وَفِي الْخُلْعِ لِفَوَاتِ الْبُضْعِ بِالْبَيْنُونَةِ، وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلِلْأَغْلَبِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَمْ يَفُتْ اهـ. ق ل بِإِيضَاحٍ. (قَوْلُهُ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ) وَيَتَحَقَّقُ الْإِعْسَارُ بِهِ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِقِسْمَةِ مَالِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْحَجْرِ، لِوُجُودِ الْمَالِ مَعَ احْتِمَالِ حُدُوثِ مَالٍ أَوْ مُسَامَحَةِ غَرِيمٍ، وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قِسْمَةِ أَمْوَالِهِ وَمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ، هَذَا مَا اسْتَقَرَّ بِهِ ع ش عَلَى م ر وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَطَالَ بِهِ الْمُحَشِّي (قَوْلُهُ كَخِيَارِ الْعِتْقِ) أَيْ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute