الْعَوْدُ بِقَدْرٍ أَيْ بِحِصَّةٍ (سِوَى الْمَقْبُوضِ) مِنْ عِوَضِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ، فَلَوْ قَبَضَ نِصْفَهُ عَادَ إلَى نِصْفِ الْمَتَاعِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا عَادَ إلَى الْكُلِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: (إنْ تَعَذَّرَا بِالْفَلَسِ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ: الْعِوَضِ مَا صُرِّحَ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ (لَا الْهَرَبِ وَمَوْتِهِ، وَلَا إذَا الْأَدَا أَبِي) أَيْ: لَا إنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ بِهَرَبِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ إبَائِهِ الْأَدَاءَ أَيْ: امْتِنَاعِهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا عَوْدَ بِذَلِكَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِالسُّلُطَاتِ، فَإِنْ فُرِضَ عَجْزٌ فَنَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَخَرَجَ بِذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ بِالْعِوَضِ ضَامِنٌ مُوسِرٌ أَوْ رَهْنٌ يَفِي بِهِ مُعَارًا أَوْ غَيْرَهُ، فَلَا عَوْدَ، وَلَوْ تَعَذَّرَ بِانْقِطَاعِ جِنْسِ الْعِوَضِ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا فَسْخَ، إنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الثَّمَنِ، وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافُ انْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَيْ: وَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الْفَسْخِ.
وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ مَنْعَ الْفَسْخِ، بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي فَوَاتِ الْمَبِيعِ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ إتْلَافَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْتَضِيَ التَّخْيِيرَ، وَإِذَا جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ عَيْنِهِ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَى جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فَلِفَوَاتِ الْجِنْسِ أَوْلَى وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا قَوِيٌّ إذْ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ فَبَعْدَ الْفَسْخِ، وَهُنَاكَ الْمِلْكُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ، وَأَنَّهُ فَاتَ بِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَاغَ الْفَسْخُ، بَلْ فِيهَا قَوْلُ: أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (مِنْ عِوَضِ) صِلَةُ الْمَقْبُوضِ أَيْ: لَهُ الْعَوْدُ بِقَدْرِ غَيْرِ مَا قَبَضَهُ مِنْ عِوَضِ (الدَّيْنِ) مِنْ ثَمَنٍ وَمُسْلَمٍ فِيهِ وَغَيْرِهِمَا، فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إذَا كَانَ عِوَضُهُ عَيْنًا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا فَيَتَقَدَّمُ بِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ.
وَإِضَافَةُ الْعِوَضِ لِلدَّيْنِ قِيلَ: مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ كَشَجَرِ أَرَاكٍ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ إنَّمَا هُوَ عِوَضُ دَيْنِهِ لَا دَيْنُهُ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، فَلَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ، وَإِنَّمَا يَقْبِضُ عِوَضَهُ، وَقَدْ يُرَدُّ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: مَا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ وَوَصَفَ الدَّيْنَ بِقَوْلِهِ: (الَّذِي حَلَّ، وَلَوْ بَعْدُ) أَيْ: وَلَوْ حَلَّ بَعْدَ الْحَجْرِ فَخَرَجَ الْمُؤَجَّلُ، فَلَا عَوْدَ لِمَالِكِهِ، إذْ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِهِ فِي الْحَالِ (وَلَوْ تَقْدِيمُهُ بِهِ ارْتَضَوْا) أَيْ: وَلَوْ ارْتَضَى الْغُرَمَاءُ بِتَقْدِيمِهِ بِالْعِوَضِ فَلَهُ الْعَوْدُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ لِلْمِنَّةِ وَخَوْفِ ظُهُورِ مُزَاحِمٍ، وَكَذَا لَوْ قَالُوا: نُؤَدِّي الثَّمَنَ مِنْ مَالِنَا أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ، فَلَوْ أَجَابَ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ لَمْ يُزَاحِمْهُ فِي الْمَأْخُوذِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَدِينُ فَقَالَ وَارِثُهُ: لَا تَرْجِعُ وَأَنَا أُؤَدِّي مِنْ التَّرِكَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، فَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي مِنْ مَالِي فَوَجْهَانِ. قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي بِلُزُومِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ الْمُورِثِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِمُقَابِلِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ الْأَوَّلَ.
وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مَا لَوْ رَضُوا بِتَقْدِيمِ الْقَصَّارِ بِأُجْرَتِهِ لِيَكُونُوا شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ لُزُومُ إجَابَتِهِمْ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ عَدَمُ لُزُومِهَا (مَعَ الَّذِي زَادَ بِغَيْرِ فَصْلِ) أَيْ: لَهُ الْعَوْدُ إلَى مَتَاعِهِ مَعَ الزَّائِدِ الْمُتَّصِلِ بِهِ (كَثُمُرٍ) بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ وَبِفَتْحِهِمَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ، لَكِنْ (مَا أُبِّرَتْ) عِنْدَ الْعَوْدِ
، (وَالْحَمْلِ) أَيْ: وَكَالْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ (وَالْوَلَدِ اجْتَنَّ إذْ الْعَقْدُ صَدَرْ) أَيْ: وَكَوَلَدٍ مُجْتَنٍّ وَقْتَ صُدُورِ الْعَقْدِ، وَإِنْ انْفَصَلَ قَبْلَ الْعَوْدِ، بِخِلَافِ الزَّائِدِ
ــ
[حاشية العبادي]
تَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ أَنَّ لِلْجَاهِلِ الْخِيَارَ فَلَهُ الْفَسْخُ وَأَخْذُ مَتَاعِهِ، وَفِي هَامِشِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ لَمْ يُضَارِبْ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هُنَا. (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ مَعَ الْجَهْلِ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ الْمُضَارَبَةَ إذَا أَجَازَ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ فِي هَامِشِ قَوْلِهِ: إذْ هُمْ مِنْ الزِّحَامِ آمِنُونَا (قَوْلُهُ إنْ تَعَذَّرَ بِالْفَلَسِ اسْتِيفَاؤُهُ) لَك أَنْ تَقُولَ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ مَعَ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلًا فِي الْمُفْلِسِ؟ ، قُلْت: يُمْكِنُ التَّصَوُّرُ بِعُرُوضِ مَالٍ لِلْمُفْلِسِ بَعْدَ الْحَجْرِ يَفِي بِالدُّيُونِ، ثُمَّ هَرَبَ أَوْ امْتَنَعَ أَوْ مَاتَ فَصُدِّقَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ بِالْفَلَسِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي مِثْلِ هَذَا، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا: بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ ذُكِرَ لِلتَّأْكِيدِ تَوْطِئَةً لِبَيَانِ حُكْمِ مُحْتَرَزِهِ زِيَادَةً فِي الْفَائِدَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بَيَانُهُ بِغَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ.
(قَوْلُهُ يَمْنَعُ الْفَسْخَ) بِانْقِطَاعِ جِنْسِ الْعِوَضِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالُوا: نُؤَدِّي إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَوْلِ الزَّرْكَشِيّ هَذَا فِي الْحَيِّ، وَأَمَّا لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ فَلِلْقَاضِي فِيهِ جَوَابَانِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ رَبَّ الدَّيْنِ الْقَبُولُ أَوْ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْتِ أَيِسَ مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِهِ فِي الْحَيَاةِ لَا يُلَاقِي مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَجَابَ) أَيْ فِيمَا بَعْدَ كَذَا (قَوْلُهُ قَطَعَ الْبَغَوِيّ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ خَلِيفَةُ الْمُورِثِ) أَيْ مَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ، إذْ لَا مُزَاحَمَةَ
[حاشية الشربيني]
عَتَقَتْ وَزَوْجُهَا رَقِيقٌ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَجَابَ) أَيْ الْمُتَبَرِّعُ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، أَمَّا إذَا أَجَابَ الْغُرَمَاءُ غَيْرُ الْمُتَبَرِّعِينَ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ، فَإِنَّهُ يُزَاحِمُهُ اهـ. م ر. (قَوْلُهُ لَمْ يُزَاحِمْهُ) لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ، وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَكِنَّ دُخُولَهُ ضِمْنِيٌّ، وَحُقُوقُ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ أَصَالَةً مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ اهـ. م ر. (قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ) لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ يُزَاحِمُهُ، كَذَا قَالُوا وَانْظُرْ كَيْفَ يُؤَدِّيهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مَدِينٌ مُعْسِرٌ؟ وَقَدْ يُقَالُ: يُؤَدِّيهِ مِنْ مَالِهِ الَّذِي كَانَ يُتْرَكُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ كَمُؤْنَتِهِ حَرِّرْهُ. (قَوْلُهُ بِتَقْدِيمِ الْقَصَّارِ) فِيمَا إذَا لَمْ يَفْعَلْ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقِصَارَةُ وَأَرَادَ الْفَسْخَ فَقَالُوا: نُقَدِّمُك وَلَا تَفْسَخُ. (قَوْلُهُ لُزُومُ إجَابَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِفَرْضِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ. اهـ. . شَرْحُ م ر. وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى مَنْ يَظْهَرُ بَعْدُ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا فَسْخَ لَهُ مُطْلَقًا لِوُصُولِهِ لِحَقِّهِ بِكُلِّ حَالٍ، فَلَا حَاجَةَ فِي إجْبَارِهِ إلَى قَوْلِ الْغُرَمَاءِ لَهُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ مُطْلَقًا، إنْ كَانَ الْمُرَادُ تَقَدُّمَهُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ الْقَائِلِينَ، فَلَا وَجْهَ لِإِجْبَارِهِ مَعَ احْتِمَالِ ظُهُورِ الْمُزَاحِمِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا صَوَّرَ بِهِ الزِّيَادِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ قَصَّرَ الثَّوْبَ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَزَادَ بِسَبَبِ الْقِصَارَةِ، ثُمَّ حُجِرَ فَأَرَادَ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لِيَكُونَ شَرِيكًا بِقِيمَةِ الْقِصَارَةِ فَقَالَ لَهُ الْغُرَمَاءُ: نُقَدِّمُك وَنَكُونُ نَحْنُ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ أَيْ بِأَنْ كَانَ الثَّوْبُ لِبَائِعٍ آخَرَ قَبْلَ الْحَجْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute