للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِمَا قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ (وَ) سُنَّ تَرْكُهُ (التَّكَلُّمَا) بِلَا عُذْرٍ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ عَنْ الْعِبَادَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ كَرِهُوهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتُ فِيهِ نَهْيٌ (وَ) سُنَّ تَرْكُهُ (الِاسْتِعَانَةَ) بِالصَّبِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهَا تَرَفُّهٌ لَا يَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ وَلَيْسَتْ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَّ عَلَيْهِ أُسَامَةُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالْمُغِيرَةُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ» ، وَإِنَّمَا هِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَتْ بِلَا عُذْرٍ وَإِذَا اسْتَعَانَ سُنَّ أَنْ يَقِفَ الصَّابُّ عَلَى يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَأَحْسَنُ أَدَبًا (خَلَا إحْضَارِ مَا) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ خَلَا اسْتِعَانَتَهُ بِإِحْضَارِ الْمَاءِ فَلَيْسَتْ مَكْرُوهَةٌ، وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى لِثُبُوتِهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرًا.

وَأَمَّا اسْتِعَانَتُهُ بِتَغْسِيلِ الْأَعْضَاءِ فَمَكْرُوهَةٌ إلَّا لِعُذْرٍ وَقَدْ تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ عِنْدَ الْعُذْرِ، وَلَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا فَضَلَتْ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا أَوْ وَجَدَهَا غَيْرَ فَاضِلَةٍ عَمَّا ذُكِرَ، أَوْ لَمْ يَجِدْ أَجِيرًا، أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ إنْ أَمْكَنَهُ وَبِدُونِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَأَعَادَ فِيهِمَا وَتَعْبِيرُهُمْ بِلَفْظِ الِاسْتِعَانَةِ الْمُقْتَضِي طَلَبَهَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طَلَبِهَا وَعَدَمِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ (وَيُكْرَهُ) لَهُ (النَّفْضُ) لِلْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ لِخَبَرِ «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ الشَّيْطَانِ» وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ وَجَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَالتَّحْقِيقِ بِأَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَقَالَ فِي شَرْحَيْ مُسْلِمٍ وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ الْأَشْهَرُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى فَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَادَّعَى النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّهُ لَا نَصَّ لَهُ فِيهَا وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ مُبَاحٌ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ، سَوَاءٌ لِخَبَرِ مَيْمُونَةَ السَّابِقِ قَالَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي النَّهْيِ شَيْءٌ، وَأَمَّا خَبَرُ «إذَا تَوَضَّأْتُمْ» فَضَعِيفٌ (وَسُنَّ وَكُرِهْ لِلْغُسْلِ) مِنْ جَنَابَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا (كُلُّ مَا مَضَى) أَنَّهُ يُسَنُّ وَيُكْرَهُ (مِنْ صُوَرِهْ) أَيْ لِلْوُضُوءِ.

وَقَدْ يُقَالُ قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَخْتَصُّ بِمَا يَأْتِي لَكِنْ مِنْهُ التَّيَامُنُ وَالتَّخْلِيلُ وَالذِّكْرُ آخِرًا وَهِيَ سُنَّةٌ فِي الْغُسْلِ أَيْضًا وَيُجَابُ بِأَنَّ الَّذِي أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ أَنَّ كُلَّ مَا مَضَى فِي الْوُضُوءِ مِمَّا ذُكِرَ يَأْتِي فِي الْغُسْلِ بِخِلَافِ مَا سَيَأْتِي لَا يَأْتِي كُلُّهُ فِيهِ، بَلْ بَعْضُهُ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيلَ فِيهِ يُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِي التَّعَهُّدِ لِمَكَانِ الِالْتِوَاءِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِهِ

(وَ) سُنَّ (سَوْكُهُ) لِلْوُضُوءِ لِخَبَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقُّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» أَيْ أَمْرُ إيجَابٍ وَفِي رِوَايَةٍ «لَفَرَضْت عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مُسْنَدًا وَصَحَّحَاهُ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَالسَّوْكُ مَصْدَرُ سَاكَ فَاهُ يَسُوكُهُ وَهُوَ لُغَةً الدَّلْكُ وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ عُودٍ وَنَحْوِهِ فِي الْأَسْنَانِ وَمَا حَوْلَهَا كَمَا قَالَ (بِخَشِنٍ) يُزِيلُ الْقَلَحَ وَلَوْ بِسَعْدٍ وَأُشْنَانَ نَعَمْ لَا يَكْفِي أُصْبُعُهُ، وَلَوْ خَشِنَةً قَالُوا؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى سِوَاكًا؛ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ وَاخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخَشِنَةَ تَكْفِي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَالْعُودُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَوْلَاهُ ذُو الرِّيحِ الطَّيِّبِ وَأَوْلَاهُ الْأَرَاكُ اتِّبَاعًا، ثُمَّ بَعْدَهُ النَّخْلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَيُكْرَهُ الِاسْتِيَاكُ بِمَا يَضُرُّ كَمِبْرَدٍ (عَرْضًا) أَيْ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا لَا طُولًا خَشْيَةَ إدْمَاءِ اللِّثَةِ وَإِفْسَادِ عُمُورِ الْأَسْنَانِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الِاسْتِيَاكُ طُولًا لَكِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِيَاكُ، وَإِنْ خَالَفَ الْمُخْتَارَ أَمَّا اللِّسَانُ فَيَسْتَاكُ فِيهِ طُولًا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِخَبَرٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَيُسَنُّ أَنْ يُمِرَّ السِّوَاكَ عَلَى سَقْفِ حَلْقِهِ إمْرَارًا خَفِيفًا وَعَلَى أَطْرَافِ أَسْنَانِهِ وَكَرَاسِيِّ أَضْرَاسِهِ (بِبَلْ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ مَعَ بَلِّهِ عِنْدَ يَبِسِهِ لِئَلَّا يَجْرَحَ لِثَتِهِ (وَ) سُنَّ سَوْكُهُ (لِلصَّلَاةِ) فَرْضِهَا

ــ

[حاشية العبادي]

بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِوُقُوعِهَا عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا بِمَنْزِلَةِ التَّضَمُّخِ بِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا لَيْسَ فِعْلًا لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ إلَخْ) إنَّمَا يَحْتَاجُ لِلْحَمْلِ الْمَذْكُورِ وَسَيَأْتِي تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فِيهِ نَهْيٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَالتَّكَلُّمَا) فِي فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يُشْرَعُ السَّلَامُ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِالْوُضُوءِ وَيُسَنُّ لَهُ الرَّدُّ أَوْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَشْرَعُ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ اهـ.

وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَغِلِ بِالْغُسْلِ لَا يُشْرَعُ السَّلَامُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَنْكَشِفُ مِنْهُ مَا يَسْتَحْيِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَلَا تَلِيقُ مُخَاطَبَتُهُ حِينَئِذٍ م ر.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: تَرْكَ الِاسْتِعَانَةِ الْأَكْثَرُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَكَمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى فَإِنْ قِيلَ كَوْنُهُ خِلَافَ الْأَوْلَى لَا يُنَافِي فِعْلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ قُلْنَا وَكَرَاهَتُهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ عَنْهُ عَدَمُ الْعُذْرِ سم.

(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ) اعْتَمَدَهُ م ر.

(قَوْلُهُ: مِنْ صُوَرِهِ) أَيْ: الصُّوَرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ مِنْ الْمَسْنُونَاتِ فِيهِ وَالْمَكْرُوهَاتِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْغُسْلِ أَيْضًا) وَكَذَا السِّوَاكُ حَجَرٌ

(قَوْلُهُ وَسَوْكُهُ لِلْوُضُوءِ) أَيْ: فَلَا يُطْلَبُ ذَلِكَ لِخُصُوصِ الْغُسْلِ، وَإِنْ كَانَ السِّوَاكُ مَطْلُوبًا فِي كُلِّ حَالٍ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ الْبُرُلُّسِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ قَطْعًا نَعَمْ إذَا وَقَعَ سُنَّةُ الْغُسْلِ وَنَوَى مَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْجَنَابَةِ كَنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ وَتَسَوَّكَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ لَا تَطْلُبَ إعَادَتُهُ لِلْغُسْلِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي هَذَا الْوُضُوءِ الَّذِي ارْتَفَعَتْ الْجَنَابَةُ عَنْ أَعْضَائِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وُجُودٌ فِي الْغُسْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ وَنَوَى سُنَّةَ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءَ مَثَلًا أَوْ كَانَ مُحْدِثًا وَنَوَى الْوُضُوءَ مَثَلًا فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي السِّوَاكُ لَهُ عَنْ السِّوَاكِ لِلْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً لِلْغُسْلِ إلَّا أَنَّهُ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي نَفْسِهِ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ بِهَا الشُّرُوعُ فِي الْغُسْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لِلْوُضُوءِ) أَيْ: أَوَّلَهُ، وَإِلَّا فَأَثْنَاءَهُ كَمَا فِي التَّسْمِيَةِ حِينَئِذٍ.

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الِاسْتِيَاكُ بِمَا يَضُرُّ) وَمَعَ ذَلِكَ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْجَرِيُّ.

(قَوْلُهُ: لِلصَّلَاةِ) لَوْ تَرَكَهُ أَوَّلَهَا سُنَّ لَهُ تَدَارُكُهُ فِي أَثْنَائِهَا بِفِعْلٍ قَلِيلٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ تَدَارُكُ الْمَطْلُوبَاتِ

ــ

[حاشية الشربيني]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>