للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالتَّكْسِيرُ لِصُدُورِ الْإِيفَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ أَهْلِهِمَا وَقَوْلُهُ: " وَأُلْغِيَ " يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: مِنْ زِيَادَتِهِ بَطَلَ (وَ) أُلْغِيَ (الْحَطُّ) الْكَائِنُ (مَعَ هَذَا) أَيْ مَعَ الصُّلْحِ مِنْ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الْحَالِّ وَمِنْ الْمُكَسَّرِ عَلَى الصَّحِيحِ لِبُطْلَانِ مُقَابِلِهِ.

إذْ الصِّفَةُ بِانْفِرَادِهَا لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُلْحَقُ فَيَلْغُو مَا قَابَلَهَا مِنْ الْحَطِّ (وَ) أُلْغِيَ (عَكْسٌ) أَيْ عَكْسُ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الصُّلْحُ مِنْ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ وَمِنْ صَحِيحٍ عَلَى مُكَسَّرٍ كَأَنْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ مِنْ عَشَرَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُكَسَّرَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنْ الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ، وَالتَّكْسِيرِ وَهُمَا لَا يُلْحَقَانِ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى حُلُولِهِ وَصِحَّتِهِ (دُونَ حَطْ مَعَهُ) فَلَا يُلْغَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ حَتَّى يَفْسُدَ بِفَسَادِهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ

(وَ) أُلْغِيَ الصُّلْحُ (بِالْإِنْكَارِ) أَيْ مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا مَعَ سُكُوتِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيّ وَغَيْرِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ التَّمْلِيكِ مَعَ الْإِنْكَارِ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَمَلَّكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا تَمَلَّكَهُ سَوَاءٌ صَالَحَ عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ أَمْ عَنْ الدَّعْوَى فَلَوْ قَالَ الْمُنْكِرُ: صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك عَلَى كَذَا لَمْ يَصِحَّ بَلْ الصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا يُعْتَاضُ عَنْهَا وَلَا يُبَرَّأُ مِنْهَا.

وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ: (عِنْدَنَا) مَذْهَبُ غَيْرِنَا فَإِنَّهُ يُصَحِّحُ الصُّلْحَ مَعَ الْإِنْكَارِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا: اقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ لِيُحَلِّلْ كُلٌّ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَسَمَهَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِمَا وَلَا مُرَجِّحَ، وَأَمَّا التَّحْلِيلُ مَعَ الْجَهْلِ فَمِنْ بَابِ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ جَهْلٍ يُمْكِنُ اسْتِكْشَافُهُ. وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بَعْدَ الْإِنْكَارِ صَحَّ الصُّلْحُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِهَا كَثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَاسْتَشْكَلَهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبِيلًا إلَى الطَّعْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ، ثُمَّ أَقَرَّ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُصَالِحِ حِينَ الصُّلْحِ فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِشُرُوطِهِ فِي عِلْمِهِمَا أَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ: رَدَدْتهَا إلَيْك، ثُمَّ صَالَحَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةً لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: فَيَكُونُ صُلْحًا عَلَى إنْكَارٍ وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَقَوْلُهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: مَالًا يَمْلِكُهُ) لَعَلَّهُ مَا يَدْفَعُ لَهُ فِي نَظِيرِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَ بَدَلِهَا فَأَخْذُهَا يُلْزِمُهُ أَنَّهُ مَلَكَ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يَمْلِكَهُ وَقَوْلُهُ: وَيَتَمَلَّكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ أَيْ وَهُوَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِمِلْكِهَا بِمُقْتَضَى الْيَدِ وَعَدَمِ حُجَّةِ الْمُدَّعِي مِنْ إقْرَارٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَمُصَالَحَتُهُ مَعَ الْإِنْكَارِ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَلَكَهَا بِمُقْتَضَى الصُّلْحِ مَعَ أَنَّهَا مِلْكُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا الشِّهَابَ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَمَلَّكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ إعْطَاءَ الْعَيْنِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ إنْكَارِهِ يَتَضَمَّنُ تَقْدِيرَ دُخُولِهَا فِي مِلْكِ الْمُعْطِي وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا لِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: اقْتَسِمَا) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اُطْلُبَا الْقِسْمَةَ، أَوْ اُقْصُدَاهَا، ثُمَّ بَعْدَ طَلَبِهَا وَقَصْدِهَا تَوَخَّيَا الْحَقَّ فِيهَا وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَانْظُرْ قَوْلَهُ ثُمَّ تَوَخَّيَا مَا مَعْنَاهُ بَعْدَ صُدُورِ الْقِسْمَةِ

(قَوْلُهُ: بَابُ الْوَرَعِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ وَيَكُونُ مَطْلُوبًا وَهُوَ مُشْكِلٌ. نَعَمْ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُصَحِّحُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَجْهُولِ اهـ وَيُجَابُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُمْكِنُ فِي مِثْلِ هَذَا الْجَهْلِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ اسْتِكْشَافُهُ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّحْلِيلَ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ هُوَ وَرَعٌ وَاحْتِيَاطٌ فَسُومِحَ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِنْكَارِ) أَيْ: ثُمَّ صَالَحَ (قَوْلُهُ: سَبِيلًا إلَى الطَّعْنِ) لَا نَظَرَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ. أَيْ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ) رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، أَوْ فِي قَوْلِهِ وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ شَرْطُ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مُنْتَفٍ حَالَ الْعَقْدِ اهـ أَيْ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا فِي صُلْحِهِمَا وَلَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

(قَوْلُهُ: قَالَ: الْبَغَوِيّ) اعْتَمَدَهُ م ر

ــ

[حاشية الشربيني]

فَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ الدَّيْنِ بِلَا اسْتِرْدَادٍ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّرَاضِي كَأَنَّهُ مَلَّكَهُ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ الْغَاصِبِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ اهـ جَمَلٌ وَع ش وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: " فَإِنْ عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ صَحَّ الْأَدَاءُ " مَا نَصُّهُ: وَوَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ وَإِنْ ظَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ لَكِنْ لَهُ فِي هَذِهِ الِاسْتِرْدَادُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ اعْتِقَادِ أَمْرٍ بَاطِلٍ فَلَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَلَيْهِ يُنَزَّلُ قَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْجِيلِ

(قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فِيهَا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا انْعَكَسَ الْحَالُ فَلَوْ قَالَ: لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الشَّخْصُ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ مَا لَا يَمْلِكُهُ، لِشَمْلِهِمَا عَلَى أَنَّ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرًا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ الشَّخْصِ يَمْلِكُ مَا لَا يَمْلِكُهُ بِوَاسِطَةِ الصُّلْحِ كَغَيْرِهِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ وَفِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ فِي صُلْحِ الْإِنْكَارِ فَاسِدَةٌ بِخِلَافِهَا فِي صُلْحِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِالرِّضَا بِخِلَافِهِ فِي صُلْحِ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اضْطَرَّ الْمُدَّعِي إلَى الصُّلْحِ بِإِنْكَارِهِ فَهُوَ عَقْدٌ مَرْغُومٌ عَلَيْهِ فَفَسَدَ. اهـ. شَيْخُنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ إلَخْ) أَيْ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْمُدَّعِي، أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَرْحُ م ر فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: " وَبِتَمَلُّكِ " بِمَعْنَى أَوْ. وَفِي الْمُحَشِّي وَجْهٌ آخَرُ فَانْظُرْهُ (قَوْلُهُ: مَذْهَبُ غَيْرِنَا إلَخْ) كَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الْمِنْهَاجِ الثَّانِي " الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَيَبْطُلُ " مَا نَصُّهُ: خِلَافًا لِلَّائِمَةِ الثَّلَاثَةِ فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْخُلْعِ اهـ أَيْ فَإِذَا أَنْكَرَا الْخُلْعَ، أَوْ الْكِتَابَةَ، أَوْ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ مَعَ الْإِنْكَارِ لَمْ يَصِحَّ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ أَفَادَهُ م ر وَع ش (قَوْلُهُ: صَحَّ الصُّلْحُ) أَيْ الْوَاقِعُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُقِيمَتْ، أَوْ عُدِّلَتْ بَعْدَهُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُقِيمَتْ بَعْدَ الصُّلْحِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الصُّلْحِ فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ. اهـ. سم عَنْ شَرْحِ م ر وَفِي شَرْحِ عب وَلَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الصُّلْحِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>