وَالزَّعِيمَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ، وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ، وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ، وَكَالضَّمِينِ فِيمَا قَالَهُ الضَّامِنُ وَكَالْكَفِيلِ الْكَافِلُ وَكَالصَّبِيرِ الْقَبِيلُ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: وَالزَّعِيمُ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْحَمِيلُ لُغَةُ أَهْلِ مِصْرَ، وَالْكَفِيلُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ
، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] وَكَانَ حِمْلُ الْبَعِيرِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ ذَلِكَ كَخَبَرِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَمَّلَ عَنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ» وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَامْتِنَاعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ شَفَاعَةٌ وَشَفَاعَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَنَفْسُ الْمَرْءِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ قَالَ جَابِرٌ فِي رِوَايَةٍ: «كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ وَفِي الْمَالِ قِلَّةٌ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفُتُوحَ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ خَلَّفَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ خَلَّفَ كَلًّا، أَوْ دَيْنًا فَكَلُّهُ إلَيَّ وَدَيْنُهُ عَلَيَّ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَعَلَى كُلِّ إمَامٍ بَعْدَك؟ قَالَ: وَعَلَى كُلِّ إمَامٍ بَعْدِي» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ عَلَى كُلِّ إمَامٍ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعِدَاتِهِ بِدَلِيلِ قَضَائِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَيُحْمَلُ الْخَبَرُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى تَأَكُّدِ نَدْبِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلِلضَّمَانِ خَمْسَةُ أَرْكَانٍ ضَامِنٌ وَمَضْمُونٌ لَهُ وَمَضْمُونٌ عَنْهُ وَمَضْمُونٌ بِهِ وَصِيغَةٌ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ كَمَا سَتَرَاهُ
(صَحَّ ضَمَانُ) الْمُخْتَارُ الْمَعْلُومُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ (الْأَهْلِ لِلتَّبَرُّعِ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكْرَهِ وَلَوْ رَقِيقًا بِإِكْرَاهِ سَيِّدِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ وَلَا مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَلَا مِنْ الرَّقِيقِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُسْتَوْلَدَةً وَمُبَعَّضًا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ.
وَفَارَقَ صِحَّةَ خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الضَّمَانِ، وَالْأَمَةُ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُلْعِ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ فَإِنْ ضَمِنَ الرَّقِيقُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: شَرْعٌ لَنَا إلَخْ) فِي قَوْلِ الْأَصَحِّ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) لَك أَنْ تَقُولَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ قَضَاءٌ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا فِيهِ ضَمَانٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: وُجُودُ الْمَرْجِعِ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ بِرّ (قَوْلُهُ: وَمَنْ خَلَّفَ كَلًّا، أَوْ دَيْنًا) أَيْ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِالْمُعْسِرِ فِي قَوْلِهِ: وَقَضِيَّتُهُ إلَخْ
(قَوْلُهُ: الْمَعْلُومُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ) مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: الْأَهْلُ لِلتَّبَرُّعِ وَأَنَّ الْمُكْرَهَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ شَرْعًا (قَوْلُهُ: الْأَهْلُ لِلتَّبَرُّعِ) قَالَ: الشَّارِحُ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَالْوَلِيُّ، وَالْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَالْوَلِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَيِّرَ الْمَوْلَى ضَامِنًا كَأَنْ يَقُولَ: جَعَلْته ضَامِنًا دَفَعَ بِذَلِكَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ شَغْلَ ذِمَّةِ الْمَوْلَى بِثَمَنِ مَا يَشْتَرِيهِ لَهُ وَبِالْمَهْرِ فِي تَزْوِيجِهِ إيَّاهُ وَبِدَيْنِ الْقَرْضِ فِي الِاقْتِرَاضِ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ أَيْضًا شَغْلُ ذِمَّتِهِ بِدَيْنِ الضَّمَانِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا السَّكْرَانَ) أَيْ الْمُتَعَدِّي (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ) فَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُبَعَّضِ فِي نَوْبَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ضَمِنَ الرَّقِيقُ)
ــ
[حاشية الشربيني]
الْمُخْتَصَرِ الْعَضُدِيِّ (قَوْلُهُ: ابْنُ حِبَّانَ) هُوَ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ. اهـ. إيعَابٌ. اهـ. شَوْبَرِيُّ. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: شَرْعٌ لَنَا إذَا وَرَدَ إلَخْ) الْأَصَحُّ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) أَيْ أَوْ يُضَمْنَ عَنْهُ،
وَالصُّورَةُ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً وَإِنَّمَا تَكُونُ مُرْتَهَنَةً إذَا عَصَى بِتَرْكِ الْوَفَاءِ، أَوْ اسْتَدَانَ فِي مَعْصِيَةٍ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَيُشْكِلُ عَلَيَّ حَدِيثُ الصَّحَابِيِّ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّ الظَّنَّ بِهِ عَدَمُ الْعِصْيَانِ بِالدَّيْنِ الْمَذْكُورِ. اهـ. سم (قَوْلُهُ: كَعِدَاتِهِ) فَإِنَّهُ كَانَ إذَا وَعَدَ بِشَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: عَلَى تَأْكِيدِ نَدْبِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَلِلضَّمَانِ خَمْسَةُ أَرْكَانٍ) أَيْ الضَّمَانُ مُقَابِلُ الْكَفَالَةِ أَمَّا هِيَ فَلَهَا أَرْبَعَةٌ فَقَطْ كَافِلٌ وَمَكْفُولٌ وَمَكْفُولٌ لَهُ وَصِيغَةٌ. اهـ. تَقْرِيرٌ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ
(قَوْلُهُ: الْمُخْتَارُ) فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكْرَهِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يَضْمَنَ فُلَانًا ثُمَّ امْتَنَعَ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الضَّمَانِ فَضَمِنَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْأَشْبُولِيِّ. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: الْمَعْلُومُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ) قَدْ يُقَالُ: هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ اهـ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ بِخِلَافِ نَحْوِ الصَّبِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ رَقِيقًا بِإِكْرَاهِ سَيِّدِهِ) وَفَارَقَ صِحَّةَ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِإِكْرَاهِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فَيَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَيْهِ. اهـ. ق ل (قَوْلُهُ: فَإِنْ ضَمِنَ الرَّقِيقُ إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ وَمِنْهُ الْمُبَعَّضُ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةٌ إمَّا أَنْ يَضْمَنَ أَجْنَبِيًّا لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِسَيِّدِهِ، أَوْ سَيِّدَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، فَفِي الْأُولَى يَصِحُّ بِالْإِذْنِ وَإِذَا غَرِمَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ فَالرُّجُوعُ لِسَيِّدِهِ، أَوْ بَعْدَهُ فَالرُّجُوعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِنْ مِلْكِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، وَفِي الثَّالِثَةِ يَصِحُّ بِالْإِذْنِ، فَحِينَئِذٍ إذَا أَدَّى وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ الضَّمَانِ الَّذِي انْتَفَعَ بِهِ السَّيِّدُ أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَصِحُّ مِنْهُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بِإِذْنٍ وَأَمَّا ضَمَانُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِمُعَامَلَةٍ فَصَحِيحٌ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الضَّمَانِ وَأَمَّا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ أَفَادَهُ م ر وع ش وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي ضَمَّنَ أَجْنَبِيًّا لِسَيِّدِهِ