إلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ بَلْ قَالَ: الْقَاضِي إنَّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ وَمُوَكَّلٌ فِيهِ وَصِيغَةٌ وَقَدْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ فَقَالَ: (فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ الْوَكَالَهْ) أَيْ الْوَكَالَةُ لِكَوْنِهَا إنَابَةً إنَّمَا تَصِحُّ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ كَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ وَتَوَابِعِهَا، وَالصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ عَلَى الْقَدِيمِ الْمُخْتَارِ وَذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ، وَالْهَدْيِ، وَالْعَقِيقَةِ وَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا لِأَخْبَارٍ وَرَدَتْ فِي بَعْضِهَا وَإِلْحَاقًا لِبَاقِيهَا بِذَلِكَ، أَوْ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَخَرَجَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ كَالطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ مُبَاشِرَهَا مَقْصُودٌ بِعَيْنِهِ ابْتِلَاءً
. ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَقَالَ: (عُقُودِهَا) أَيْ عُقُودُ النِّيَابَةِ أَيْ الْوَكَالَةُ إنَّمَا تَصِحُّ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ، وَالرَّهْنِ، وَالضَّمَانِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْحَوَالَةِ
وَصِيغَةُ الْوَكِيلِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ كَمَا
ــ
[حاشية العبادي]
الصَّحِيحُ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: بَلْ قَالَ الْقَاضِي: إنَّهَا) ، أَيْ قَبُولُهَا وَكَذَا إيجَابُهَا إنْ لَمْ يُرِدْ حَظَّ نَفْسِهِ لِتَوَقُّفِ الْقَبُولِ الْمَنْدُوبِ عَلَيْهِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: إنَّمَا تَصِحُّ إلَخْ) هَذَا الْحَصْرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ النِّيَابَةَ شَرْعًا أَعَمُّ مِنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلَيْسَ وَكِيلًا وَلِذَا لَمْ يَنْعَزِلْ بِمَوْتِهِ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ فِي هَذَا الضَّبْطِ دَوْرًا أَيْ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَعَمِّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَخَصِّ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا وَمِنْهُمْ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ: يَجُوزُ عِنْدَنَا دُخُولُ النِّيَابَةِ فِيمَا كُلِّفَ بِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْبَدَنِيَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوهُ مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا كَانَ لِقَهْرِ النَّفْسِ وَكَسْرِهَا وَالنِّيَابَةُ تَأْبَى ذَلِكَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا لَا تَأْبَاهُ لِمَا فِيهَا مِنْ بَذْلِ الْمُؤْنَةِ، أَوْ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ اهـ مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ الْمُخَالَفَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْجَوَازِ، أَيْ الْإِمْكَانِ وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي الْوُقُوعِ فَقَوْلُهُمْ لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْ الشَّارِعِ هُوَ مَنْعُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا عِنْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. نَعَمْ يُشْكِلُ تَعْلِيلُ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُوَافِقُ تَعْلِيلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِالْمَنْعِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ أَرَادَ ابْتِلَاءَ الْمُكَلَّفِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ خِلَافُ ذَلِكَ مُمْكِنًا عِنْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ بِالنَّظَرِ لِلْجُمْلَةِ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا فَلْيُتَأَمَّلْ سم
(قَوْلُهُ: سَائِرُ الْعِبَادَاتِ) ، أَيْ بَاقِيهَا (قَوْلُهُ: كَالطَّهَارَةِ) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَغْسِلَ أَحَدَ أَعْضَاءِ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَنْهُ وَأَمَّا غَسْلُهُ أَعْضَاءَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّوْكِيلِ فِي الطَّهَارَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَكَالَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ سم (قَوْلُهُ: كَالطَّهَارَةِ) فَلَا
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ) وَهُوَ مَا لَا مُبَاشِرَ لَهُ يُقْصَدُ بِعَيْنِهِ وَإِذَا عُلِمَ قَابِلُ النِّيَابَةِ بِهَذَا فَلَا دَوْرَ. اهـ. حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ) نَقَلَ فِي الْبَحْرِ تَفْصِيلًا عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ فَقَالَ: الْعِبَادَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ وَسِيلَةً، أَوْ مَقْصِدًا فَإِنْ كَانَتْ وَسِيلَةً فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ وَسِيلَةً تَبْعُدُ عَنْ الْعِبَادَةِ جِدًّا، أَوْ تَقْرُبُ مِنْهَا جِدًّا كَتَحْصِيلِ التُّرَابِ وَالْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالصَّبِّ عَلَيْهِ، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا. وَإِنْ كَانَتْ تَقْرُبُ مِنْهَا جِدًّا فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا الْقَصْدُ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَتَوْضِئَةِ الْغَيْرِ لَهُ وَتَغْسِيلِهِ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الدُّخُولِ. وَإِنْ اُعْتُبِرَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَدَنِيًّا مَحْضًا، أَوْ مَالِيًّا مَحْضًا، أَوْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ امْتَنَعَتْ النِّيَابَةُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ تَبَعًا لِلْحَجِّ وَكَذَا الصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَالِيًّا مَحْضًا كَالزَّكَاةِ دَخَلَتْ النِّيَابَةُ فِي تَفْرِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْوَسِيلَةَ إذْ الْمَالُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا كَالْحَجِّ جَازَ عِنْدَ الْيَأْسِ، وَالْمَوْتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْفِقْهِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَتَغْسِيلِهِ لَهُ أَيْ لِلْحَيِّ أَمَّا غُسْلُ الْمَيِّتِ فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ يَقَعُ عَنْ فَاعِلِهِ، وَفُرِّقَ بَيْنَ التَّوْكِيلِ فِيهِ وَالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ بِأَنَّ بَذْلَ الْعِوَضِ سَوَّغَ وُقُوعَهُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَمِثْلُ غُسْلِهِ بَاقِي خِصَالِ التَّجْهِيزِ كَمَا فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ عَنْ م ر وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: سَائِرُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ) أَيْ الْمَحْضَةِ فَلَا يَجُوزُ شَرْعًا النِّيَابَةُ فِيهَا إلَّا فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ تَبَعًا لِلْحَجِّ وَالصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ. أَمَّا الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ فَقَالَ ابْنُ بُرْهَانَ: مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا جَوَازُ النِّيَابَةِ فِي التَّكَالِيفِ، وَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ عَقْلًا وَمَنَعَهَا الْمُعْتَزِلَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute