للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَكَلَتْ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْعَوَافِي طُلَّابُ الرِّزْقِ. وَالْمَوَاتُ إمَّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي دَارِ الْكُفْرِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِ حُكْمِهِمَا فَقَالَ: (مَوَاتُ) دَارِ (الْإِسْلَامِ وَإِنْ تَقَدَّمَا عُمْرَانُهُ مَنْ قَبْلَنَا) أَيْ: فِي الْجَاهِلِيَّةِ (أَوْ أُعْلِمَا) أَيْ: أَعْلَمَهُ غَيْرُ الْمُحْيِي بِالتَّحَجُّرِ عَلَيْهِ بِعَلَامَاتٍ (أَوْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ) أَيْ: أَقْطَعَهُ لَهُ، أَوْ وُجِدَ الْإِعْلَامُ، وَالْإِقْطَاعُ مَعًا (أَيَّ مُؤْمِنِ) ، وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (أَحْيَاهُ صَارَ مِلْكَهُ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِحْيَاءِ؛ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ أَحَقِّيَّةُ الْمُعْلِمِ، وَالْمُقْطِعِ لَهُ لِتَحْقِيقِهِ سَبَبَ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا دَخَلَ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ وَاشْتَرَى.

وَخَرَجَ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ إسْلَامِيَّةٍ فَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا سَيَأْتِي وَبِالْمُؤْمِنِ الْكَافِرُ فَلَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ بِدَارِنَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِعْلَاءِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ خَبَرَ «عَادِي الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي» أَيْ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَيُخَالِفُ ذَلِكَ احْتِطَابَ الذِّمِّيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنِ وَاصْطِيَادَهُمَا وَاحْتِشَاشَهُمَا وَنَقْلَهُمَا التُّرَابَ إذَا لَمْ يَضُرَّنَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ تُخْلَفُ بِخِلَافِ الْمَوَاتِ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْنَا، وَلِأَنَّهُمَا بِالْإِحْيَاءِ يَصِيرَانِ مَالِكَيْنِ لِأَصْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا لَيْسَا بِأَصْلِيَّيْنِ فِيهَا بِخِلَافِهِمَا فِي تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، وَلَيْسَ لِلْحَرْبِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي: إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ (بِمَعْدِنِ جَوْهَرُهُ الْعِلَاجُ يُبْدِيهِ) أَيْ: صَارَ مَا أَحْيَاهُ مِلْكَهُ مَعَ مَعْدِنٍ بَاطِنٍ، وَهُوَ مَا يَظْهَرُ جَوْهَرُهُ بِالْعِلَاجِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَيَاقُوتٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَقَدْ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهِ مَعْدِنًا، فَإِنْ عَلِمَ وَاِتَّخَذَ عَلَيْهِ دَارًا فَظَاهِرُ كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَأَقَرَّ النَّوَوِيُّ صَاحِبَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِهِ كَمَا لَوْ جَهِلَ وَثَانِيهِمَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْمَعْدِنَ الْبَاطِنَ هَلْ يَمْلِكُ بِالْحَفْرِ، وَالْعَمَلِ فِيهِ وَأَصَحُّهُمَا فِيهِ لَا يَمْلِكُهُ كَالْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ.

وَأَمَّا الْبُقْعَةُ الْمُحْيَاةُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا، وَلَا مَزْرَعَةً فَالْقَصْدُ فَاسِدٌ وَخَرَجَ بِالْعِلَاجِ مَا يَظْهَرُ جَوْهَرُهُ بِلَا عِلَاجٍ وَإِنَّمَا الْعِلَاجُ فِي تَحْصِيلِهِ، وَهُوَ الْمَعْدِنُ الظَّاهِرُ كَنَفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَقَطِرَانٍ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ، إنْ عَلِمَهُ لِفَسَادِ الْقَصْدِ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ بِتَحَجُّرٍ، وَلَا إقْطَاعٌ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ كَالْمَاءِ الْجَارِي، وَالْكَلَأِ، وَالْحَطَبِ، وَلَوْ بَنَى عَلَيْهِ دَارًا لَمْ يَمْلِكْ الْبُقْعَةَ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَفِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِجْمَاعِ

ــ

[حاشية العبادي]

شَجَرٍ وَنَهْرٍ وَجُدُرٍ وَأَثَافٍ وَأَوْتَادٍ وَنَحْوِهَا كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ أَثَرِ الْعِمَارَةِ وَوُجُودَ دَلِيلِهَا مِمَّا ذُكِرَ مَانِعٌ مِنْ الْإِحْيَاءِ، لَكِنْ قَدْ تَدُلُّ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ مَا وُجِدَ مِنْ نَحْوِ الْأَثَافِيِّ، وَالْأَوْتَادِ إنَّمَا كَانَ مِنْ مُرْتَفِقٍ غَيْرِ مُتَمَلِّكٍ وَيَتَّجِهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعًا. (قَوْلُهُ: تَعْوِيقُ الْأَكْثَرِ) تَرَكَ الْإِضَافَةَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِضَافَةِ بِرّ. (قَوْلُهُ: أَيْ: أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ لَهُ) أَيْ: غَيْرِ الْمُحْيِي. (قَوْلُهُ: وَبِالْمُؤْمِنِ الْكَافِرُ فَلَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ بِدَارِنَا) قَالَ فِي الرَّوْضِ: فَلَوْ زَرَعَهَا الذِّمِّيُّ وَزَهِدَ فِيهَا صَرَفَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ فِي الْمَصَالِحِ أَيْ: مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهَا. اهـ. فَانْظُرْ نَظِيرَ ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِ بِأَنْ تَرَكَ زَرْعَهُ تَبَرُّعًا هَلْ يَجْرِي فِيهِ مَا ذَكَرَ، وَإِنْ خَالَفَ الذِّمِّيَّ بِمِلْكِهِ الْأَرْضَ دُونَ الذِّمِّيِّ حَتَّى لَا يَحِلَّ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ وَيَصْرِفُهُ الْإِمَامُ فِي الْمَصَالِحِ، أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يَتَّجِهُ الْأَوَّلُ وَأَنَّ هَذَا الزُّهْدَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَإِلَّا فَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْإِعْرَاضِ وَحِينَئِذٍ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ لِلْأَكْلِ دُونَ التَّمَلُّكِ، وَالتَّصَرُّفِ بِنَحْوِ الْبَيْعِ فَقَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ إلَخْ لَا يُنَافِي ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ) فَإِنْ أَحْيَا شَيْئًا نَزَعَ مِنْهُ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُمَا بِالْإِحْيَاءِ إلَخْ) لَعَلَّ الْمَحْذُورَ مِلْكُهُمَا لِأَصْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ يَسْتَقِلَّانِ بِهِ فَلَا يَرُدُّ صِحَّةَ مِلْكِهَا بِالْإِرْثِ، وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا. (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ) أَيْ: لَا يَصِيرَانِ بِأَخْذِهِمَا مَالِكَيْنِ لِأَصْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلِمَ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ، مَعَ الْعِلْمِ لَا يَمْلِكُ وَاحِدًا مِنْ الْمَعْدِنَيْنِ، وَلَا الْبُقْعَةَ وَمَعَ الْجَهْلِ يَمْلِكُ ذَلِكَ م ر. (قَوْلُهُ: وَأَصَحُّهُمَا فِيهِ) أَيْ: الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ. (قَوْلُهُ: فَأَمَّا الْبُقْعَةُ) أَيْ: الَّتِي اتَّخَذَهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا إقْطَاعٍ) شَامِلٌ لِإِقْطَاعِ التَّمْلِيكِ وَلِإِقْطَاعِ الْإِرْفَاقِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي إقْطَاعِ التَّمْلِيكِ، أَمَّا إقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. اهـ.، وَهَذَا، بِخِلَافِ إقْطَاعِ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَإِذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ مِنْ الْبَاطِنَةِ أَيْ: الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ رَجُلًا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ جَازَ لَا الظَّاهِرَةِ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ) كَذَلِكَ يَمْلِكُهُ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَتَرْكِهَا وَفُسِّرَ الْعِرْقُ: بِأَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ إلَى أَرْضٍ قَدْ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَيَغْرِسُ فِيهَا، أَوْ يُحْدِثُ فِيهَا شَيْئًا لِيَسْتَوْجِبَ الْأَرْضَ. اهـ. مِنْ هَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ صَدَقَةٌ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَلَوْ صَرَفَهُ فِي عِمَارَتِهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ وَاجِبًا، أَوْ مَنْدُوبًا لَا يَتَوَقَّفُ الثَّوَابُ فِيهِ عَلَى نِيَّةٍ. اهـ. جَمَلٌ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ صَرَفَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ) أَيْ: لَا لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ وَإِلَّا مَلَكَهُ الْمُقْطَعُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: الْكَافِرُ) مَحَلُّهُ فِي الْإِحْيَاءِ لِلتَّمْلِيكِ، أَمَّا لِلْإِرْفَاقِ فَجَائِزٌ لِلذِّمِّيِّ إفَادَةً ع ش.

(قَوْلُهُ: عَادِي الْأَرْضِ) أَيْ قَدِيمُهَا وَنُسِبَ لِعَادٍ؛ لِقَدَمِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ. اهـ. شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: إذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا فِي ع ش مِنْ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>