اسْتِهْجَانًا وَالْحَدَثُ لُغَةً: الشَّيْءُ الْحَادِثُ وَشَرْعًا: يُطْلَقُ عَلَى أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَعَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الطُّهْرُ وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ هُنَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَالْخَبَثُ لُغَةً: مَا يُسْتَقْذَرُ وَشَرْعًا: مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ ثُمَّ بَيَّنَ النَّاظِمُ الْحُكْمَ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْقِيَاسِ بِجُمْلَةٍ ثَانِيَةٍ هِيَ قَوْلُهُ (رَافِعٌ كِلَا هَذَيْنِ) أَيْ: الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ (مَاءٌ) وَقَدَّمَ فِيهَا الْخَبَرَ اهْتِمَامًا بِهِ فِي بَيَانِ الْمَطْلُوبِ وَهِيَ بِقَرِينَةِ مَا أَفْهَمَتْهُ صِفَاتُ الْمَاءِ الْآتِيَةُ تُفِيدُ حَصْرَ الرَّافِعِ فِي الْمَاءِ لَا يُقَالُ بَلْ تُفِيدُهُ لِكَوْنِهَا مِنْ بَابِ صَدِيقِي زَيْدٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ إنَّمَا أَفَادَ الْحَصْرَ بِعُمُومِ الْمُبْتَدَأِ وَخُصُوصِ الْخَبَرِ أَوْ تَعْرِيفِهِمَا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا.
وَيَصِحُّ إعْرَابُ مَا ذُكِرَ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِجَعْلِ رَافِعٌ إلَى آخِرِهِ خَبَرَ " الْخَبَثُ " وَكَالْحَدَثِ حَالًا إمَّا مِنْ " الْخَبَثُ " بِنَاءً عَلَى جَوَازِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَإِمَّا مِنْ الْعَائِدِ إلَيْهِ فِي كِلَا هَذَيْنِ أَيْ: الْخَبَثُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الَّذِي إلَخْ) أَيْ: بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ نَفْسَهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ وَأَمَّا أَثَرُهُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ فَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْمَنْعُ فَهُوَ الثَّالِثُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيَرْفَعُهُ غَيْرُ الْمَاءِ كَالتُّرَابِ لَكِنْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ صَحَّ إرَادَتُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ وَكَذَا لَوْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْمَنْعِ وَأُرِيدَ الْحَصْرُ الْإِضَافِيُّ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَائِعَاتِ. (قَوْلُهُ: حَصْرَ الرَّافِعِ فِي الْمَاءِ) فِيهِ بَحْثٌ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ حَصْرَ الرَّافِعِ مِنْ الْمَاءِ فِي الْمَاءِ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ إنَّمَا هُوَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ قُيُودًا لِلْمَاءِ فَهِيَ إنَّمَا تَخْرُجُ مِنْهُ وَالْمَاءُ لَقَبٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا نَعَمْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الصِّفَةِ الثَّالِثَةِ مَنْعُ رَفْعِ غَيْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ الْمَاءُ لِسَلْبِهِ الْإِطْلَاقَ فَغَيْرُهُ كَذَلِكَ لِذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ بَلْ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْإِسْنَادَ لِبَقِيَّةِ الصِّفَاتِ إذْ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي ذَلِكَ لِمَنْعِ رَفْعِ الْخَارِجِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْلُبْ الْإِطْلَاقَ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: الْعَائِدِ إلَيْهِ) أَيْ: الْخَبَثِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَالًا مِنْ الْعَائِدِ فِي الْخَبَرِ إلَى الْمُبْتَدَأِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْخَبَرِ، وَتَثْنِيَةُ الْعَائِدِ إلَى الْمُبْتَدَأِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمُبْتَدَأِ وَهَذَا تَدَافُعٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: الْخَبَثِ إلَخْ) هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْإِعْرَابِ الْأَوَّلِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَإِلَى الثَّانِي مَعْنًى فَقَطْ وَلَعَلَّ تَقْدِيرَهُ لَفْظًا أَيْضًا الْخَبَثُ رَافِعُهُ مَعَ الْحَدَثِ حَالَ كَوْنِهِ مُشَبَّهًا بِالْحَدَثِ مَاءٌ إلَخْ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ بِرّ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْإِعْرَابَ الْأَوَّلَ: وَلَا يَأْتِي هُنَا الْإِعْرَابُ الثَّانِي أَيْ: الْجَارِي فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مُخْبَرٌ بِهَا عَنْ الْخَبَثِ وَقَوْلُهُ: كَالْحَدَثِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَوْنُ قَوْلِهِ: رَافِعٌ كِلَا هَذَيْنِ خَبَرًا عَنْ
[حاشية الشربيني]
فَلِذَا إذَا كُشِطَ الْجِلْدُ زَالَتْ وَلَا يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ فِي الْحَدَثِ مِنْ أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ مُطَهِّرٌ لِلْحَدَثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ إعْوَازِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صُورَةٌ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تُنَافِي الْإِجْمَاعَ كَمَا أَنَّ حِلَّ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ لَا يُنَافِي إجْمَاعَهُمْ عَلَى حُرْمَتِهَا لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُجَوِّزُ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْوَسِيطِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ مَخْصُوصَةٌ بِالْمَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إنْ صَحَّ عَنْهُ وَوَافَقَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ: اسْتِهْجَانًا) هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْهُجْنَةِ وَهِيَ مَا يَقْبُحُ مِنْ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِالْأَعْضَاءِ شَيْءٌ وَلَيْسَ ثَمَّ سِوَى مَنْعٍ شَرْعِيٍّ مِنْ أُمُورٍ مَنَعَهَا الشَّرْعُ وَلَوْ قَدَّرْنَا شَيْئًا لَمْ يُتَصَوَّرْ انْتِقَالُهُ أَيْ: لِأَنَّهُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ اهـ. وَسَيَأْتِي جَوَابُ الرَّافِعِيِّ عَنْ الِانْتِقَالِ بِأَعْلَى الْهَامِشِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الِاعْتِبَارِيَّ هُوَ كَوْنُهُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِالْأَعْضَاءِ اتِّصَافُهَا بِكَوْنِهَا مَمْنُوعَةً وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْضَاءِ جَمِيعُ الْبَدَنِ لَكِنْ رَجَّحَ ع ش أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ قَائِمٌ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَصْرَ الرَّافِعِ فِي الْمَاءِ لَا حَصْرَ الْمَاءِ) فِي الرَّافِعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ صَدِيقِي زَيْدٌ) بَابُ ذَلِكَ مَا إذَا عَرَفَ الْمُخَاطَبُ أَنَّ لَك صَدِيقًا لَكِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ فَتُقَدِّمُ مَا عَرَفَهُ وَتَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمَا يُعِينُهُ فَيُفِيدُ انْحِصَارَ صَدِيقِك فِيهِ. (قَوْلُهُ: بِعُمُومِ الْمُبْتَدَأِ وَخُصُوصِ الْخَبَرِ) وَلَا نَظَرَ لِتَعْرِيفِهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ فَقَطْ مَعْرِفَةً كَفَى نَحْوُ: الْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ أَيْ: الْكَرَمُ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ فِي الْعَرَبِ أَمَّا عَكْسُهُ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَعْرِيفِهِمَا) لَعَلَّ مُرَادَهُ الْإِشَارَةُ إلَى مَذْهَبَيْ السَّعْدِ وَالسَّيِّدِ حَيْثُ ذَهَبَ الْأَوَّلُ إلَى كِفَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute