حَالَ كَوْنِهِ مُشَبَّهًا بِالْحَدَثِ رَافِعُهُمَا مَاءٌ، وَالْحَصْرُ بِحَالِهِ فَلَا يَرْفَعُهُمَا إلَّا الْمَاءُ أَمَّا الْحَدَثُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣] وَأَمَّا الْخَبَثُ فَلِلْقِيَاسِ السَّابِقِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً وَيُقَالُ الَّتِي فِيهَا مَاءٌ قَرِيبٌ مِنْ الْمِلْءِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ وَاحْتَجَّ لَهُمَا مَعًا أَئِمَّتُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وَبِقَوْلِهِ {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١] ذَكَرَ الْمَاءَ امْتِنَانًا فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُهُ فَاتَ الِامْتِنَانُ.
وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا أَيْ: أَذْهَبَتْهُ فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الدَّمِ الْيَسِيرِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَمْ تُرِدْ عَائِشَةُ تَطْهِيرَهُ بَلْ إذْهَابَ صُورَتِهِ لِقُبْحِ مَنْظَرِهِ فَيَبْقَى الْمَحَلُّ نَجِسًا كَمَا كَانَ لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْجَوَابِ إلَى كَوْنِ الدَّمِ مَعْفُوًّا عَنْهُ
ــ
[حاشية العبادي]
الْخَبَثِ اهـ.
وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ كَالْحَدَثِ يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ وَأَمَّا مِنْ الْعَائِدِ إلَيْهِ فَمَحَلُّ نَظَرٍ قَوِيٍّ جِدًّا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَرْفَعُهُمَا إلَّا الْمَاءُ) لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْحَصْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَبَثِ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ أَيْضًا بِنَحْوٍ بِلَا اسْتِحَالَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ بِلَا اسْتِحَالَةٍ وَنَحْوِهَا إلَّا الْمَاءُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَابُ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ أَوْ الْمُرَادُ الْحَصْرُ الْإِضَافِيُّ أَيْ: لَا يَرْفَعُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَّا الْمَاءُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْمَاءُ) إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَقَوْلُهُ: فَلِقَوْلِهِ إلَخْ قَرِيبٌ فِي الْجُمْلَةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ إلَى أَنَّ الْمَاءَ رَافِعٌ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ فَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَرُّضَ فِي هَذَا الدَّلِيلِ إلَى أَنَّ الْمَاءَ يَرْفَعُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالتُّرَابِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ فَلْيَتَكَلَّفْ. (قَوْلُهُ: الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً) فَمِنْ مَاءٍ تَأْكِيدٌ أَوْ لِدَفْعِ التَّجَوُّزِ. (قَوْلُهُ: وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ) أَيْ: عَيْنًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُهُ فَاتَ الِامْتِنَانُ) أَقُولُ فِي فَوَاتِهِ نَظَرٌ فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ الِامْتِنَانِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْأُمُورِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا خُصُوصًا إذَا كَانَ أَعَمَّ وَأَقْوَى نَفْعًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَفِي آخَرَ {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣] فَامْتَنَّ تَارَةً بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَتَارَةً بِهِمَا وَيُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: ثَبَتَ الِامْتِنَانُ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ فَأَفَادَ أَنَّهُ رَافِعٌ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (قَوْلُهُ: مَعْفُوٌّ عَنْهُ) قَضِيَّةُ هَذَا الْجَوَابِ الْعَفْوُ عَنْهُ مَعَ مَضْغِهِ بِالرِّيقِ وَاخْتِلَاطِهِ بِهِ مَعَ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ مُخْتَلِطٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَنْفَذٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَخْ) هَذَا يُنَافِي الْجَوَابَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْعَفْوُ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ جَوَازِ لُبْسِهِ قَبْلَ تَطَهُّرِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَلَّتْ فِيهِ قَبْلَ تَطَهُّرِهِ وَالْمُتَّجَهُ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ جَوَابِهِمْ.
[حاشية الشربيني]
تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْنَدُ نَكِرَةً كَمَا سَلَفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْحَصْرِ وَذَهَبَ الثَّانِي إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ الثَّانِي أَوْ يَكُونُ الِاخْتِصَاصُ مُسْتَفَادًا مِنْ الْمَقَامِ كَمَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ ثُمَّ إنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّعْرِيفِ الْمُفِيدِ لِلْحَصْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ سَوَاءٌ بَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ أَوْ أُرِيدَ مِنْهُ الِاسْتِغْرَاقُ بِالْقَرِينَةِ بِخِلَافِ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُعْقَلُ فِيهِ الشُّمُولُ فِي الْجُمْلَةِ.
(قَوْلُهُ: الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً) يُطْلَقُ لُغَةً أَيْضًا عَلَى مَا لَا مَاءَ فِيهِ ع ش. (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُ الْمَاءِ) أَيْ: حَتَّى التُّرَابُ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ وُجُوبًا مُقَيَّدًا بِفَقْدِهِ بَلْ كَانَ يَكْفِي غَيْرُهُ وَلَوْ التُّرَابُ فُقِدَ أَوْ لَا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُرِدْ) الظَّاهِرُ فَلَمْ تُرِدْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ) أَيْ: مَعَ اخْتِلَاطِهِ بِالرِّيقِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مُسْتَدِلًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ ضَعَّفَهُ م ر وَتَبِعَهُ ع ش. (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ فِي الْجَوَابِ) أَيْ: هَذَا الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ كَانَ يَكْفِي أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ تَطْهِيرَهُ لِلْعَفْوِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: إلَى كَوْنِ الدَّمِ مَعْفُوًّا عَنْهُ) أَيْ: الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ أَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلًا: مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَمْ تُرِدْ إلَخْ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute