دَارُهُمَا كَالْهِنْدِيِّ وَالرُّومِيِّ وَاخْتِلَافُ الْمِلَلِ لَا يَمْنَعُ التَّوَارُثَ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْكُفَّارَ عَلَى اخْتِلَافِ فِرَقِهِمْ يَجْمَعُهُمْ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ فَاخْتِلَافُهُمْ كَاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢] فَلَوْ مَاتَ يَهُودِيٌّ ذِمِّيٌّ عَنْ ابْنٍ مِثْلِهِ وَابْنٍ يَهُودِيٍّ مُعَاهَدٍ وَابْنٍ يَهُودِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ وَابْنٍ يَهُودِيٍّ حَرْبِيٍّ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ سِوَى الْأَخِيرِ.
(وَلَا) يَرِثُ (مَنْ قَتَلَا) مَقْتُولَهُ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ لَمْ يَضْمَنْهُ كَأَنْ قَتَلَهُ دَفْعًا لِصِيَالِهِ أَوْ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ إيجَارَ الدَّوَاءِ أَوْ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ بِمَالِهِ دَخَلَ فِي قَتْلِهِ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ» وَلِتُهْمَةِ اسْتِعْجَالِ قَتْلِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَسَدًّا لِلْبَابِ فِي الْبَاقِي وَإِذَا صَرَفْنَا الْمَالَ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا فَقِيلَ يُعْطَى مِنْهُ الْقَاتِلُ فَإِنَّ تُهْمَةَ الِاسْتِعْجَالِ لَمْ تَتَحَقَّقْ وَالصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافُهُ.
(وَ) لَا يَرِثُ (حُرُّ بَعْضٍ) أَحَدًا لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَأَخَذَ بَعْضَ الْمَالِ مَالِكُ الْبَاقِي وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَيِّتِ وَقِيلَ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يُورَثُ (وَجَمِيعُ مَا مَلَكَ) بِحُرِّيَّتِهِ (يُورَثُ) عَنْهُ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَمَاتَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ مِنْهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِمَّا كَسَبَهُ بِالرَّقَبَةِ وَقِيلَ يُورَثُ عَنْهُ بِقِسْطِ بَعْضِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ حَلَّ جَمِيعَ بَدَنِهِ وَبَدَنُهُ مُنْقَسِمٌ إلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَيَنْقَسِمُ مَا خَلَّفَهُ كَأَكْسَابِهِ وَعَنْ هَذَا الْوَجْهِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ جَمِيعُ مَا مَلَكَ.
(وَالْمُرْتَدُّ قُلْ) لَهُ (لَا إرْثَ لَكْ) مِنْ أَحَدٍ وَإِنْ عُدْت إلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِخَبَرِ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلِأَنَّهُ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِتَرْكِهِ دِينَ الْإِسْلَامِ وَعَدَمِ تَقْرِيرِهِ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ وَنَقَضَهُ ابْنُ الْهَائِمِ بِأَخَوَيْنِ ارْتَدَّا إلَى النَّصْرَانِيَّةِ مَثَلًا لِبَقَاءِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا وَيُجَابُ بِمَنْعِ بَقَائِهَا لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَهَا بِمَا لَا يُقْبَلُ بَعْدَهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَلَا نَظَرَ إلَى اتِّفَاقِهِمَا ظَاهِرًا (وَعَنْهُ هَلْ) أَيْ وَهَلْ (يُورَثُ) عَنْ الْمُرْتَدِّ (مَا خَلَّى) أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (نَفَوْا) ذَلِكَ لِمَا مَرَّ فِي إرْثِهِ بَلْ مَا خَلَاهُ فَيْءٌ سَوَاءٌ كَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ فِي الرِّدَّةِ (كَذَاكَ) أَيْ مِثْلُ الْمُرْتَدِّ فِي أَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ (زِنْدِيقٌ) وَهُوَ مِنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُرْتَدٌّ كَمَا يَحْتَمِلُهُ تَعْبِيرُ الْحَاوِي يَقُولهُ كَالزِّنْدِيقِ بِجَعْلِهِ مِثَالًا لِلْمُرْتَدِّ لَا نَظِيرَ لَهُ.
(وَمَنْ رَقَّ) لَا يَرِثُ (وَلَوْ كُوتِبَ) أَوْ دُبِّرَ أَوْ أَوْلَدَ لِمَا مَرَّ فِي حُرِّ الْبَعْضِ وَلَا يُورَثُ إذْ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ لَا مِلْكَ لَهُ وَالْمُكَاتَبُ وَإِنْ مَلَّكْنَاهُ
ــ
[حاشية العبادي]
يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَهْدِ مَا يَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَرِثُ مَنْ قَتَلَا) أَيْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً أَوْ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا وَكَتَبَ أَيْضًا نَعَمْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ بِقَتْلِ مُوَرِّثِهِ يَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي قَتْلِهِ إذْ الْإِفْتَاءُ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَبِهِ فَارَقَ الْحَاكِمُ حَجَرٌ.
ــ
[حاشية الشربيني]
وَالْمُسْتَأْمَنِ مِنْ الْحَرْبِيِّ بِكَوْنِهِمْ بِدَارِنَا فَلَوْ عَقَدَ الْإِمَامُ الذِّمَّةَ لِطَائِفَةٍ قَاطِنَةٍ بِدَارِ الْحَرْبِ تَوَارَثَتْ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَجَرَى عَلَيْهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَحَجَرٌ فِي التُّحْفَةِ وَرَدَّهُ م ر مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ إنَّ مَنْ بِدَارِ الْحَرْبِ مِنْ الذِّمِّيِّينَ يَرِثُ مَنْ بِدَارِنَا أَيْ مِنْهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلرَّدِّ بِذَلِكَ فَرَاجِعْهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ رَدَّ عَلَى م ر بِعَدَمِ صَرَاحَةِ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الصَّيْمَرِيِّ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ اهـ وَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُ إلَخْ) فَيَرِثُ الْيَهُودِيُّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ وَيُصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ وَكَذَا النَّسَبُ فِيمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيٌّ وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْمُنْتَقِلَ مِنْ مِلَّةٍ إلَى مِلَّةٍ لَا يُقَرُّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَضْمَنْهُ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: مَحَلُّ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَغَيْرِهِ الْمُبَاشَرَةُ وَالسَّبَبُ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِرْثَ مِنْهُ هُوَ الْعُدْوَانُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُحَصِّلَةٌ لِلْقَتْلِ، وَالسَّبَبُ لَهُ دَخْلٌ فِيهِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِيهِمَا بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يُحَصِّلُهُ وَلَا يُؤَثِّرُ إذْ هُوَ مَا حَصَلَ التَّلَفُ عِنْدَهُ لَا بِهِ فَلِبُعْدِ إضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِ اُحْتِيجَ إلَى اشْتِرَاطِ التَّعَدِّي فِيهِ اهـ وَوَافَقَهُ الْبُجَيْرِمِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ لَكِنْ ظَاهِرُ م ر وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ وَيُقَوِّي مَا فِي التُّحْفَةِ أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا يَرِثُونَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فَرَاجِعْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ إيجَارَ الدَّوَاءِ) قَالَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ فَرْعٌ لَوْ سَقَاهُ دَوَاءً فَإِنْ كَانَ عَارِفًا وَرِثَهُ أَوْ غَيْرَ عَارِفٍ لَمْ يَرِثْهُ اهـ. م ر اهـ. وَنَقَلَهُ ع ش عَنْ حَوَاشِي الرَّوْضِ لِلشِّهَابِ م ر ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِهِ وَرِثَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ لَا يَرِثُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهُ إلَّا الرَّاوِيَ وَالْمُفْتِيَ وَإِنَّمَا فَصَّلُوا فِي الْعَارِفِ وَغَيْرِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ. اهـ. جَمَلٌ.
(قَوْلُهُ: وَحُرُّ بَعْضٍ) أَيْ لَا يَرِثُ مَا يَرِثُهُ لَوْ كَانَ حُرًّا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ إلَخْ) لَمْ يَرِثْ بِقَدْرِ الْحُرِّيَّةِ فَقَطْ وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِهَا فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ الشَّافِعِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ إرْثِهِ لِنَقْصِهِ. اهـ. خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ.
(قَوْله