مَا مَرَّ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ: وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ وِتْرًا أَخَذَ بِالضِّدِّ أَوْ شَفْعًا فَبِالْمِثْلِ بَعْدَ اعْتِبَارِ اعْتِيَادِ التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ (اسْتَثْنَى) أَيْ: الْحَاوِي فِيمَا مَرَّ كَالرَّافِعِيِّ (مِنْ الْمَشْكُوكِ) بِمَعْنَى الشَّكِّ الْمَعْنِيُّ بِهِ هُنَا وَفِي غَالِبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ التَّرَدُّدُ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ رُجْحَانٍ (ظَنْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ فَجَعَلَ الشَّكَّ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَرْفَعُ الْيَقِينَ إلَّا ظَنُّ الطُّهْرِ فَيَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ (قُلْتُ وَقَدْ) أَيْ: حَقِيقٌ (يَسْتَشْكِلُ الْمُعْتَرِضُ هَذَا) بِأَنَّ الْأَصْحَابَ سَوَّوْا بَيْنَ الشَّكِّ وَالظَّنِّ هُنَا كَمَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَمْ أَرَ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِغَيْرِهِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَاءَ الْمَظْنُونَ طَهَارَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ مَثَلًا يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ.
وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ قَوْلِ النَّظْمِ اسْتَثْنَى إلَى آخِرِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ تَيَقَّنَّا أَوْ تَأْخِيرَهُ عَنْ قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ) مَا قَبْلَهُمَا (فَالْوُضُو) وَاجِبٌ لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَلَا سَبِيلَ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ الْمَحْضِ فِي الطُّهْرِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِمَنْ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ فَإِنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُ بِالطُّهْرِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَلَا أَثَرَ لِتَذَكُّرِهِ ثُمَّ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ التَّذَكُّرِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ) يَعْنِي أَنَّ الْمِثْلَ الْمَأْخُوذَ فِي الشَّفْعِ هُوَ الْمَأْخُوذُ فِي الْوَتْرِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا قَبْلَ وَقْتَيْ الِاشْتِبَاهِ مَثَلًا مُحْدِثًا كَانَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ أَوَّلُ وَقْتَيْ الِاشْتِبَاهِ مُتَطَهِّرًا وَإِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي مُتَطَهِّرًا كَانَ فِي الْوَقْتِ الثَّالِثِ مُحْدِثًا إنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ فَإِنْ لَمْ يَعْتَدْهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَالْحَدَثُ الَّذِي حُكِمَ بِهِ فِي الْوَقْتِ الثَّالِثِ ضِدٌّ لِمَا حُكِمَ بِهِ فِي الثَّانِي وَمِثْلٌ لِمَا فِي الْأَوَّلِ فَالْأَخْذُ فِي الثَّالِثِ بِمِثْلِ مَا فِي الْأَوَّلِ أَخْذٌ بِضِدِّ مَا فِي الثَّانِي فَالْأَخْذُ بِالْمِثْلِ فِي الشَّفْعِ وَبِالضِّدِّ فِي الْوَتْرِ سَوَاءٌ لِاتِّحَادِ الْمَأْخُوذِ فِيهِمَا وَلِتَضَمُّنِ الْأَخْذِ فِي الشَّفْعِ بِالْمِثْلِ اعْتِبَارَ الْأَخْذِ بِالضِّدِّ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالنَّظَرِ لِمَا قَبْلَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ
سم (قَوْلُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى) أَيْ: التَّرَدُّدِ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ رُجْحَانٍ (قَوْلُهُ: أَيْ حَقِيقٌ) فَلَيْسَتْ لِلتَّقْلِيلِ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْمَغْرِبِ مُحْدِثٌ أَخَذَ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ إذْ هُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ الِاشْتِبَاهِ بِضِدِّ الْحَدَثِ فَيَكُونُ فِيهِ مُتَطَهِّرًا وَفِي الشَّفْعِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ ثَانِيهَا بِمِثْلِهِ فَيَكُونُ فِيهِ مُحْدِثًا إنْ اعْتَادَ تَجْدِيدًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيمَا بَعْدَ الْفَجْرِ مُتَطَهِّرًا فَإِنْ لَمْ يَعْتَدْهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا فِيمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَخَذَ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ بِضِدِّهِ فَيَكُونُ مُحْدِثًا إنْ اعْتَادَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيمَا قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَطَهِّرًا وَفِيمَا بَعْدَهُ مُحْدِثًا فَإِنْ لَمْ يَعْتَدْ كَانَ قَبْلَ الْعِشَاءِ مُتَطَهِّرًا وَكَذَا قَبْلَ الْفَجْرِ.
وَكَذَا بَعْدَهُ إذْ الظَّاهِرُ تَأَخُّرُ طُهْرِهِ عَنْ حَدَثِهِ فِي الْجَمِيعِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالضِّدِّ تَارَةً وَبِالْمِثْلِ أُخْرَى إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْحَدَثَ دُونَ مَا إذَا عَلِمَ الطُّهْرَ وَهُوَ لَا يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْمِثْلِ فِي الْمَرَاتِبِ كُلِّهَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ (قَوْلُهُ: عَكْسُ مَا مَرَّ) هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ كَانَ قَبْلَ الْأَوَّلَيْنِ مُحْدِثًا مُطْلَقًا أَوْ مُتَطَهِّرًا وَهُوَ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ، أَمَّا الْمُتَطَهِّرُ الَّذِي لَا يَعْتَادُهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِالْمِثْلِ وَلَا عَكْسَ فِيهِ (قَوْلُهُ: إلَّا ظَنَّ الطُّهْرِ) عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ إلَّا فِي طَرَفِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَنَّهَا بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا. اهـ. قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا غَرِيبٌ بَعِيدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ حَقِيقٌ) ؛ لِأَنَّهُ تُحُقِّقَ قَوْلَ ابْنِ الرِّفْعَةِ لَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْأَصْحَابَ سَوَّوْا إلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الشَّكِّ اسْتَوَى الِاحْتِمَالَانِ عِنْدَهُ أَوْ رَجَحَ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ وَقَدْ قَدَّمْت بَيَانَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ. اهـ. وَقَالَ هُنَاكَ اعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِالشَّكِّ فِي الْمَاءِ وَالْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهَا هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّرَفَانِ فِي التَّرَدُّدِ سَوَاءً أَوْ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا فَهَذَا مَعْنَاهُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْأُصُولِ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالُوا التَّرَدُّدُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إنْ كَانَ عَلَى السَّوَاءِ فَهُوَ الشَّكُّ وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ ظَنٌّ، وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِبَارَةُ م ر وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ هُنَا وَفِي مُعْظَمِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ قَالَ ع ش أَشَارَ بِقَوْلِهِ مُعْظَمِ إلَى أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي أَبْوَابٍ مِنْهَا بَابُ الْإِيلَاءِ وَحَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَالْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ وَالْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِ الْغَيْرِ وَرُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَاجِّ وَالْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ. اهـ. وَلْيُنْظَرْ مُرَادُهُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرْحَ احْتَرَزَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ هُنَا تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) عِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ هَلْ تَطَهَّرَ أَمْ لَا؟ فَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الشَّكِّ اسْتَوَى الِاحْتِمَالَانِ عِنْدَهُ أَوْ رَجَحَ أَحَدُهُمَا. اهـ. وَكَتَبَ الْأَذْرَعِيُّ بِخَطِّهِ عَلَى قَوْلِهِ وَسَوَاءٌ إلَخْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا فِي طَرَفِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَنَّهَا بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا وَهَذَا غَرِيبٌ بَعِيدٌ. اهـ. وَأَنْتَ تَرَى هَذَا الْكَلَامَ لَا يَقْبَلُ هَذَا التَّأْوِيلَ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ بَعْضِهِمْ. اهـ.
وَفِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ إنْ كَانَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَدْ يُعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ فَقَدْ يَسْلَمُ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْتَدِ التَّجْدِيدَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالطُّهْرِ حَيْثُ لَمْ يَتَذَكَّرْ مَا قَبْلَ حَدَثِهِ وَطُهْرِهِ الْوَاقِعَيْنِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ دَائِمًا فَمَمْنُوعٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُ بِالطُّهْرِ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ كَمَا سَبَقَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالطُّهْرِ