إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ فَأَخَذَهُ حِسْبَةً صَوْنًا لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَلَوْ كَانَ بِإِيجَابٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَلَيْسَ بِإِيدَاعٍ أَيْضًا حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ وَذَهَبَ لَمْ يَضْمَنْهُ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ إنْ ذَهَبَ بَعْدَ غَيْبَةِ مَالِكِهِ وَلَوْ قَالَ قَبِلْت أَوْ ضَعْهُ فَوَضَعَهُ فَإِيدَاعٌ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا حَتَّى يَقْبِضَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ ذَهَبَ وَتَرَكَهُ، وَالْمَالِكُ حَاضِرٌ فَهُوَ رَدٌّ لِلْوَدِيعَةِ أَوْ غَائِبٌ ضَمِنَهُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا وَخَرَجَ بِالْمَالِ غَيْرُهُ أَيْ مِمَّا لَا اخْتِصَاصَ فِيهِ كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ.
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا يَضْمَنْهُ الصَّبِيُّ وَقِيلَ إذْنِ مُجَرَّدٌ فِي الْحِفْظِ فَيَضْمَنُهُ كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ اسْتِنْبَاطِ الْأَصْحَابِ وَأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِمَا تَرْتَفِعُ بِهِ الْوَكَالَةُ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُهُ وَجَعَلَهُ الرَّافِعِيُّ الْقِيَاسَ لَكِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْمُودِعَ أَمِينٌ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِعَوَارِضَ
وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ (فَيَضْمَنُ الْمُودَعُ بِالتَّرْحَالِ) أَيْ بِسَفَرِهِ وَإِنْ قَصُرَ وَقَوْلُهُ (لَا إنْ طَرَا نَحْوُ جَلَا أَهْلِ الْبَلَدْ) بِقَصْرِ جَلَا لِلْوَزْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ (بِالْمَالِ) صِلَةُ التَّرْحَالِ أَيْ يَضْمَنُ الْمَالَ الْمُودَعَ بِسَفَرِهِ بِهِ لَا إنْ سَافَرَ بِهِ لِطُرُوٍّ وَخُرُوجِ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْهَا أَوْ نَحْوِهِ كَحَرِيقٍ أَوْ إغَارَةٍ وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إلَى مَنْ سَيَأْتِي إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ السَّفَرُ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ ضَمِنَهُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ بِسَفَرِهِ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ إذَا (لَمْ يُودَعْهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (فِيهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ (وَوَجَدْ ذَا الْمَالِ أَوْ وَكِيلَهُ) .
وَذِكْرُ الْوَكِيلِ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَالْقَاضِيَا فَالْعَدْلَ) لِتَقْصِيرِهِ بِالسَّفَرِ الَّذِي
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ وَذَهَبَ لَمْ يَضْمَنْهُ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ إلَخْ) قَضِيَّةُ صَنِيعِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ نَطِيرَ هَذَا مِنْ الْحَالَةِ الْأُولَى لَا إثْمَ فِيهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْبُرُلُّسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقُولُ إطْلَاقُ قَوْلِهِ كَغَيْرِهِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ قَوْلَ الرَّوْضِ فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ لَهُ أَوْ أَوْجَبَ وَرَدَّ ضَمِنَ بِالْقَبْضِ لَا بِالتَّضْيِيعِ وَإِنْ أَثِمَ اهـ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ الْإِثْمِ فِي الْحَالَيْنِ سم.
(قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُهُ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُهُ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ حَتَّى يَسْقُطَ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ وَيَرْجِعُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَصِحُّ الْحِفْظُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ ثَمَّ حِينَئِذٍ
(قَوْلُهُ وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إلَى مَنْ سَيَأْتِي) يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ اسْتَوَى السَّفَرُ لِلْجَلَاءِ وَلِعَدَمِهِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ حِينَئِذٍ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْبُرُلُّسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ الْعَجْزُ عِنْدَ الْجَلَاءِ أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَحِينَئِذٍ يَفْتَرِقُ الْحَالَانِ وَدَفَعَ الشَّارِحُ بِالتَّقْيِيدِ تَوَهُّمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِطْلَاقُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ عَنْ اسْتِوَاءِ الْحَالَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: فَالْقَاضِيَا فَالْعَدْلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَبْضِ لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَبْضِ وَفِي الثَّانِي حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي لُزُومِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ
ــ
[حاشية الشربيني]
خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَيُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، وَلَمْ يَرْتَضِ هَذِهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْبِضْهُ) ظَاهِرُهُ مَعَ أَنَّ الْمَوْضُوعَ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَنَّ الْوَضْعَ بَيْنَ يَدَيْهِ هُنَا لَيْسَ قَبْضًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِمَا فِي الشَّيْخِ عَمِيرَةَ عَلَى الْمَحَلِّيِّ أَنَّهُ يَكْفِي هُنَا مُجَرَّدُ الْوَضْعِ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا لَا يَدُلُّ لَهُ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَضْمَنْهُ) أَيْ بِالتَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْتِزَامِهِ أَمَّا بِالْإِتْلَافِ فَيَضْمَنُ لِعَدَمِ تَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ، وَفِي شَرْحِ م ر مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّا إنْ قُلْنَا أَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدٌ لَا يَضْمَنُ إنْ أَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إذْنٌ مُجَرَّدٌ فِي الْحِفْظِ ضَمِنَ بِالْإِتْلَافِ لِعَدَمِ تَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا عَقْدٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذْنٌ فِي الِاسْتِهْلَاكِ.
(قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُهُ) أَيْ بِالتَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ
(قَوْلُهُ، وَيَلْزَمُهُ السَّفَرُ بِهَا) ، وَلَوْ مَخُوفًا إنْ عَلِمَ سَلَامَتَهَا بِهِ فَإِنْ ظَنَّهَا جَازَ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ السَّفَرُ بِهَا) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَفِي غَيْرِهَا يَجُوزُ السَّفَرُ، وَلَا يَلْزَمُهُ، وَدَفَعَ بِقَوْلِهِ، وَيَلْزَمُهُ إلَخْ مَا يُقَالُ: إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَتْنِ مَعَ قَوْلِهِ وَعَجَزَ إلَخْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ بِالسَّفَرِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ الْعُذْرِ الْمَذْكُورِ، وَالْعَجْزِ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعَجْزَ وَحْدَهُ كَافٍ فِي جَوَازِ السَّفَرِ بِهَا وَعَدَمِ الضَّمَانِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنْ مَصَالِحِهِ، وَتَنْفِرَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ، وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ فَقَطْ. اهـ. أَفَادَهُ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْمَحَلِّيِّ، وَلَعَلَّ بِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ، وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إلَى مَنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ قَدْ اسْتَوَى السَّفَرُ لِلْجَلَاءِ، وَلِعَدَمِهِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ حِينَئِذٍ. اهـ. أَيْ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا بِسَفَرِهِ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ إلَخْ، وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُمَا، وَإِنْ اسْتَوَيَا فِيمَا ذُكِرَ لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي اللُّزُومِ، وَعَدَمِهِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فَالْقَاضِيَا إلَخْ) إنْ رَدَّهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا، وَنَائِبِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا، وَإِلَّا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُبَاحِ كَذَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَسَبَبُهُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ إيدَاعَهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا، وَنَائِبِهِ رُخْصَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. اهـ.