للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِمَوْقِعٍ مِنْ حَاجَتِهِ (وَمَا كَفَى) لَهُ كَثَمَانِيَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: ٧٩] وَبِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْفَقْرُ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَمْلِكُهُ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَالْمُعْتَبَرُ فِيمَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ الْمَطْعَمُ وَالْمَلْبَسُ وَالْمَسْكَنُ وَسَائِرُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ لِلشَّخْصِ وَلِمَنْ هُوَ فِي نَفَقَتِهِ وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ كِفَايَتِهِ بِالْعُمْرِ الْغَالِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كُلُّ مَنْ لَا يَمْلِكُ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ عَلَى الدَّوَامِ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَالْكَفَّارَةُ بِاسْمِ الْفَقْرِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ: هُنَا كُلٌّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ بِالْحَاجَةِ وَشَرْطُهُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَفِيَ دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ عَلَى الدَّوَامِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْفُقَرَاءِ بِوُجُودِ الْكِفَايَةِ فَكُلُّ مَنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الدَّوَامِ: إمَّا بِبِضَاعَةٍ يَتَّجِرُ فِيهَا أَوْ عَقَارٍ يَسْتَغِلُّهُ أَوْ صَنْعَةٍ يَكْتَسِبُ بِهَا كِفَايَتَهُ فَهُوَ غَنِيٌّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ بِالْفَقْرِ لِوُجُودِ الْكِفَايَةِ وَإِنْ قَصَرَ رِبْحُ بِضَاعَتِهِ أَوْ دَخْلُ عَقَارِهِ أَوْ كَسْبُ صَنْعَتِهِ عَنْ قَدْرِ كِفَايَتِهِ حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِالْفَقْرِ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَشْتَرِي بِهِ مِنْ الْعَقَارِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ الْكِفَايَةُ أَوْ يُضَافُ إلَى بِضَاعَتِهِ مَا يُتْمِرُ بِهِ رِبْحَهُ لِكِفَايَتِهِ وَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَالنَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْغَيْرِ الْمَشْهُورَةِ وَاسْتَنْبَطَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَدَمِ كِفَايَتِهِ بِالسَّنَةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ كَالْبَغَوِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ (فَرْعٌ)

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبُ فِقْهٍ لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ وَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَأَثَاثِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا وَالْكِتَابُ يُطْلَبُ إمَّا لِلتَّفَرُّجِ بِالْمُطَالَعَةِ كَكُتُبِ الشِّعْرِ وَالتَّوَارِيخِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَنْفَعُ فِي الدَّارَيْنِ فَهَذَا يَمْنَعُ الْمَسْكَنَةَ وَإِمَّا لِلتَّعْلِيمِ لِلتَّكَسُّبِ كَالْمُؤَدِّبِ وَالْمُدَرِّسِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لِلْقِيَامِ بِفَرْضٍ فَلَا يَمْنَعُ الْمَسْكَنَةَ وَإِمَّا لِلِاسْتِفَادَةِ كَطِبٍّ يُعَالِجُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَعْظٍ يَتَّعِظُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ طَبِيبٌ وَوَاعِظٌ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَمُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ كِتَابٍ نُسْخَتَانِ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَصَحُّ وَالْأُخْرَى أَحْسَنُ بَاعَ الْأَحْسَنَ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ عِلْمٍ وَإِحْدَاهُمَا وَجِيزَةٌ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الِاسْتِفَادَةَ فَلْيَكْتَفِ بِالْبَسِيطَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ احْتَاجَ إلَيْهِمَا هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ.

وَالْمُخْتَارُ فِي الْوَاعِظِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِوُجُودِهِ (لَا مَنْ بِإِنْفَاقٍ مِنْ الزَّوْجِ وَمَنْ بِالْحَتْمِ مِنْ قَرِيبِهِ يُكْفَى الْمُؤَنْ) أَيْ لَا مَنْ يَكْفِي الْمُؤَنَ بِإِنْفَاقِ زَوْجٍ أَوْ قَرِيبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَيْسَ بِفَقِيرٍ وَلَا مِسْكِينٍ لِاسْتِغْنَائِهِ حِينَئِذٍ فَلَا يُعْطِيهِ الْمُنْفِقُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ سَهْمِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ نَاشِزَةً لِقُدْرَتِهَا عَلَى تَرْكِ النُّشُوزِ كَالْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ وَلَهُمَا إعْطَاؤُهُ مِنْ سَهْمِ غَيْرِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ بِشَرْطِهِ فَإِنْ لَمْ يَكْفِ بِالنَّفَقَةِ أَعُطِيَ قَالَ الْإِمَامُ وَيَكُونُ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ وَكَأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ مَا يَجِبُ لَهُ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقَعْ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ سَافَرَتْ الزَّوْجَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا جَازَ إعْطَاؤُهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى الْعَوْدِ فِي الْحَالِ وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ إنْفَاقِ الْقَرِيبِ بِالْخَتْمِ الْمَزِيدُ عَلَى الْحَاوِي مَنْ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ

ــ

[حاشية العبادي]

وَمِنْهَا أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ فِي صُوَرِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَمْلِكُهُ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ فَتَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا بَلْ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ مِنْ إنْسَانٍ ثُمَّ دَفَعَهَا إلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ جَازَ بِرّ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَأْتِي إلَخْ) أَيْ وَلَا نَظَرَ إلَى تَصْرِيحِ الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ مَا اسْتَنْبَطَهُ آتٍ سَوَاءٌ قُلْنَا يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ أَمْ كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبُ هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ فَإِنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَدْ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْتُهُ بِرّ (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا إعْطَاؤُهُ إلَخْ) فِي الرَّوْضِ لَكِنْ لَا يُعْطِيهِ قَرِيبُهُ وَهُوَ فَقِيرٌ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَيُعْطِيهِ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ لِحَاجَةِ السَّفَرِ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الزَّوْجَ يُعْطِي الزَّوْجَةَ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ.

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى الْعَوْدِ) وَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّهَا

ــ

[حاشية الشربيني]

مُرْتَزِقٍ وَسِلَاحِهِ إنْ لَمْ يُعْطِهِ الْإِمَامُ بَدَلَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمُتَطَوِّعٌ احْتَاجَهُمَا وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ. اهـ. وَانْظُرْ مَا مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّ الْمُتَطَوِّعَ يَأْخُذُ وَلَوْ غَنِيًّا كَمَا سَيَأْتِي فَلَا حَاجَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالِاحْتِيَاجِ وَالْمُرْتَزِقُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الزَّكَاةِ بَلْ حَظُّهُ فِي الْفَيْءِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فَقِيرًا فَيَجْتَمِعُ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ يَأْخُذُ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ بِخِيرَتِهِ فَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ بِالْفَقْرِ يُقَالُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ فَقْرَهُ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا وَعَنْ الثَّانِي بِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْأَغْنِيَاءُ مِنْ إعَانَتِهِمْ وَلَمْ يَجْبُرْهُمْ الْإِمَامُ عَلَيْهَا حَلَّ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ وَلَا يَمْنَعُ فَقْرَهُمْ خَيْلُهُمْ وَسِلَاحُهُمْ إذَا لَمْ يُعْطِهِمْ الْإِمَامُ بَدَلَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ.

شَيْخُنَا ذ بِهَامِشِ الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: عَلَى الدَّوَامِ) أَيْ بَقِيَّةِ عُمْرِهِ هُوَ الْغَالِبُ وَلَا يُعْتَبَرُ عُمْرُ مُمَوَّنِهِ فَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ عُمْرِهِ الْغَالِبِ ثَلَاثِينَ وَمِنْ عُمَرَ مُمَوَّنِهِ أَرْبَعِينَ وَزَّعَ مَا عِنْدَهُ عَلَى ثَلَاثِينَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْطِيهِ إلَخْ) فِي التَّعْلِيقَةِ وَالْعُجَابِ نَعَمْ يُعْطِيهِ غَيْرَ الْمُنْفِقِ مِنْ سَائِرِ السِّهَامِ أَيْ مَا عَدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>