السَّفَرِ قَالَ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا جَزَمُوا بِهِ وَقَوْلُ النَّظْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلِلزُّلْفَى هِيَهْ) بِهَاءِ السَّكْتِ بَيَانٌ لِحِكْمَةِ ذَلِكَ أَيْ خُصَّ بِوُجُوبِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا لِنَيْلِ الزُّلْفَى أَيْ الْقُرْبِ وَالْمَنْزِلَةِ فَلَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا ثَوَابُ الْفَرِيضَةِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ النَّافِلَةِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً (وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (نَفْلِ لَيْلٍ) وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ التَّهَجُّدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩] وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ نُسِخَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّهِ كَمَا نُسِخَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَطْفُ التَّهَجُّدِ عَلَى الْوَتْرِ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا لَكِنَّهُمَا رَجَّحَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ اتِّحَادَهُمَا وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ.
وَيُؤَيِّدُ مَا هُنَا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ مِنْ اعْتِبَارِ وُقُوعِ التَّهَجُّدِ بَعْدَ النَّوْمِ بِخِلَافِ الْوَتْرِ، وَمَنْعُ الْقَمُولِيِّ لِهَذَا الِاعْتِبَارِ رَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِمَنْعِ كَوْنِ الْمُصَلِّي قَبْلَ نَوْمِهِ مُتَهَجِّدًا بَلْ لَهُ أَجْرُ مُتَهَجِّدٍ قَالَ: وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الطَّبَرِيُّ فِي الْعِدَّةِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَحْسَبُ أَحَدُكُمْ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي حَتَّى يَصْبَحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ إنَّمَا التَّهَجُّدُ الْمَرْءُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ ثُمَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ ثُمَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ وَتِلْكَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» انْتَهَى وَقَوْلُهُ: إنَّمَا الْمُتَهَجِّدُ أَيْ الْكَامِلُ لِصِدْقِ الْمُتَهَجِّدِ عَلَى مَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ بَعْدَ رَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قَدْ يَجْمَعُ بَيْنَ تَرْجِيحَيْ الشَّيْخَيْنِ بِحَمْلِ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا أَوْتَرَ بَعْدَ النَّوْمِ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا أَوْتَرَ قَبْلَهُ وَتَهَجَّدَ بَعْدَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ وُقُوعُهُ بَعْدَ وَقْتِ الْعِشَاءِ أَيْضًا (وَ) بِوُجُوبِ (سِوَاكِ فِيهِ) بِالْإِضَافَةِ أَيْ سِوَاكِ فَمِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ (وَ) بِوُجُوبِ (أَنْ يُخَيِّرَ النِّسَاءَ) أَيْ نِسَاءَهُ (فِيهِ) بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا وَالْمَقَامِ مَعَهُ طَلَبًا لِلْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: ٢٨] الْآيَتَيْنِ وَلِئَلَّا يَكُونَ مُكْرِهًا لَهُنَّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَا آثَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْفَقْرِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا صَحَّ أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا تَعَوَّذَ مِنْ فِتْنَتِهِ كَمَا تَعَوَّذَ مِنْ فِتْنَةِ الْغَنِيِّ أَوْ تَعَوَّذَ مِنْ فَقْرِ الْقَلْبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «لَيْسَ الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» وَلَمَّا خَيَّرَهُنَّ وَاخْتَرْنَهُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ التَّزَوُّجَ عَلَيْهِنَّ وَالتَّبَدُّلَ بِهِنَّ مُكَافَأَةً لَهُنَّ فَقَالَ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: ٥٢] الْآيَةَ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [الأحزاب: ٥٠] الْآيَةَ لِيَكُونَ لَهُ الْمِنَّةُ بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِنَّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَمَا اخْتَرْنَهُ وَأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فِرَاقَهُ لَمْ يَحْصُلْ الْفِرَاقُ بِالِاخْتِيَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: ٢٨] .
وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَابِهِنَّ فَوْرٌ لِمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ بَدَأَ بِعَائِشَةَ وَقَالَ إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا تُبَادِرِينِي بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك» وَهَلْ قَوْلُهَا اخْتَرْتُ نَفْسِي صَرِيحُ فِرَاقٍ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وُقُوعُ التَّهَجُّدِ بَعْدَ النَّوْمِ) ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ النَّوْمَ قَبْلَ فِعْلِ الْعِشَاءِ بَلْ وَقَبْلَ وَقْتِهَا لَكِنْ يَأْتِي خِلَافُ هَذَا وَقَدْ شَرَطَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ لِلتَّهَجُّدِ شَرْطَيْنِ كَوْنِهِ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ وَكَوْنِهِ بَعْدَ نَوْمٍ (قَوْلُهُ: بَعْدَ وَقْتِ الْعِشَاءِ) هَلْ وَلَوْ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ بِأَنْ جَمَعَهَا مَعَ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتِهِ تَقْدِيمًا فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: أَمَرَ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ) قِيلَ وَلَا يُنَافِيهِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرْت بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيَّ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ بِأَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ الْجَمْعُ بِهَذَا لَيْسَ بِأَرْجَحَ مِنْ حَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: صَرِيحُ فِرَاقٍ) هَلْ الْمُرَادُ صَرِيحٌ فِي طَلَبِ الْفِرَاقِ لَا فِي نَفْسِ الْفِرَاقِ لِئَلَّا يُخَالِفَ قَوْلَهُ السَّابِقَ وَأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَتْ وَاحِدَةً إلَخْ إذْ كَيْفَ يَجْزِمُ بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ طَلَاقًا ثُمَّ يَذْكُرُ فِيهِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي نَفْسِ الْفِرَا ق وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي اخْتِيَارِ الْفِرَا ق وَهَذَا فِي اخْتِيَارِ النَّفْسِ الْمُرَادُ الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضِ أَوْ كَرِهَتْهُ أَيْ بِأَنْ اخْتَارَتْ الدُّنْيَا تَوَقَّفَتْ الْفُرْقَةُ عَلَى الطَّلَا ق وَهَلْ قَوْلُهَا أَخْتَرْتُ نَفْسِي طَلَاقٌ إلَخْ؟ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِالطَّلَاقِ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ) لَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَاءَ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْعَقْدِ بِدُونِ قَرِينَةٍ وَعَلَى الْوَطْءِ بِقَرِينَةٍ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّهَا نَزَلَتْ جَوَابًا بِالسُّؤَالِ عَنْ وَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ بَعْدَ طَلَاقِهَا هَلْ يُحَلِّلُهَا لِلزَّوْجِ. اهـ. شَيْخُنَا ذ
(قَوْلُهُ: مِنْ خَصَائِصِهِ) أَيْ أَشْيَاءَ انْفَرَدَ بِهَا عَنْ سَائِرِ أُمَّتِهِ مِنْهَا مَا انْفَرَدَ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَا مَا شَارَكَهُ فِيهِ الْأَنْبِيَاءُ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ فِي الْوَتْرِ كَذَلِكَ) فِيهِ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُدْخِلُ الْخَصَائِصَ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: كَمَا نُسِخَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ التَّهَجُّدُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ حَوْلًا كَامِلًا ثُمَّ نُسِخَ فَصَارَ تَطَوُّعًا فِي حَقِّهِ وَحَقِّهِمْ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَنْوَارِ وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ مِنْ الْخَصَائِصِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ وَحَكَى الشَّيْخُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَلْ قَوْلُهَا اخْتَرْت إلَخْ) إنَّمَا كَانَ فِي هَذَا خِلَافٌ دُونَ اخْتِيَارِ فِرَا قِه فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ نَفْسِهَا بَعْدَ تَخْيِيرِهَا كَتَطْلِيقِهَا نَفْسَهَا بَعْدَ تَفْوِيضِ طَلَاقِهَا إلَيْهَا بِخِلَافِ اخْتِيَارِ فِرَاقِهَا فَإِنَّهُ اخْتِيَارٌ لَأَنْ يُفَارِقَهَا هُوَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: صَرِيحُ فِرَاقٍ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute