أَوْ هَلْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا بَعْدَ الْفِرَاقِ؟ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (كَذَا) خُصَّ بِأَنَّهُ يَجِبُ (طَلَاقُ امْرَأَةٍ مَرْغُوبَهْ لَهُ) أَيْ رَغِبَ فِي نِكَاحِهَا (عَلَى الزَّوْجِ) لِيَنْكِحَهَا هُوَ قَالَ الْغَزَالِيُّ لِقِصَّةِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَلَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ امْتِحَانُ إيمَانِ الزَّوْجِ بِتَكْلِيفِهِ النُّزُولَ عَنْ أَهْلِهِ وَابْتِلَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَلِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ وَمَنْعُهُ مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيَنِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: ٣٧] وَلَا شَيْءَ أُدْعَى إلَى حِفْظِ الْبَصَرِ مِنْ هَذَا التَّكْلِيفِ وَهَذَا مِمَّا يُورِدُهُ الْفُقَهَاءُ فِي نَوْعِ التَّخْفِيفَاتِ وَعِنْدِي أَنَّهُ فِي حَقِّهِ فِي غَايَةِ التَّشْدِيدِ إذْ لَوْ كُلِّفَ بِهِ آحَادُ النَّاسِ لَمَا فَتَحُوا أَعْيُنَهُمْ فِي الشَّوَارِعِ وَالطَّرَقَاتِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْفِي آيَةً لَأَخْفَى هَذِهِ. اهـ. وَلِذَلِكَ خَالَفَ النَّاظِمُ وَأَصْلُهُ غَيْرَهُمَا فَأَوْرَدَا ذَلِكَ فِي نَوْعِ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِمُطْلَقِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَهُوَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ بِسَبَبِهِ فَلَوْ كَانَتْ الْمَرْغُوبَةُ لَهُ خَلِيَّةً وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا (وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (أَنْ يُجِيبَهْ مَنْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ) إذَا دَعَاهُ وَهُوَ فِيهَا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَادَى أَبَا سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى فَلَمْ يُجِبْهُ لِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ لَهُ مَا مَنَعَك أَنْ تَسْتَجِيبَ وَقَدْ سَمِعْتَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤] » وَأَوْرَدَ النَّاظِمُ وَأَصْلُهُ هَذَا فِي نَوْعِ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِمَا مَرَّ آنِفًا.
وَغَيْرُهُمَا أَوْرَدَهُ فِي نَوْعِ الْفَضَائِلِ وَشَمِلَ كَلَامُهُمَا الْإِجَابَةَ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَثُرَ فَتَجِبُ وَلَا تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ (وَ) بِوُجُوبِ (الْمُشَاوَرَهْ) عَلَيْهِ لِذَوِي الْأَحْلَامِ فِي الْأَمْرِ قَالَ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ (وَرَفْعِهِ الْمُنْكَرَ وَالْمُصَابَرَهْ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ) أَيْ وَخُصَّ بِوُجُوبِ تَغْيِيرِهِ الْمُنْكَرَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَظُنَّ أَنَّ فَاعِلَهُ يَزِيدُ فِيهِ عِنَادًا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَبِوُجُوبِ مُصَابَرَتِهِ (لِعَدُوٍّ كَثُرَا) بِأَنْ زَادَ عَلَى الضِّعْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِيهِمَا بِعَدَمِ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّهُ مَوْعُودٌ بِالْعِصْمَةِ وَالنَّصْرِ فَقَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ مُتَعَلِّقٌ بِالصُّورَتَيْنِ (كَذَا) خُصَّ
ــ
[حاشية العبادي]
أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ صَرِيحٌ فِي الْفِرَاقِ (قَوْلُهُ: وَهَلْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا بَعْدَ الْفِرَاقِ) إذَا لَمْ يُكْرَهْ تَزَوُّجُهُ شَرْحُ رَوْضٍ (قَوْلُهُ: وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَوْجُهُهُمَا لَا فِي الْأُولَى وَنَعَمْ فِي الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ كُلِّفَ بِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْ بِمَنْعِ خَائِنَةِ الْأَعْيَنِ وَقَوْلُهُ: آحَادُ النَّاسِ إلَخْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْآحَادَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ فَيَثْقُلُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَمْرِ) يَشْمَلُ أَمْرَ الدُّنْيَا وَأَمْرَ الْآخِرَةِ وَأَمَّا ضَابِطُ مَا تَجِبُ الْمُشَاوَرَةُ فِيهِ هَلْ كَانَ مَا لَا وَحْيَ فِيهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ) قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَسُكُوتُهُ أَيْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَبْشِرٍ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا وَقِيلَ إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ الْإِنْكَارُ إلَى أَنْ يُقَالَ دَلِيلُ الْجَوَازِ قَالَ الْمَحَلِّيُّ عَقِبَ
[حاشية الشربيني]
طَلَاقٌ وَهِيَ أَوْلَى لِئَلَّا يُفِيدَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الصَّرَاحَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي كَوْنِهِ طَلَاقًا أَوَّلًا تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَجْهَانِ) أَوْجَهُهُمَا فِي الْأَوَّلِ لَا وَفِي الثَّانِي نَعَمْ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: يَجِبُ طَلَاقُ امْرَأَةٍ مَرْغُوبَةٍ لَهُ) وَإِذَا وَجَبَ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَةُ الْخَلِيَّةِ الَّتِي رَغِبَ فِيهَا بِالْأَوْلَى وَلِذَا فَرَّعَهَا الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي عَلَى هَذِهِ (قَوْلُهُ: بِبَلِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ) هِيَ وُقُوعُهَا فِي نَفْسِهِ حِينَ أَبْصَرَهَا بَعْدَمَا أَنْكَحَهَا زَيْدًا اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيَنِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ خَائِنَةُ الْأَعْيَنِ هِيَ الْإِيمَاءُ بِمَا يَظْهَرُ خِلَافُهُ مِنْ مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ أَوْ قَتْلٍ وَسُمِّيَ خَائِنَةُ الْأَعْيَنِ لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْمُصَنَّفِ وَالشَّارِحِ وَفِي الْكَشَّافِ الْخَائِنَةُ صِفَةٌ لِلنَّظْرَةِ أَوْ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْخِيَانَةِ كَالْعَافِيَةِ بِمَعْنَى الْمُعَافَاةِ وَالْمُرَادُ اسْتِرَاقُ النَّظَرِ. اهـ. لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِخَائِنَةِ الْأَعْيَنِ نَظِيرُهَا وَهُوَ إظْهَارُ خِلَافِ مَا فِي النَّفْسِ إذْ لَمْ يَقَعْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَائِنَةُ الْأَعْيَنِ وَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْهُ أَنَّهُ رَأَى زَيْنَبَ اتِّفَاقًا فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ وَأَظْهَرَ لِزَيْدٍ خِلَافَ مَا فِي نَفْسِهِ اسْتِهْجَانًا لِذِكْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ خَائِنَةِ الْأَعْيَنِ وَيَكُونُ الْمَنْعُ مِنْهَا بِقِيَاسِهَا عَلَى مَا وَقَعَ ثُمَّ رَأَيْت مَا سَيَأْتِي فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ خَائِنَةَ الْأَعْيَنِ اسْمٌ عَامٌّ لِمَا يَقَعُ بِالْأَعْيُنِ وَبِغَيْرِهَا وَأُضِيفَتْ لِلْأَعْيُنِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِهَا.
(قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ) أَيْ لِمَنْعِهِ مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ (قَوْلُهُ: إلَى حِفْظِ الْبَصَرِ) أَيْ مِنْ لَمَحَاتِهِ الِاتِّفَاقِيَّةُ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: مِنْ هَذَا التَّكْلِيفِ أَيْ الْمَنْعِ مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ كُلِّفَ بِهِ) أَيْ بِمَنْعِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ إظْهَارِ خِلَافِ مَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ الَّذِي هُوَ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ فَإِنَّ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى مَا وَقَعَ بِالْأَعْيُنِ تُطْلَقُ عَلَى إظْهَارِ خِلَافِ الْوَاقِع فِي النَّفْسِ كَمَا سَيَأْتِي بِالْهَامِشِ (قَوْلُهُ: الْإِجَابَةُ بِالْفِعْلِ) أَيْ إذَا تَوَقَّفَتْ الْإِجَابَةُ عَلَيْهِ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَظُنَّ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر وَتَغْيِيرُ مُنْكَرٍ رَآهُ وَإِنْ خَافَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فَاعِلَهُ يَزِيدُ فِيهِ عِنَادًا خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْصُلُ لَهُ خَوْفٌ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ الْخَوْفُ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مَثَلًا وَهُوَ لَا يُنَافِي الْعِصْمَةَ وَالنَّصْرَ (قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute