للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ (قَضَاءُ دَيْنِ مَيْتٍ) مُسْلِمٍ (أَعْسَرَا) أَيُّ مُعْسِرٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ» وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَا إذَا اتَّسَعَ الْمَالُ وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَجَزَمَ الْإِمَامُ فِيمَا اسْتَدَانَهُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ لَقِيَ اللَّهَ وَلَا مَظْلَمَةٌ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ ظَلَمَ بِالْمَطْلِ فَفِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَشَرْطُهُ اتِّسَاعُ الْمَالِ وَفَضْلُهُ عَنْ مَصَالِحِ الْأَحْيَاءِ. اهـ. وَيُقَاسُ بِالْمَطْلِ نَحْوُهُ ثُمَّ ثَنَّى بِالْمُحَرَّمَاتِ فَقَالَ (وَحُرْمَةُ) أَيْ وَخُصَّ بِحُرْمَةِ (الصَّدَقَتَيْنِ) عَلَيْهِ (نَفْلِهَا وَفَرْضِهَا) وَلَوْ كَفَّارَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَصِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّهَا تُنَبِّئُ عَنْ ذُلِّ الْآخِذِ وَعِزِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَأُبْدِلَ بِهَا الْفَيْءُ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ الْمُنْبِئُ عَنْ عِزِّ الْآخِذِ وَذُلِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ.

(وَ) بِحُرْمَةِ صَدَقَةٍ (الْفَرْضِ لَا مَا قَبْلَهَا) وَهُوَ صَدَقَةُ النَّفْلِ (عَلَى قَرَابَتَيْهِ) بِمَعْنَى قَرِيبِيهِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ لِمَا مَرَّ آنِفًا (وَ) عَلَى (الْمَوَالِي لَهُمْ) أَيْ لِلنَّبِيِّ وَقَرِيبِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَأَنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِكَوْنِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ بِسَبَبِ انْتِسَابِهِمْ إلَيْهِ عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ أَمَّا صَدَقَةُ النَّفْلِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهُ أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فَثَبَتَ بِهِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَرَابَةِ وَيُقَاسُ بِهَا مَوَالِيهَا وَقَوْلُ النَّظْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ لَا مَا قَبْلَهَا مَفْهُومٌ مِنْ الْفَرْضِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْفَرْضِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِالزَّكَاةِ (وَتَصْوِيتٍ عَلَيْهِ عَالِي) أَيْ وَبِحُرْمَةِ إعْلَاءِ صَوْتِ غَيْرِهِ عَلَى صَوْتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: ٢] الْآيَةَ قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ نِسْوَةً كُنَّ يُكَلِّمْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَبْلَ النَّهْيِ. اهـ.

(وَ) بِحُرْمَةٍ (أَنْ يُنَادَى مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِهْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: ٤] الْآيَةَ (وَ) بِحُرْمَةِ أَنْ يُنَادَى (بِاسْمِهِ) كَيَا مُحَمَّدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: ٦٣] وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ بَلْ يُنَادَى بِوَصْفِهِ كَيَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ آنِفًا: وَعَلَى هَذَا فَلَا يُنَادَى بِكُنْيَتِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ قَائِلُهُ أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ النِّدَاءَ بِالْكُنْيَةِ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ مَمْنُوعٌ إذْ التَّكْنِيَةُ تَعْظِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ حِكْمَةِ تَكْنِيَةِ عَبْدِ الْعُزَّى فِي قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١]

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلِهِ وَقِيلَ إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيه الْإِنْكَارُ بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ اهـ فَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورُ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْقَوْلِ دُونَ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا) رَجَّحَ فِي الرَّوْضِ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَى وَفْقِ مَا يَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى قَرِيبِيهِ) ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقَرَابَةِ لَا مَعْنَى لَهَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَوَالِي لَهُمْ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَيَحْرُمُ عَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَمَوَالِي الْكُلِّ صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى حُرْمَةِ الصَّدَقَاتِ الْعَامَّةِ أَيْضًا عَلَيْهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ وَفِي النَّاشِرِيِّ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ صَدَقَاتُ الْأَعْيَانِ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ الْعَامَّةِ كَالْمَسَاجِدِ وَمِيَاهِ الْآبَارِ وَأَبْدَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا آخَرَ اخْتَارَهُ أَنَّ مَا كَانَ أَمْوَالًا مُتَقَوِّمَةً كَانَتْ مُحَرَّمَةً دُونَ مَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ فَتَخْرُجُ صَلَاتُهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَشُرْبُهُ مَاءَ زَمْزَمَ وَبِئْرِ رُومَةَ (تَنْبِيهٌ)

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يُشَارِكُونَ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ أَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِهِ دُونَهُمْ فَقَالَ بِالْأَوَّلِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَبِالثَّانِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. اهـ. مَا فِي النَّاشِرِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَلَا بَيْنَ مَا كَانَ أَمْوَالًا مُتَقَوِّمَةً وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكِنْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الصَّدَقَاتِ اُسْتُثْنِيَتْ عَلَى هَذَا وَأَنَّهُ صَلَّى فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ فَيَحْتَاجُ لِاسْتِثْنَائِهِ عَلَى هَذَا وَلِتَوْجِيهِ اسْتِثْنَائِهِ وَأَمَّا صَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامُ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَقَدْ يُقَالُ لَا تَرِدُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَهُمَا عَلَى يَدِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ بِهَا مَوَالِيهَا) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَمَوَالِيهِ (قَوْلُهُ: وَتَصْوِيتٌ عَلَيْهِ عَالِي) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ رَفْعَهُ عِنْدَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. فَانْظُرْ لَوْ رَفَعَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يُكْرَهُ أَيْضًا وَكَتَبَ أَيْضًا وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ كَرَاهَةَ الرَّفْعِ عِنْدَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَلْحَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَلَامَهُ الْمَأْثُورَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِكَلَامِهِ فِي حَيَاتِهِ قَالَ فَإِذَا قُرِئَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْرِضُ عَنْهُ كَمَا كَانَ يَجِبُ ذَلِكَ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِهِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةُ وَحْيٌ فَلَهَا حُكْمُ الْقُرْآنِ. اهـ. وَاَلَّذِي يَجِيءُ عَلَى قَوَاعِدِنَا عَدَمُ وُجُوبِ ذَلِكَ فِيهِمَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّأْكِيدَ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: عَلَى صَوْتِهِ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ اعْتِبَارُ صَوْتِهِ الْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ وَهُوَ وَجِيهٌ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِهِ) التَّقْيِيدُ بِإِضَافَةِ الْحُجْرَةِ إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ حُجْرَتُهُ وَحُجْرَةِ غَيْرِهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِاسْمِهِ)

ــ

[حاشية الشربيني]

يَجِبُ عَلَيْهِ إلَخْ) إنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ فَوَجْهُ الْخُصُوصِيَّةِ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ فَبِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَبِحُرْمَةِ أَنْ يُنَادَى بِاسْمِهِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>