مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّكْنِيَةَ؛ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ فَالْأَوْجَهُ جَوَازُ نِدَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكُنْيَتِهِ وَإِنْ كَانَ نِدَاؤُهُ بِوَصْفِهِ أَعْظَمَ وَأَوْرَدَ النَّاظِمُ وَأَصْلُهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِمُطْلَقِ التَّحْرِيمِ وَإِلَّا فَهِيَ إنَّمَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ إكْرَامًا لَهُ وَلِهَذَا أَوْرَدَهَا غَيْرُهُمَا فِي نَوْعِ الْفَضَائِلِ وَمِثْلُ هَذَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَاَلَّتِي دَخَلَ لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: وَأَنْ يُكْنَى أَبَا الْقَاسِمِ (وَ) بِحُرْمَةِ (نَزْعِهِ لِلَأْمَتِهْ) أَيْ دِرْعِهِ (إلَى الْمُلَاقَاةِ) مِنْهُ لِلْعَدُوِّ وَمُقَاتَلَتِهِ لَهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِخَبَرِ «لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَامَّتَهُ فَيَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ» عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَسْنَدَهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاللَّامَّةُ تُجْمَعُ عَلَى لَامٍ كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ وَعَلَى لُؤَمٍ كَنُغَرٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَأَنَّهُ جَمْعُ لُؤَمَةٍ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
(وَ) بِحُرْمَةٍ (بَذْلِ الْمِنَنِ) أَيْ إعْطَائِهِ الْعَطَايَا (مُسْتَكْثِرًا) قَالَ تَعَالَى {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] أَيْ لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْهُ (وَ) بِحُرْمَةِ (خَائِنَاتِ الْأَعْيَنِ) لِخَبَرِ «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيَنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهِيَ الْإِيمَاءُ إلَى مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ ضَرَبَ أَوْ قَتَلَ عَلَى خِلَافِ مَا يَظْهَرُ زَادَ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ أُبِيحَ لَهُ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَيْ لِحَرْبٍ أَنْ يُورِي بِغَيْرِهِ وَسُمِّيَ خَائِنَةَ الْأَعْيَنِ لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ (وَ) بِحُرْمَةِ (حَبْسِ مَنْ تَقْلَاهُ) أَيْ إمْسَاكِهِ مَنْ تَكْرَهُهُ فِي نِكَاحِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَخْيِيرِهِ نِسَاءَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ كَغَيْرِهِ بِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (لِلْعَائِذَةِ) أَيْ لِخَبَرِ الْعَائِذَةِ (بِاَللَّهِ مِنْهُ) بِقَوْلِهَا أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك وَهُوَ «قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمَعَاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَ) بِحُرْمَةِ (نِكَاحِ الْأَمَةِ) عَلَيْهِ وَلَوْ مُسْلِمَةً؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُعْتَبَرٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَبِفِقْدَانِ مَهْرِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحُهُ غَنِيٌّ عَنْ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً (وَ) بِحُرْمَةِ نِكَاحِهِ (لِلْكِتَابِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ.
وَفِي الْخَبَرِ «سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا أُزَوَّجَ إلَّا مَنْ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ فَأَعْطَانِي» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَخَرَجَ بِالنِّكَاحِ التَّسَرِّي وَلَوْ بِالْكِتَابِيَّةِ فَيَجُوزُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَ) بِحُرْمَةِ (الَّتِي دَخَلْ) بِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ (لِغَيْرِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥٣] الْآيَةَ وَقَالَ {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] وَقِيسَ بِزَوْجَتِهِ أَمَتُهُ وَمَا قَرَّرْتُهُ فِيهَا هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ وَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا أُمٍّ لِلْمُؤْمِنِينَ لَكِنْ الْمَنْعُ أَقْوَى مَعْنًى وَخَرَجَ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَتَهُ لَمْ تَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ حَرُمَتْ إنْ مَاتَ عَنْهَا وَإِنْ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ فَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَ عَدَمِ تَحْرِيمِهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَكِنَّهُ حَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ تَحْرِيمَهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ هَذَا إذَا لَمْ تَخْتَرْ الْمُخَيَّرَةُ فِرَاقَهُ فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
نَعَمْ تَكَرَّرَ نِدَاءُ جِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَهُ بِيَا مُحَمَّدُ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحُرْمَةَ خَاصَّةٌ بِالْبَشَرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِلْمَلَائِكَةِ حَجَرٌ وَقَوْلُهُ: خَاصَّةً بِالْبَشَرِ يَنْبَغِي وَالْجِنُّ (قَوْلُهُ: وَنَزْعِهِ لَلَامَّتِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إيجَابُ الذَّهَابِ إذَا تَوَجَّهَ لِلْعَدُوِّ لَا خُصُوصُ اللَّامَّةِ (قَوْلُهُ: خَائِنَةِ الْأَعْيَنِ) كَانَ الْإِضَافَةُ لِلْأَعْيُنِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِهَا (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهَا أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ رُوِيَ أَنَّ نِسَاءً لَقَّنَّهَا أَنْ تَقُولَ لَهُ ذَلِكَ وَقُلْنَ لَهَا إنَّهُ كَلَامٌ يُعْجِبُهُ. اهـ. فَإِنْ قُلْت كَيْفَ وَقَعْنَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِيهِ إضْرَارًا لَهَا وَكَذِبَا عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُلْت لَعَلَّهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُنَّ أَدَّاهُنَّ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْغِيرَةِ عَنْهُنَّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ خَبَرُ الْعَائِذَةِ (قَوْلُهُ: فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ) أَيْ بِطَرِيقِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ النِّكَاحُ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَى غَيْرِهِ) (تَنْبِيهٌ آخَرُ)
تَحْرِيمُ أَزْوَاجِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ خَاصٌّ بِهِ دُونَ سَائِرٍ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تَحْرُمُ أَزْوَاجُ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عَلَيْهِمْ قَالَهُ الْقُضَاعِيُّ فِي عُيُونِ الْمَعَارِفِ كَذَا فِي النَّاشِرِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ إفْصَاحٌ بِحُكْمِ مُفَارَقَتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَيْ يُقَالُ لَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يُقَالُ لِبَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا لِآبَائِهِنَّ وَأُمَّهَاتُهُنَّ أَجْدَادُ الْمُؤْمِنِينَ وَجَدَّاتُهُمْ وَلَا لِإِخْوَتِهِنَّ وَأَخَوَاتِهِنَّ أَخْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَاتُهُمْ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ التَّعَرُّضُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
[حاشية الشربيني]
مَوْتِهِ ع ش (قَوْلُهُ: وَبِحُرْمَةِ نَزْعِهِ لِلَأْمَتِهِ) بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ نَزْعَهَا يُنْبِئُ عَنْ الْجُبْنِ النَّاشِئِ عَنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ الْمُنَافِي لِمَقَامِ النُّبُوَّةِ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: أَيْ دِرْعُهُ) فَسَّرَهَا حَجَرٌ وَغَيْرُهُ بِالسِّلَاحِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا تُعْطِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِهِ جَائِزٌ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا أَيْ لَا تُعْطِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] أَيْ تَطْلُبُ الْكَثْرَةَ بِالطَّمَعِ فِي الْعِوَضِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ خِلَافًا لِلْحَاوِي كَالْعَزِيزِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى لَا تُعْطِ شَيْئًا طَالِبًا أَكْثَرَ مِنْهُ إذْ الْأَوَّلُ هُوَ اللَّائِقُ بِمَقَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقْلُ الْبَغَوِيّ الثَّانِيَ عَنْ الْأَكْثَرِ مُعَارِضٌ بِنَقْلِ غَيْرِهِ الْأَوَّلَ مِنْهُمْ. اهـ. وَمِثْلُهُ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: فِي نِكَاحِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ حَبْسُ مَنْ كَرِهَتْهُ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَتْ أَمَةً م ر (قَوْلُهُ: الْحَقِي) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ شَرْقَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ) هُوَ الْأَصَحُّ رَوْضٌ (قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute