صَدَقَهْ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْوَارِثُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً» .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا بَلْ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُهُ فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ وَزَادَ قَوْلَهُ (تَخْفِيفًا أَوْ كَرَامَةً مُحَقَّقَهْ) تَنْبِيهًا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ التَّخْفِيفَاتِ كَمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَوْ مِنْ نَوْعِ الْكَرَامَاتِ كَمَا قَالَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ (وَ) بِإِبَاحَةِ (أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا) لِنَفْسِهِ وَفَرْعِهِ (وَ) أَنْ يَكُونَ (قَابِلَهْ) أَيْ الشَّاهِدُ لَهُ وَلِفَرْعِهِ (وَ) أَنْ يَكُونَ (حَاكِمًا) لَهُمَا وَأَنْ يَحْكُمَ وَيُفْتِيَ حَالَ غَضَبِهِ بِغَيْرِ كُرْهٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَشْهَدُ وَيُقْبَلُ وَيَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ فَقَوْلُهُ: (لِفَرْعِهِ الزَّاكِي وَلَهْ) أَيْ وَلِنَفْسِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ.
وَوَصْفُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ الْفَرْعَ بِالزَّاكِي لِمُجَرَّدِ الْمَدْحِ (وَبِالْحِمَى) أَيْ وَبِإِبَاحَةِ الْحِمَى (لِنَفْسِهِ) وَإِنْ لَمْ يَحْمِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا يَحْمِي لِنَحْوِ نَعَمِ الصَّدَقَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَ) بِإِبَاحَةِ أَنْ (يَأْخُذَا طَعَامَ ذِي الْحَاجَةِ) مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ (وَلْيَبْذُلَهُ) لَهُ وُجُوبًا (ذَا) أَيْ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ وَيَفْدِيَ بِمُهْجَتِهِ مُهْجَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِثْلُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَوْ قَصَدَهُ ظَالِمٌ فَعَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ دُونَهُ (وَأَنَّهُ مِمَّنْ يَشَا وَمِنْهُ زَوَّجَ مَنْ شَاءَ) أَيْ إبَاحَةُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ مَنْ شَاءَ مِنْ النِّسَاءِ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ نَفْسِهِ (وَلَمْ يَأْذَنْهُ) أَيْ وَالْحَالَةُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (وَبِالنِّكَاحِ هِبَةً) أَيْ وَبِإِبَاحَةِ نِكَاحِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: ٥٠] الْآيَةَ أَمَّا مِنْ جِهَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزَوُّجِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: ٥٠] وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَحِلُّ لَهُ بِتَزْوِيجِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ كَمَا فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ زَيْدٍ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧] (وَ) بِإِبَاحَةِ (إنْ نَكَحْ مَا فَوْقَ أَرْبَعٍ) إلَى تِسْعٍ اتِّفَاقًا وَقَدْ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ (وَ) مَا فَوْقَ (تِسْعٍ فِي الْأَصَحْ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونُ الْجَوْرِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْمَزِيدُ عَلَى الْحَاوِي أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ مَا فَوْقَ تِسْعٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِنَّ فَفِي ذِكْرِ مَا فَوْقَ التِّسْعِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ انْتِهَاءِ الزِّيَادَةِ إلَيْهِنَّ إذْ لَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَاحْتَمَلَ كَلَامُهُ الِانْتِهَاءَ إلَيْهِنَّ أَخْذًا بِالْمُقَابِلِ الضَّعِيفِ.
(وَ) بِإِبَاحَةِ أَنْ يَنْكِحَ (دُونَ مَهْرٍ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْهِبَةِ فَلَا يَجِبُ مَهْرٌ ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً (وَ) دُونَ (شُهُودٍ وَوَلِيّ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّهُودِ لَا مِنْ الْجُحُودِ وَهُوَ مَأْمُونٌ مِنْهُ وَالْمَرْأَةُ لَوْ جَحَدَتْ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا بَلْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ تَكْفُرُ بِتَكْذِيبِهِ وَاعْتِبَارُ الْوَلِيِّ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْكَفَاءَةِ وَهُوَ فَوْقَ الْأَكْفَاءِ (وَ) بِإِبَاحَةِ أَنْ يَنْكِحَ (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّحَلُّلِ) مِنْ الْإِحْرَامِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَلَامُ النَّقَلَةِ بِتَرْجِيحِهِ أَشْبَهُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» لَكِنْ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ حَلَالًا كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرَفٍ» وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَدْ رَدَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى (قُلْت وَ) بِإِبَاحَةِ (أَنْ يَدْخُلَ مَكَّة) بِالصَّرْفِ لِلْوَزْنِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: تَخْفِيفًا) أَيْ خَفَّفَ عَنْهُ بِأَنْ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ صَدَقَةً بِرّ (قَوْلُهُ: لِمُجَرَّدِ الْمَدْحِ) إذْ لَا يَكُونُ إلَّا رَاكِبًا (قَوْلُهُ: مِنْ النِّسَاءِ) حَاوَلَ الْجَوْجَرِيُّ التَّعْمِيمَ بِرّ (قَوْلُهُ: تَحِلُّ لَهُ بِتَزْوِيجِ اللَّهِ تَعَالَى) فَقَوْلُهُ: السَّابِقُ أَمَّا مِنْ جِهَتِهِ إلَخْ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ تَزْوِيجُ اللَّهِ
[حاشية الشربيني]
الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ وَخُصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَبِوُجُوبِ تَصَدُّقٍ بِإِرْثِهِ. اهـ. وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْكَرَامَاتِ وَالشَّارِحُ جَرَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ التَّخْفِيفَاتِ أَيْ خَفَّفَ عَنْهُ بِأَنْ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ صَدَقَةً كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حِلِّ الْمَتْنِ وَبِإِبَاحَةِ جَعْلِ الْمِيرَاثِ إلَخْ لَكِنْ هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَخْفِيفًا أَوْ كَرَامَةً فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَبْقَى الْمَتْنُ عَلَى إجْمَالِهِ بِأَنْ يَتْرُكَ لَفْظَ الْإِبَاحَةِ حَتَّى يَكُونَ مُحْتَمَلًا لِلْأَمْرَيْنِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ نَوْعِ الْكَرَامَاتِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ اسْتَمَرَّ لَهُ ثَوَابُهُ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ قَابِلُهُ) أَيْ الشَّاهِدُ كَمَا «قَبِلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ لِنَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» شَرْحُ الرَّوْضِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ لَهُ وَلَوْ وَاحِدًا بِلَا تَزْكِيَةٍ وَلَا يَحْتَاجُ لِآخَرَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: ذِي الْحَاجَةِ) وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: مَأْمُونُ الْجَوْرِ) فَكَانَ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ كَالشِّرَاءِ فِي حَقِّنَا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ وَلَا إذْنٌ وَلَا شَيْءٌ مِمَّا يَأْتِي. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ) أَيْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute