لَكِنَّ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْلُ نِكَاحًا عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْخُصُومَةِ نَعَمْ لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ لَا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُهُ عَلَى الْجَدِيدِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَقَدْ يَجِبُ ذِكْرُهُ فِيهِ لِعَارِضٍ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ أَوْ كَانَتْ جَائِزَتَهُ وَأَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَلَمْ تُفَوِّضْ أَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الزَّوْجَةِ وَيُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَوْجَاتِهِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا صَدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ فَكَانَ مِنْ النَّجَاشِيِّ إكْرَامًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بَلْ) انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيِّةٌ (لِلْعِرْسِ) أَيْ الزَّوْجَةِ (بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ) أَيْ: مَعَ عَقْلِهَا وَبُلُوغِهَا (حَبْسُ النَّفْسِ) أَيْ: نَفْسِهَا.
(وَلِوَلِيِّ غَيْرِهَا) وَهِيَ الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ (الْحَبْسُ) أَيْضًا (إلَى تَسْلِيمِهِ) أَيْ: الصَّدَاقِ لِلْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةَ الرَّشِيدَةَ وَلِوَلِيِّ غَيْرِهَا (إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَجَّلَا) بِأَنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا حَالًّا كَمَا فِي الْبَائِعِ سَوَاءٌ أَخَّرَ الزَّوْجُ تَسْلِيمَهُ لِعُذْرٍ أَمْ لَا وَالْحَبْسُ فِي الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا أَوْ لِوَلِيِّهِ فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا حَبْسَ وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِوُجُوبِ تَسْلِيمِهَا قَبْلَ الْحُلُولِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالتَّأْجِيلِ وَوَقَعَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَصْحِيحُ الْحَبْسِ فِيمَا إذَا حَلَّ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَبْسِ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَحَبْسُهَا لِلْمَهْرِ لَيْسَ لِأَحَدٍ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: وَلِوَلِيِّ غَيْرِهَا الْحَبْسُ أَنَّ لَهُ تَسْلِيمَهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً وَفِيمَا لَوْ سَلَّمَتْ الْمَحْجُورَ عَلَيْهَا بِالسَّفَهِ نَفْسَهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامٌ يَأْتِي
(وَفِي النِّزَاعِ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِيمَنْ يَبْدَأُ مِنْهُمَا بِالتَّسْلِيمِ يُجْبَرَانِ لِيُوَفَّى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا لِلْآخَرِ بِأَنْ يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِوَضْعِ الصَّدَاقِ عِنْدَ أَمِينٍ ثُمَّ تُؤْمَرُ الزَّوْجَةُ بِالتَّمْكِينِ فَإِذَا مُكِّنَتْ سَلَّمَهُ الْأَمِينُ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (فَلَدَى أَمِينِ) أَيْ: فَعِنْدَ عَدْلٍ (يُوضَعُ) الصَّدَاقُ (فَالتَّسْلِيمُ) أَيْ: ثُمَّ تَسْلِيمُ الْأَمِينِ الصَّدَاقَ يَجِبُ (بِالتَّمْكِينِ) أَيْ: بِسَبَبِ تَمْكِينِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا الزَّوْجُ قَالَ الْإِمَامُ: فَلَوْ هَمَّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَتْ الصَّدَاقَ فَامْتَنَعَتْ فَالْوَجْهُ اسْتِرْدَادُهُ وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَضَعَهُ عِنْدَ أَمِينٍ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَائِبَهَا فَالْمُجْبَرُ الزَّوْجُ، وَإِلَّا فَالزَّوْجَةُ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ نَائِبُهَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجِيلِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْحَاكِمُ الدَّيْنَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ يَمْلِكُهُ الْغَرِيمُ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَمَعَ كَوْنِهِ نَائِبَهَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَسْلِيمِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَبْلَ تَمْكِينِهَا بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِإِجْبَارِ الزَّوْجِ، فَإِنَّا إذَا أَجْبَرْنَاهُ أَطْلَقْنَا تَصَرُّفَهَا فِي الْمَأْخُوذِ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُهُمَا، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَآخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَلَا مَحْذُورَ فِي إجْبَارِهَا لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِعَدَمِ إجْبَارِهَا.
(وَمَنْ
ــ
[حاشية العبادي]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجِبُ ذِكْرُهُ فِيهِ لِعَارِضٍ) وَمَعَ وُجُوبِهِ لِلْعَارِضِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِتَرْكِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَسَائِلِ الْمُخَالَفَةِ الْآتِيَةِ (وَقَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ) ، أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِ جَائِزَةٍ شَرْحٌ رَوْضٌ.
(قَوْلُهُ: كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا) قُبَيْلَ وَلْتُمْهَلْ
(قَوْلُهُ: يُجْبَرَانِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إجْبَارِهِمَا بَيْنَ كَوْنِ الصَّدَاقِ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ مِنْ الْبَيْعِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ قَوْلٌ بِإِجْبَارِهَا وَحْدَهَا، إذَا كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا نَظِيرَ الْقَوْلِ بِإِجْبَارِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا بِأَنَّ مِنْ لَازِمِ إجْبَارِهَا أَوَّلًا تَلَفَ بُضْعِهَا، وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ إذْ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ تَدَارُكُهُ مُطْلَقًا وَإِذَا لَمْ يُجْبَرْ مَعَ أَنَّ الْعِوَضَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَيَّنٌ نَاسَبَ عَدَمَ إجْبَارِهِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ جَانِبِهِ مُعَيَّنًا، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يُوضَعُ الصَّدَاقُ عِنْدَ أَمِينٍ) هَذَا لَا يَأْتِي إذَا كَانَ الصَّدَاقُ نَحْوُ تَعْلِيمٍ فَهَلْ يُعْرَضُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ بَحَثَ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: فَلِذِي أَمِينٍ) لَعَلَّهُ جَوَابُ أَمَّا مُقَدَّرَةٍ أَيْ: وَأَمَّا فِي النِّزَاعِ فَلِذِي أَمِينٍ، كَمَا قِيلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي نَحْوِ {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: ٣] (قَوْلُهُ: وَاسْتَشْهَدَ لَهُ إلَخْ) كَانَ وَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ مِلْكَ الْغَرِيمِ وَبَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ يَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْإِقْبَاضِ الصَّحِيحِ مِنْ جِهَةِ الْمَأْخُيذِ مِنْهُ، فَلَوْلَا أَنَّ الْحَاكِمَ نَابَ عَنْهُمَا فِي الْإِقْبَاضِ، وَالْقَبْضِ مَا حَصَلَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْعِلَّةِ) أَيْ: خَوْفِ الْفَوْتِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا) أَيْ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ لَا كَمَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ التَّأْجِيلِ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَيَفْسُدُ وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ حَالًّا. اهـ. ع ش عَلَى م ر، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا قَبِلَ مُؤَجَّلًا فَقَطْ رَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا حَبْسَ) مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ تَعْلِيمُ نَحْوِ قُرْآنٍ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا بِالتَّعْلِيمِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فِي الْعَادَةِ كَالتَّأْجِيلِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ م ر، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ انْتِهَاءَ الْأَجَلِ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَهُ وَزَمَنُ التَّعْلِيمِ لَا غَايَةَ لَهُ فَلَوْ مَكَّنَتْهُ لَرُبَّمَا تَسَاهَلَ فِيهِ فَتَطُولُ مُدَّتُهُ، أَوْ يَفُوتُ مِنْ أَصْلِهِ فَالْمُخَلَّصُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْبُدَاءَةِ أَنْ يَفْسَخَ الصَّدَاقَ وَيَرْجِعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ فَيُسَلِّمُ لِعَدْلٍ وَتُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، وَنُقِلَ هَذَا أَيْضًا عَنْ م ر وَاعْتَمَدَهُ ع ش.
(قَوْلُهُ: نَائِبُهَا) قَالَ فِي الْعُبَابِ: فَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِهَا فَانْظُرْ حُكْمَ الضَّمَانِ عَلَى كَوْنِهِ نَائِبَهُمَا سم عَلَى الْمَنْهَجِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ، كَمَا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ. اهـ. ر م وَحَجَرٌ. (قَوْلُهُ: وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ لَا شَاهِدَ فِيهِ لِذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيمَا قَالُوهُ بِقَبْضِ الْحَاكِمِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا إذْ لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ قَبْضِ الْعَدْلِ، أَوْ الْحَاكِمِ اسْتَرَدَّهُ الزَّوْجُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ نَابَ فِي الْإِقْبَاضِ، وَالْقَبْضِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ لَا عَنْهُمَا وَلَا عَنْ