بِفَتْحِ الْجِيمِ - مَعَ وَعْظِهَا؛ لِأَنَّ فِي الْهَجْرِ أَثَرًا ظَاهِرًا فِي تَأْدِيبِ النِّسَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَحْرِيمُ ضَرْبِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَأَكَّدْ، وَقَدْ يَكُونُ مَا اتَّفَقَ لِعَارِضٍ قَرِيبِ الزَّوَالِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ جَوَازَهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا تَحْرِيمُ هَجْرِ كَلَامِهَا مُطْلَقًا وَالصَّوَابُ فِي الرَّوْضَةِ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَوَازُهُ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَهَذَا فِي الْهَجْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَبِدْعَةِ الْمَهْجُورِ، أَوْ فِسْقِهِ، أَوْ صَلَاحِ دِينِ أَحَدِهِمَا بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ «هَجْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ مُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ» وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ هَجْرِ السَّلَفِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. اهـ.
وَحَمَلَ الْأَذْرَعِيُّ التَّحْرِيمَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِهَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحِ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ إذْ النُّشُوزُ حِينَئِذٍ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا حُجَّةَ لِلنَّوَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مُدَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْهَجْرِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَدِّيَ وَالنُّشُوزَ مِمَّا يُسَلِّطُ عَلَى الضَّرْبِ، وَالسُّكُوتُ أَهْوَنُ مِنْهُ (وَإِنْ تُكَرِّرْ) نُشُوزُهَا (أَوْ دَرَى أَنْ) أَيْ: أَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّ مُجَرَّدَ وَعْظِهَا وَهَجْرِهَا (لَا يُفِيدُ جَازَ) لَهُ مَعَ ذَلِكَ (ضَرْبٌ) لَهَا لِلْآيَةِ فَمَنْ جَوَّزَ الضَّرْبَ فِي حَالَةِ عَدَمِ تَكَرُّرِ النُّشُوزِ قَالَ: التَّقْدِيرُ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] ، فَإِنْ نَشَزَتْ {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] وَمَنْ مَنَعَهُ فِيهَا قَالَ: التَّقْدِيرُ وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ، فَإِنْ نَشَزَتْ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، فَإِنْ أَصْرَرْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ضَرْبُهَا (إنْ نَجُعْ) أَيْ: أَفَادَ فِي ظَنِّهِ حَالَةَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مَخُوفٍ) مِنْهُ تَلَفٌ، أَوْ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (مَعْ ضَمَانِ مَا وَقَعْ) مِنْهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ إتْلَافٌ لَا إصْلَاحٌ وَالْأَوْلَى لَهُ تَرْكُ الضَّرْبِ.
وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى الضَّرْبِ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ لَا عَلَى النُّسَخِ إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ ضَرْبَهُ لِلتَّأْدِيبِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلصَّبِيِّ وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتُهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْجَعْ الضَّرْبُ، أَوْ خِيفَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ فَحَرَامٌ، كَمَا فِي التَّعْزِيرِ (وَإِنْ تَعَدَّى) عَلَيْهَا الزَّوْجُ بِمَنْعِ حَقِّهَا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ، أَوْ بِضَرْبٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ نَهَاهُ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ وَأَمَرَ مَنْ يُرَاقِبُهُمَا، ثُمَّ إنْ ظَنَّ مِنْهُ تَعْدِيَةً، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحِلَّ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَحَقَّقَهُ مِنْهُ، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَخَافَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا لِكَوْنِهِ جَسُورًا (فَلْيَحُلْ بَيْنَهُمَا) حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ عَدْلٌ إذْ لَوْ لَمْ يُحِلْ بَيْنَهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّعْزِيرِ لَرُبَّمَا بَلَغَ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا يُسْتَدْرَكُ هَكَذَا فَصَلَ الْإِمَامُ فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيْلُولَةَ أَرَادَ الْحَالَ الْأَوَّلَ وَمَنْ ذَكَرَهَا كَالْغَزَالِيِّ وَالنَّاظِمِ وَأَصْلِهِ وَالنَّوَوِيِّ فِي تَنْقِيحِهِ أَرَادَ الثَّانِيَ وَإِنْ أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا.
(وَالْحَالُ إنْ تُشْكِلْ) بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ وَأَشْكَلَ الْحَالُ عَلَى الْقَاضِي تَعْرِفُهُ مِنْ جَارٍ ثِقَةٍ خَبِيرٍ بِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَسْكَنَهُمَا بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُهُ وَيَعْلَمُهُ بِهِ لِيَمْنَعَ الظَّالِمَ مِنْ ظُلْمِهِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ (فَمِنْ أَهْلِهِمَا يَبْعَثُ قَاضٍ حَكَمَيْنِ) لِلْآيَةِ لِيَنْظُرَا فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حُكْمِهِ بِهِ وَحُكْمِهَا بِهَا وَمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا، أَوْ يُفَرِّقَا إنْ عَسِرَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ إلَخْ) وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ سَبَبَ الضَّرْبِ النُّشُوزُ وَأَنْكَرَتْ صَدَقَ، كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا عَلَيْهَا أَيْ: بِيَمِينِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَصْدُقُ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا وَحَقِّ قَسْمِهَا، فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ فَلَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُمُورُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْهَجْرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ) كَلَامُ النَّوَوِيِّ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَهَذَا فِي الْهَجْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ إلَخْ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ حَمْلَ الْأَذْرَعِيِّ الْمَذْكُورَ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ سم. (قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: الْأَوْلَى تَرْكُ الضَّرْبِ. (قَوْلُهُ: إذْ لَوْ لَمْ يَحِلَّ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّعْزِيرِ إلَخْ) مِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ " ثُمَّ " فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ، ثُمَّ إنْ ظَنَّ إلَخْ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ فِي الذِّكْرِ وَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ مَدْخُولِهَا تَفْصِيلُ مَا قَبْلَهُ بِرّ. (قَوْلُهُ: فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيْلُولَةَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ، وَالْإِسْكَانِ. .
(قَوْلُهُ: تَعْرِفُهُ مِنْ جَارٍ ثِقَةٍ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: ظَاهِرُ هَذَا الِاكْتِفَاءِ بِخَبَرِ ثِقَةٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ قَالَ الْجَوْجَرِيُّ: الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ لِيُرَتِّبَ الْقَاضِي عَلَيْهِ النَّظَرَ فِي حَالِهِمَا، وَلِهَذَا قَالُوا فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الظَّالِمُ مَنَعَهُ، أَمَّا إنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يَسْتَنِدَ إلَى قَوْلِهِ فَمُشْكِلٌ بِرّ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: أَوْ دَرَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ تَكَرَّرَ جَازَ لَهُ الضَّرْبُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ، بَلْ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ وَاعْتَمَدَ زي وَحَجَرٌ وَالْخَطِيبُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا لَمْ تُفِدْ الْأُولَى، وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ النُّشُوزُ جَازَ لَهُ الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظُنَّ أَنَّ مَا عَدَا الضَّرْبَ يُصْلِحُهَا، كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَمُجَلِّي خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَفَادَ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ يُفِيدُ فَلْيُرَاجِعْ وَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: تَعْرِفُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَرْتَبَتَيْنِ أَسْقَطَهُمَا الْمُصَنِّفُ إذْ لَا يَبْعَثُ الْحَكَمَيْنِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا رَشِيدَانِ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى رُشْدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُقَابِلِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُمَا مُوَلَّيَانِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ الشَّامِلِ لِلرَّشِيدَيْنِ، وَإِلَّا فَالزَّوْجُ وَلَوْ سَفِيهًا لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ فِي الْخُلْعِ وَلِذَا قَالَ الْخَطِيبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ: وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِلَايَةِ إلَّا فِي الْمُوَلِّي وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute