للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(شُرْبَ الْخَمْرِ) كَمَا يُبَاحُ لِمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَنْ يَسِيغَهَا بِخَمْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، (وَ) يُبِيحُ (الْفِطْرَ) مِنْ صَوْمٍ وَاجِبٍ وَالْخُرُوجَ مِنْ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ (لَا زِنًا وَقَتْلًا) مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ، فَلَا يُبِيحُهُمَا لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْقَذْفَ أَيْضًا، وَالْأَصَحُّ تَصَوُّرُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا، إذْ الِانْتِشَارُ الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّهْوَةِ لَيْسَ شَرْطًا لِلزِّنَا، بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْإِيلَاجِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُنَافِيهِ.

(وَحُتِمْ) أَيْ وَوَجَبَ عَلَيْهِ بِالْإِكْرَاهِ (إتْلَافُهُ الْمَالَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَمُكْرِهٌ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (غَرِمْ) ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ إذَا أُكْرِهَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ، فَإِنْ أُكْرِهَ بِاسْتِخْفَافٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْلَافُ، بَلْ يُبَاحُ وَلِلْمَالِكِ فِي الْأَخِيرَةِ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْ الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَمِثْلُ هَذَا يَجْرِي فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ مُكْرَهًا، وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ دَفْعُ الْمُكْرِهَ بِمَا أَمْكَنَهُمَا، وَسَيَأْتِي فِي الصِّيَالِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ دَفْعُ الْمُكْرِهِ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ. (وَلَوْ بِتَعْلِيقٍ) أَيْ صَحَّ الطَّلَاقُ مِمَّنْ ذُكِرَ، وَلَوْ بِتَعْلِيقِهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ تَعْلِيقُهُ مِنْ الْوَكِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَهُ بِالْوَكَالَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، (وَلَمْ يُبِنْهَا) أَيْ: صَحَّ طَلَاقُ الْمَرْأَةِ وَالْحَالَةُ أَنَّهُ لَمْ يُبِنْهَا، بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً، وَلَوْ رَجْعِيَّةً بِخِلَافِ الْبَائِنِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَفِي الْخَبَرِ: «لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِلَفْظِ: «لَا طَلَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ وَلَا عَتَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

(وَصَحَّ تَعْلِيقُ الرَّقِيقِ الْأَنْهَى) أَيْ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ ثَلَاثٌ عَلَى شَرْطٍ، حَتَّى إذَا وُجِدَ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ، (إنْ كَانَ) ، وَفِي نُسْخَةٍ إنْ صَارَ (قَبْلَ) وُجُودِ (شَرْطِهِ) أَوْ مَعَهُ (عَتِيقَا) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلثَّالِثَةِ حَالَةَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّعْلِيقَ فِي الْجُمْلَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَ الطَّلَاقِ الْمُفِيدَ لِمِلْكِ الثَّلَاثِ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ، وَشُبِّهَ ذَلِكَ بِتَعْلِيقِ السُّنِّيِّ حَالَ الْبِدْعَةِ، (خِلَافَ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَا) ، لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْحَاوِي، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَمْ يُبِنْهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ أَبْدَلَ التَّعْلِيقَ بِالتَّطْلِيقِ كَانَ أَوْلَى.

وَلِلطَّلَاقِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ: فَالصَّرِيحُ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهِ فَقَالَ: (بِقَوْلِهِ) أَيْ: صَحَّ الطَّلَاقُ مِمَّنْ ذُكِرَ بِقَوْلِهِ: (سَرَّحْتُ أَوْ طَلَّقْتُ) أَوْ (فَادَيْتُ أَوْ خَالَعْتُ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، (أَوْ فَارَقْتُ وَ) كَذَا (أَنْتِ طَالِقٌ، كَذَا مُطَلَّقَهْ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّازِمِ، (أَوْ) مَا (صِيغَ) لِلْمَفْعُولِ (مِنْ سَرَّحْتُ) أَوْ نَحْوِهَا كَانَتْ مُسَرَّحَةً (أَوْ مُفَارَقَهْ) ، أَوْ (يَا طَالِقٌ) بِالتَّنْوِينِ أَوْ بِإِشْبَاعِ حَرَكَةِ الْقَافِ لِلْوَزْنِ، لِمَنْ لَيْسَ اسْمُهَا طَالِقًا، لِاشْتِهَارِهَا فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ وَوُرُودِهَا فِي الْقُرْآنِ مَعَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ هَذَا إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَيْضًا: عَدَمُ إبَاحَةِ الضَّرْبِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْقَذْفَ) الْمُعْتَمَدُ إبَاحَةُ الْقَذْفِ م ر (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْلَافُ، بَلْ يُبَاحُ) هَذَا سَهْوٌ قَطْعًا فَفِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجِرَاحِ: وَيُبِيحُ الْإِكْرَاهُ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ قَالَ فِي الْخَادِمِ: فِيهِ أُمُورٌ. الْأَوَّلُ: اقْتَصَرَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْوَسِيطِ: بَلْ يَجِبُ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِمْ اهـ. وَكَذَا فِي شُرُوحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهَا، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا. (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ) الْمُعْتَمَدُ الْوُجُوبُ فِي إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَيْضًا م ر. (قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى) لِظُهُورِ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ وَكَذَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ.

(قَوْلُهُ وَلِلطَّلَاقِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ) .

(فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْعِبْرَةُ فِي صَرَائِحِ الْكُفَّارِ وَكِنَايَاتِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ، لَا بِمَا عِنْدَنَا وَنَازَعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إذَا نَطَقَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ رُفِعَ إلَيْنَا اعْتَبَرْنَاهُ صَرِيحًا، وَبَحَثَ الْجَوْجَرِيُّ مَعَ الْأَذْرَعِيِّ مُرَجِّحًا كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ فَلْيُرَاجَعْ بِرّ. (قَوْلُهُ مَا صِيَغَ) يُفِيدُ أَنَّ الَّذِي يُشْتَقُّ مِنْ خَالَعْت وَفَادَيْت كَمُخَالَعَةٍ وَمُفَادَاةٍ لَا يَكُونُ صَرِيحًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشِّهَابِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَيْ: الْإِرْشَادِ أَنَّ مَا اُشْتُقَّ مِنْ هَذَيْنِ أَيْ خَالَعْت وَفَادَيْت كَمُخَالَعَةٍ وَمُفَادَاةٍ اسْمَا مَفْعُولٍ لَا يَكُونُ صَرِيحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّارِحِ أَيْ الْجَوْجَرِيِّ (قَوْلُهُ وَوُرُودِهَا فِي الْقُرْآنِ)

ــ

[حاشية الشربيني]

الْخَبَرِ لَا يَنْفَعُ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ كَمَا فِي الْبُجَيْرِمِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ (قَوْلُهُ وَيُبِيحُ الْفِطْرَ مِنْ صَوْمٍ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاوِي السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ كَرْهًا مُفْطِرٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْطِرٍ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ هُنَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ) لَعَلَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُحَرَّمِ لِعَارِضِ الِافْتِيَاتِ عَلَى السُّلْطَانِ كَقَتْلِ بَعْضِ الْآحَادِ الْجَانِيَ. (قَوْلُهُ فَلَا يُبِيحُهَا) لَكِنْ لَوْ حَصَلَ الزِّنَا كَرْهًا، وَهُوَ صَائِمٌ لَا يُفْطِرُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي هَامِشِ بَابِ الصَّوْمِ عَنْ ق ل. (قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى) لِظُهُورِ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، لَكِنْ صَحَّحَ ذِكْرَهُ إفَادَةَ وَجْهِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الرَّقِيقِ، وَهُوَ مِلْكُهُ أَصْلَ التَّعْلِيقِ.

(قَوْلُهُ كَمَا فِي بَابِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَادَيْت أَوْ خَالَعْت، وَاَلَّذِي مَرَّ هُنَاكَ أَنَّ الْخُلْعَ وَالْمُفَادَاةَ صَرِيحَانِ إنْ ذَكَرَ الْمَالَ أَوْ نَوَى، وَإِلَّا فَهُمَا كِنَايَتَانِ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ بِهِمَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنَّهُ إنْ أَضْمَرَ الْتِمَاسَ قَبُولِهَا وَقَبِلَتْ، فَإِنْ وَقَعَ بَائِنًا لَمْ تَقْبَلْ فَلَا وُقُوعَ، وَإِنْ لَمْ يُضْمِرْهُ وَقَعَ رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَوْ لَا،. (قَوْلُهُ لِاشْتِهَارِهَا إلَخْ) مَأْخَذُ الصَّرَاحَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وُرُودُ اللَّفْظِ فِي الْكِتَابِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>