طَلِّقْ، وَإِلَّا اقْتَصَصْت مِنْك، وَالْإِكْرَاهُ يَحْصُلُ بِتَخْوِيفٍ (بِمَحْذُورٍ) مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ اسْتِخْفَافٍ، وَتَخْتَلِفُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِهِ مَا قَبْلَهَا وَقِيلَ: يَخْتَلِفُ بِهِ أَخْذُ الْمَالِ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَحُصُولُ الْإِكْرَاهِ بِذَلِكَ هُوَ مَا حُكِيَ عَنْ النَّصِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ كَالْكَبِيرِ: إنَّهُ الْأَرْجَحُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَقِيلَ: إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِكْرَاهِهِ عَلَى فِعْلٍ يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ حَذَرًا مِمَّا هُدِّدَ بِهِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَيْهِ يُنْظَرُ فِيمَا طُلِبَ مِنْهُ وَمَا هُدِّدَ بِهِ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي مَطْلُوبٍ دُونَ آخَرَ وَفِي شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقٍ حَصَلَ بِتَخْوِيفِهِ بِقَطْعِ طَرَفٍ أَوْ حَبْسٍ طَوِيلٍ، وَبِقَتْلِ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ، وَبِتَخْوِيفِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ بِالصَّفْعِ فِي الْمَلَأِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ وَالطَّوْفِ بِهِ فِي السُّوقِ دُونَ إتْلَافِ الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلٍ لَمْ يَحْصُلْ بِتَخْوِيفِهِ بِالْحَبْسِ، وَقَتْلِ الْوَلَدِ أَوْ الْوَالِدِ أَوْ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ حَصَلَ بِتَخْوِيفِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْوَجْهُ صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ: لَكِنْ فِي بَعْضِ تَفْصِيلِهِ نَظَرٌ، وَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِتَخْوِيفٍ بِمَحْذُورٍ آجِلًا كَقَوْلِهِ: طَلِّقْ، وَإِلَّا ضَرَبْتُك غَدًا قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَا بِقَوْلِهِ: طَلِّقْهَا، وَإِلَّا زَنَيْت بِهَا، وَلَوْ أُكْرِهَ الْوَكِيلُ فِي الطَّلَاقِ عَلَيْهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ لِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ طَلِّقْ، وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي أَوْ كَفَرْت، وَلَوْ وَافَقَ الْمُكْرَهُ وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ لِاخْتِيَارِهِ، (كَكُلِّ شَيِّ) مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ لِخَبَرِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا مُكْرَهًا بَطَلَتْ، أَمَّا الْفِعْلِيَّةُ فَيَثْبُتُ أَثَرُهَا مَعَهُ كَالرَّضَاعِ وَالْحَدَثِ وَالتَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ لِلْقَادِرِ فِي الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَالْقَتْلِ، وَقَدْ لَا يَثْبُتُ أَثَرُهَا مَعَهُ كَالْفِعْلِ فِي بَابِ الْيَمِينِ. (لَا السِّلْمِ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ: الْإِسْلَامِ (لِلْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ) فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ بِخِلَافِ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ مُقَرٌّ عَلَى كُفْرِهِ بِالْجِزْيَةِ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ كَالذِّمِّيِّ وَذِكْرُ الْمُرْتَدِّ مَزِيدٌ عَلَى الْحَاوِي، وَهُوَ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى مِنْ الْحَرْبِيِّ، بَلْ هُمَا مَفْهُومَانِ مِنْ ظُلْمًا (إلَّا) إذَا أُكْرِهَ (عَلَى) طَلَاقِ (اثْنَتَيْنِ) أَيْ زَوْجَتَيْنِ أَوْ عَلَى طَلْقَتَيْنِ، وَبِهِمَا عَبَّرَ الْحَاوِي (أَوْ) عَلَى طَلَاقِ (إحْدَاهُمَا) مُبْهَمَةً، (فَفَرْدَةً) أَيْ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. (أَوْ ذَاتَ تَعْيِينٍ) فِي الثَّانِيَةِ فَيَصِحُّ لِظُهُورِ قَصْدِ الِاخْتِيَارِ (كَمَا فِي عَكْسِهِ) بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَةً أَوْ طَلْقَةً فَطَلَّقَ ثِنْتَيْنِ، أَوْ عَلَى طَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ فَطَلَّقَ مُبْهَمَةً، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ حَفْصَةَ فَطَلَّقَهَا مَعَ ضَرَّتِهَا كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِمَامِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَا: وَفَصَّلَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا فَقَالُوا: إنْ قَالَ: طَلَّقْتُكُمَا طَلُقَتَا لِعُدُولِهِ عَنْ كَلِمَةِ الْإِكْرَاهِ، أَوْ طَلَّقْت حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ لَمْ تَطْلُقْ حَفْصَةُ، وَعَلَى نَقْلِ هَذَا اُقْتُصِرَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ الْبَارِزِيُّ فِي تَمْيِيزِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى صَرِيحٍ فَعَدَلَ إلَى صَرِيحٍ آخَرَ أَوْ كِنَايَةٍ صَحَّ طَلَاقُهُ.
(وَكَلِمَاتِ الْكُفْرِ يُبِيحُ الْإِكْرَاهُ) أَيْ وَيُبِيحُ الْإِكْرَاهَ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْقَلْبُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] لَكِنَّ الثَّبَاتَ أَفْضَلُ، وَلَوْ حَذَفَ كَلِمَاتٍ لَشَمِلَ كَلَامُهُ الْفِعْلَ الْمُكَفِّرَ لَكِنَّهُ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى أَوْ بِالْمُسَاوَاةِ. (وَ) يُبِيحُ
ــ
[حاشية العبادي]
كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَأَقُولُ: قَوْلُهُ: فِي الْمِثَالِ نَظَرٌ كَانَ وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ لَا يَسُوغُ لَهُ الْإِكْرَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ سَاغَ لَهُ الِاقْتِصَاصُ، فَأَيْنَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ؟ ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ مِنْ قَتْلٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ بَيَانَ الْمَحْذُورِ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّلَاقِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ أَخْذُ الْمَالِ) قِيَاسُهُ وَإِتْلَافُهُ (قَوْلُهُ فِي بَعْضِ تَفْصِيلِهِ نَظَرٌ) قَالَ الْجَوْجَرِيُّ لَعَلَّ مِنْهُ إطْلَاقَ كَوْنِ إتْلَافِ الْمَالِ، لَا يَكُونُ إكْرَاهًا عَلَى الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَثِيرًا وَزَمَنَ شِدَّةٍ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لِلشَّخْصِ بِالزَّوْجَةِ كَبِيرُ تَعَلُّقٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ، وَلِذَا جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الطَّلَاقِ يَحْصُلُ بِالتَّخْوِيفِ بِإِتْلَافِهِ مَعَ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِرّ. (قَوْلُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ إلَخْ) يُشْكِلُ. (قَوْلُهُ وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ: وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ وَلَدًا (قَوْلُهُ وَفَصَّلَ الْبَغَوِيّ إلَخْ) يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَوْ طَلَّقْت حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ) اُنْظُرْ لَوْ عَكَسَ فَبَدَأَ بِغَيْرِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا كَأَنْ قَالَ فِي الْمِثَالِ: طَلَّقْت عَمْرَةَ وَحَفْصَةَ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشِّهَابِ مَا نَصُّهُ: وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ: أَنَّ كُلَّ إيذَاءٍ لِلْغَيْرِ كَشَتْمٍ وَضَرْبٍ لَا يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ، لَكِنْ بَحَثَ الشَّارِحُ يَعْنِي الْجَوْجَرِيَّ خِلَافَهُ فِي الشَّتْمِ اهـ.
[حاشية الشربيني]
فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ بِهَا بِخِلَافِ الصَّرَائِحِ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لَا يَحْصُلُ إلَخْ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ إلَى الْغَدِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ (قَوْلُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ إلَخْ) خَالَفَهُ م ر. (قَوْلُهُ وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ نَحْوُ أَصْلٍ وَفَرْعٍ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ فَقَطْ م ر. (قَوْلُهُ وَنَوَى) أَيْ: لِأَنَّ الصَّرِيحَ فِي حَقِّهِ كِنَايَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَالتَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ) بِأَنْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ فَتَحَوَّلَ، أَمَّا لَوْ حَوَّلَهُ غَيْرُهُ كَرْهًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ، فَفِي ظَنِّي أَنَّ ق ل قَالَ: إنَّهُ لَا يَضُرُّ فَرَاجِعْهُ مِنْ بَابِ التَّوَجُّهِ. (قَوْلُهُ أَوْ طَلَّقْت حَفْصَةَ) لَوْ قَالَ: حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ طَلَقَتْ عَمْرَةُ أَيْضًا وَلَا يُشْكِلُ بِعَدَمِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ، لَوْ قَالَ: نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْت يَا زَوْجَتِي؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ تَطْلُقْ هُنَا مَحَلٌّ لِطَلَاقِ الزَّوْجِ حَالَةَ إيقَاعِهِ، بِخِلَافِ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَمَحَلُّ عَدَمِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فِي قَوْلِهِ: نِسَاء الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ إلَخْ مَا لَوْ يَنْوِ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ، وَإِلَّا طَلَقَتْ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ: إنَّ تَقْدِيرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute