أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَيْ وَفَهْمُهُ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ قَصْدُ الْإِيقَاعِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ هَذَا الْقَائِلِ فَقَالَ: قَالَ إسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ إذَا نَوَى حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ وَقَصَدَ إيقَاعَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ.
(أَوْ بِالْإِكْرَاهِ قُرِنْ) أَيْ الطَّلَاقُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكْرَهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّوْرِيَةِ لِخَبَرِ «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَصُحِّحَ إسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ أَوْ فَرْطِ هُجُومٍ، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِمْ بِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَظَنُّهُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ حَقَّقَهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ. (ظُلْمًا) الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ، كَأَنْ قَالَ وَلِيُّ الدَّمِ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَمٌ:
ــ
[حاشية العبادي]
رَاضٍ بِالْوُقُوعِ وَيَظُنُّ عَدَمَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى لَكِنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْإِيقَاعِ، وَإِنْ أَبَيْت هَذَا فَرَاجِعْ الْمُهِمَّاتِ، فَفِيهَا مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَقَدْ سَلَفَ قَرِيبًا عَنْ الرَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ بِرّ.
(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ قَصْدُ الْإِيقَاعِ) يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ قَصْدَ الْمَعْنَى مُغَايِرٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَلِقَصْدِ الْإِيقَاعِ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِقَصْدِ الْمَعْنَى اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي مَعْنَاهُ، وَبِقَصْدِ الْإِيقَاعِ قَصْدَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِصِيغَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا؛ لِأَنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ لِإِنْشَاءِ الْإِيقَاعِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ إلَّا صَرْفَهَا إلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِهَا لِغَيْرِهِ، فَحَيْثُ اسْتَعْمَلَهَا فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَأَيُّ حَاجَةٍ مَعَ ذَلِكَ إلَى قَصْدِ الْإِيقَاعِ؟ ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ الصَّرْفُ عَنْ الْإِخْبَارِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الصَّرِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ فَقَالَ قَالَ إسْمَاعِيلُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى ذَلِكَ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ لِيُبَيِّنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبُوشَنْجِيُّ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي عَنْ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِهَارِ بِرّ. (قَوْلُهُ وَقَصَدَ إيقَاعَهُ) لَك أَنْ تَقُولَ: هَذَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِمَا قَبْلَهُ بِرّ.
(قَوْلُهُ كَأَنْ قَالَ وَلِيُّ الدَّمِ إلَخْ) فِي هَذَا الْمِثَالِ نَظَرٌ ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ عَدَلَ عَنْ الْمِثَالِ الشَّهِيرِ، وَهُوَ إكْرَاهُ الْقَاضِي لِلْمَوْلَى عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ عَيْنًا، بَلْ بِهِ أَوْ بِالْفَيْئَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الِامْتِنَاعِ يُطَلِّقُ الْقَاضِي فَأَيْنَ الْإِكْرَاهُ؟ ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي يَرَى الْأَمْرَ بِالْفَيْئَةِ عَيْنًا، فَإِنْ امْتَنَعَ أَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ، فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ، أَقُولُ: قَوْلُ الْمُجِيبِ فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ، وَهُوَ تَوَهُّمٌ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَمَرَهُ بِالطَّلَاقِ عَيْنًا وَجَبَ عَلَيْهِ امْتِثَالُهُ، فَإِذَا فَعَلَ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ صُدِّقَ أَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى ذَلِكَ بِحَقٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[حاشية الشربيني]
الصَّارِفِ، بِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ عَدَمَ الْمَعْنَى كَالْهَازِلِ لَا يُفِيدُ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَوَاشِي الْمُحَلَّيْ لِلشَّيْخِ عَمِيرَةَ أَنَّ الْهَازِلَ يَدِينُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمَا ذَاكَ، إلَّا لِعَدَمِ قَصْدِ الْمَعْنَى عِنْدَهُ.
(قَوْلُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ) أَيْ لِيَخْرُجَ سَبْقُ اللِّسَانِ وَالْمَعْنَى أَيْ: الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِلَّفْظِ الْكِنَايَةُ حَتَّى يُمْكِنَ الِانْتِقَالُ مِنْهُ لِلطَّلَاقِ وَفَهْمُهُ أَيْ: فَهْمُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَهْمِهِ وَقَصْدِهِ أَيْ: اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ مُنَاسَبَةٌ، فَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَقَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ قَصَدَهُ بِلَفْظٍ لَا مَعْنَى لَهُ، وَكَذَا لَوْ فَهِمَهُ وَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ بِالطَّلَاقِ وَقَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ، إذْ لَا يَصِحُّ الِانْتِقَالُ مِنْهُ حِينَئِذٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِيقَاعِ، وَهُوَ إرَادَةُ الطَّلَاقِ بِهِ فَتَأَمَّلْ. لِيَنْدَفِعَ مَا أَطَالَ بِهِ الْمُحَشِّي هُنَا، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى الطَّلَاقُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَعْنَى لَفْظِ الْكِنَايَةِ كَمُبْتَلَّةٍ بِأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَقْطُوعَةٌ وَيَسْتَعْمِلَ اللَّفْظَ فِيهِ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ لِلطَّلَاقِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَقَصَدَ إيقَاعَهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: نَوَى حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْكِنَايَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، فَنِيَّةُ الطَّلَاقِ بِهِ هِيَ قَصْدُ إيقَاعِهِ بِهِ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ، هَذَا إنْ كَانَتْ الْكِنَايَةُ شَرْعِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ لَفْظًا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَيَنْوِيَ الْمَعْنَى الْمُحْتَمَلَ ثُمَّ يَقْصِدَ الْإِيقَاعَ بِهِ بِإِرَادَةِ خُصُوصِ الطَّلَاقِ فَتَأَمَّلْ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّ الْمُرَادَ بِقَصْدِ الْمَعْنَى هُوَ قَصْدُ مَعْنَى الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِقَصْدِ الْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ صِيَغَ الْكِنَايَةِ لَمْ تُنْقَلْ شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute