للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطَّلَاقُ بِمَا (يَجِيءُ مِنْ جَمِيعِهَا) أَيْ: الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ (مُتَرْجَمَا) أَيْ: مُعَبَّرًا بِهِ عَنْهَا بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ، فَتَرْجَمَتُهَا صَرِيحَةٌ لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِهَا شُهْرَةَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَدَمِ صَرَاحَةِ نَحْوِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ عِنْدَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَإِنْ اشْتَهَرَ فِيهِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ صَرَاحَةِ تَرْجَمَةِ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ جَزَمَ الْجُوَيْنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي الْخُلْعِ عَنْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَكَلَامُ الْمُحَرَّرِ يَقْتَضِيهِ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: أَنَّ تَرْجَمَةَ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ كِنَايَةٌ فِي الْأَصَحِّ.

وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي تَرْجَمَتِهِمَا الْوَجْهَيْنِ فِي تَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ بِالتَّرْتِيبِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ؛ لِأَنَّ تَرْجَمَتَهُمَا بَعِيدَةٌ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ فِي الطَّلَاقِ قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَبِهِ أَجَابَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ اهـ. وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ هُنَا: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ فِي حِلْيَتِهِ: لَا يَكُونُ صَرِيحًا عِنْدِي وَظَاهِرُهُ: أَنَّ ذَلِكَ اخْتِيَارٌ لَهُمَا، وَقَدْ بَسَطَ الْأَذْرَعِيُّ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ لَا مَا فِي الرَّوْضَةِ.

ثُمَّ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِ الْكِنَايَةِ، وَهِيَ مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَقَالَ: (وَبِكِنَايَةٍ كَكَتْبِ) أَيْ صَحَّ الطَّلَاقُ بِالصَّرِيحِ كَمَا مَرَّ، وَبِالْكِنَايَةِ كَكِتَابَةِ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِهِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِهَا الطَّلَاقَ، وَتَجْرِبَةِ الْقَلَمِ وَغَيْرِهِمَا، سَوَاءٌ صَدَرَتْ مِنْ حَاضِرٍ أَمْ نَاطِقٍ أَمْ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ تَلَفَّظَ بِمَا كَتَبَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَإِنْ قَالَ: قَصَدْت قِرَاءَتَهُ قُبِلَ ظَاهِرًا كَنَظِيرِهِ فِي حَلِّ الْوَثَاقِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْكِتَابَةِ مَعَ أَنَّهَا فِعْلٌ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ فِي إفْهَامِهَا الْمُرَادَ كَالْعِبَارَةِ، وَقَدْ اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ (أَنْتِ) أَيْ وَكَانَتْ (خَلِيَّةٌ) وَ (بَرِيَّةٌ) وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ، (وَبِنْتِ) أَيْ مِنِّي مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَبَائِنٌ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَيْنِ، وَهُوَ الْفِرَاقُ، (وَبَتَّةٌ وَبَتْلَهْ) أَيْ: مَقْطُوعَةُ الْوَصْلَةِ، (وَحُرَّةٌ) وَ (مُعْتَقَةٌ) كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ، لِمَا بَيْنَ مِلْكَيْ النِّكَاحِ وَالْيَمِينِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ.

(وَمِثْلَهْ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَقْطُوعَةُ الْوَصْلَةِ، مِنْ مَثَّلَ بِالْقَتِيلِ جَدَعَهُ (مُطْلَقَةٌ) بِإِسْكَانِ الطَّاء وَتَخْفِيفِ اللَّازِمِ (أَطْلَقْتُكِ) ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ (اعْتَدِّي) أَيْ: لِأَنِّي طَلَّقْتُك (وَلَا يُغَيَّرُ الْحُكْمُ) فِيهِ (إذَا لَمْ يَدْخُلَا) بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلْعِدَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَلِفُ يَدْخُلَا عِوَضٌ عَنْ نُونِ التَّوْكِيدِ، (وَوَدِّعِي) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ وَدِّعِينِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك، (وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ) ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَمَا مَرَّ فِي اعْتَدِّي (بِينِي) أَيْ مِنِّي (دَعِينِي) أَيْ اُتْرُكِينِي؛ لِأَنَّك مُطَلَّقَةٌ، وَهَذَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَأَوَّلُهُمَا مَفْهُومٌ مِنْ بَائِنٍ. (الْحَقِي بِأَهْلِكِ) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَهْلٌ أَمْ لَا، وَالْحَقِي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، (وَنَحْوُ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ) أَيْ: خَلَّيْت سَبِيلَك كَمَا يُخَلَّى الْبَعِيرُ فِي الصَّحْرَاءِ وَزِمَامُهُ عَلَى غَارِبِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الظَّهْرِ وَارْتَفَعَ مِنْ الْعُنُقِ لِيَرْعَى كَيْفَ شَاءَ.

(وَنَحْوُ لَسْتُ أَنْدَهَنَّ سَرْبَكِ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ أَيْ لَا أَهْتَمُّ بِشَأْنِك لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَأَنْدَهُ أَزْجُرُ، وَالسَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مَا يَرْعَى مِنْ الْمَالِ كَالْإِبِلِ (تَزَوَّدِي) أَيْ اسْتَعِدِّي لِلُّحُوقِ بِأَهْلِك، فَقَدْ طَلَّقْتُك، (تَجَرَّعِي) أَيْ كَأْسَ الْفِرَاقِ، (ذُوقِي) أَيْ مَرَارَتَهُ، (اذْهَبِي) أَيْ إلَى أَهْلِك لِأَنِّي طَلَّقْتُك، (كُلِي) أَيْ زَادَ الْفِرَاقِ، (اشْرَبِي) أَيْ شَرَابَهُ، (اُخْرُجِي) كَمَا فِي اذْهَبِي، (اُبْعُدِي) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ مِنِّي، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، (اُعْزُبِي) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ أَيْ مِنِّي، (اُغْرُبِي) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ صِيرِي غَرِيبَةً بِلَا زَوْجٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَسَافِرِي وَتَجَنَّبِي وَتَجَرَّدِي وَتَقَنَّعِي وَتَسَتَّرِي وَالْزَمِي الطَّرِيقَ، وَبَرِئْت مِنْك وَمَلَّكْتُك نَفْسَك وَأَحْلَلْتُك وَلَا حَاجَةَ لِي فِيك، وَأَنْتِ وَشَأْنُك وَأَنْتِ طَلَاقٌ، أَوْ الطَّلَاقُ أَوْ طَلْقَةٌ أَوْ نِصْفُ طَلْقَةٍ، وَلَك الطَّلَاقُ وَعَلَيْك الطَّلَاقُ وَأَنْتِ وَالطَّلَاقُ أَوْ وَطَلْقَةٌ أَيْ قَرَنْت بَيْنَك وَبَيْنَهَا، وَلَا تَصِيرُ أَلْفَاظُ الْكِنَايَةِ صَرَائِحَ بِقَرِينَةٍ مِنْ نَحْوِ غَضَبٍ وَسُؤَالِ طَلَاقٍ (بِنِيَّةٍ أَوَّلَ لَفْظٍ تُوجَدُ) أَيْ مَعَ نِيَّةٍ لِلطَّلَاقِ تُوجَدُ أَوَّلَ لَفْظِ الْكِنَايَةِ، وَإِنْ عَزَبَتْ فِي آخِرِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ لَا يَكْفِي، إذْ انْعِطَافُهَا عَلَى مَا مَضَى بَعِيدٌ بِخِلَافِ اسْتِصْحَابِ مَا وُجِدَ، وَلِأَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ فِي أَوَّلِهِ عُرِفَ قَصْدُهُ مِنْهُ وَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ عَنْ تَصْحِيحِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَأَقَرَّهُ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيه نَصُّ الْأُمِّ.

قَالَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَبَلَى وَكَأَنَّ وَكَانَ ذَلِكَ اهـ. لَا رَضِيت أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْأَنْوَارِ قُبَيْلَ الْعَاقِلَةِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ مُتَرْجَمًا) يَنْبَغِي جَوَازُ كَوْنِهِ اسْمَ فَاعِلٍ أَيْ: مُتَرْجِمًا عَنْهَا وَاسْمَ مَفْعُولٍ أَيْ مُتَرْجَمًا بِهِ عَنْهَا وَكَتَبَ أَيْضًا: وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ.

(قَوْلُهُ كَكَتْبٍ) مِنْ الْكِنَايَةِ وَالطَّلَاقِ مَا أَفْعَلُ كَذَا مَثَلًا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ م ر. (فَرْعٌ) يَقَعُ فِي الْأَلْسِنَةِ الطَّلَاقُ الزَّمَنِيُّ مَا أَفْعَلُ كَذَا مَثَلًا وَيَنْبَغِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ م ر. (قَوْلُهُ وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك) قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْحَاوِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمِثْلِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَعْنِي: وَلَا بِتَغَيُّرِ الْحُكْمِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ بِرّ.

ــ

[حاشية الشربيني]

وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ تَرْجَمَةَ الطَّلَاقِ صَرِيحَةٌ بِخِلَافِ تَرْجَمَةِ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ، فَإِنَّهَا كِنَايَةٌ قَالَهُ زي أَيْ: لِلِاخْتِلَافِ فِي صَرَاحَتِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَضَعُفَا بِالتَّرْجَمَةِ اهـ. خَطّ.

(قَوْلُهُ بِالنِّيَّةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>