للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْمُهِمَّاتِ: وَبِهِ الْفَتْوَى كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الشَّرْحَيْنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ لَهُ: إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَصُحِّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْوُقُوعُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ الْمَنْعُ فِيهِمَا، فَاعْتُبِرَ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِكُلِّ اللَّفْظِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَاللَّفْظُ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ هُوَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيُّ فَمَثَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ لِقَرْنِهَا بِالْأَوَّلِ بِقَرْنِهَا بِالْبَاءِ مِنْ بَائِنٍ، وَالْآخَرُ أَنْ يَقْرِنَهَا بِالْخَاءِ مِنْ خَلِيَّةٍ، لَكِنْ مَثَّلَ لَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ بِقَرْنِهَا بِأَنْتِ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ، وَصُوِّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكِنَايَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ جُعِلَتْ لِصَرْفِ اللَّفْظِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ، وَالْمُحْتَمَلُ إنَّمَا هُوَ بَائِنٌ مَثَلًا، وَأَمَّا أَنْتِ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُخَاطَبِ، لَكِنْ أَثْبَتَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ، وَأَيَّدَ الِاكْتِفَاءَ بِهَا عِنْدَ أَنْتِ بِمَا إذَا أَوْقَعَ أَنْتِ زَمَنَ الطُّهْرِ وَطَالِقٌ زَمَنَ الْحَيْضِ، فَإِنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ قَالَ: يَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا وَيَحْصُلُ لَهَا قُرْءٌ.

(وَ) كَقَوْلِهِ (أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ) أَوْ بَائِنٌ (وَ) هُوَ (يَقْصِدُ طَلَاقَهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حَجْرًا مِنْ جِهَتِهَا حَيْثُ لَا يَنْكِحُ مَعَهَا أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا، فَصَحَّ حَمْلُ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى حِلِّ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَذَا الْحَجْرِ مَعَ النِّيَّةِ، فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ كِنَايَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: أَنَا مِنْك حُرٌّ لَيْسَ كِنَايَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحِلُّ النِّكَاحَ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْعِتْقَ يُحِلُّ الرِّقَّ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ نَوَى أَصْلَ الطَّلَاقِ أَمْ طَلَاقَ نَفْسِهِ أَمْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا، لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَلَا بُدَّ فِي صِحَّتِهِ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مَحَلِّهِ، وَتَصْوِيرُهُمْ بِمَا ذُكِرَ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ لَفْظَةِ مِنْك، وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ قَالَ: وَلِهَذَا حَذَفَهَا الدَّارِمِيُّ وَكَقَوْلِهِ: (اخْتَارِي بِهِ قَدْ نُوِيَا) بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ

(تَفْوِيضُ تَطْلِيقٍ) أَيْ، وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ بِذَلِكَ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا (فَجَاوَبَتْ هِيَا) بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ قَالَتْ: (اخْتَرْتُ نَفْسِي وَنَوَتْ) أَيْ الطَّلَاقَ، (أَوْ) قَالَتْ: اخْتَرْت (أُمِّي أَوْ أَبَوِيَّ أَوْ أَخِي أَوْ عَمِّي) أَوْ غَيْرَك أَوْ الْأَزْوَاجَ، وَنَوَتْ أَيْضًا لِإِشْعَارِهَا بِالْفِرَاقِ، فَلَوْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ.

وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ أَوْ أُمِّي مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى كَأَبِي مِنْ أَخِي أَوْ عَمِّي، (لَا) إنْ قَالَتْ: اخْتَرْت (الزَّوْجَ وَالنِّكَاحَ) أَيْ أَوْ النِّكَاحَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا النَّفْسَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِأَنْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: اخْتَرْت فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِهِ، نَعَمْ إنْ نَوَتْ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ فِي الْأَخِيرَةِ وَقَعَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ (أَغْنَاكِ اللَّهْ) بِقَصْرِ الْجَلَالَةِ بِدُخُولِ الْقَطْعِ، وَهُوَ حَذْفُ أَحَدِ مُتَحَرِّكَيْ الْوَتِدِ الْمَجْمُوعِ أَيْ لَا إنْ قَالَتْ: اخْتَرْت الزَّوْجَ أَوْ النِّكَاحَ وَلَا إنْ قَالَ لَهَا: أَغْنَاك اللَّهُ، (وَلَا اُقْعُدِي) وَلَا (اغْزِلِي وَ) لَا (مَا جَا مِثْلَهْ) مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، إلَّا بِتَعَسُّفٍ كَقُوَّمِي، وَمَا أَحْسَنَ وَجْهَك، وَتَعَالِي، وَاقْرَبِي، وَاسْقِينِي، وَأَطْعِمِينِي، وَأَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَك، وَزَوِّدِينِي (وَاسْتَبْرِئِي يَتْلُوهُ) أَيْ يَتْبَعُهُ (مِنْكِ رَحِمِي) كَأَنْ قَالَ: اسْتَبْرِئِي

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ وَأَيَّدَ الِاكْتِفَاءَ بِهَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَنْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْ الْكِنَايَةِ، فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْمَقْصُودَ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِهِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي قَصَدَ بِهَا إنْشَاءَ الطَّلَاقِ مَجْمُوعُ أَنْتِ وَمَا بَعْدَهُ لَا مَا بَعْدَهُ وَحْدَهُ، وَلِهَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى الصَّرِيحُ. (قَوْلُهُ وَيَحْصُلُ بِهَا قُرْءٌ) حَاوَلَ الْجَوْجَرِيُّ الْفَرْقَ وَكَتَبَ أَيْضًا: لَعَلَّ قَائِلَ هَذَا لَا يَشْتَرِطُ تَأَخُّرَ الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى. (قَوْلُهُ وَيَقْصِدُ طَلَاقَهَا) قَيَّدَ الطَّلَاقَ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ أَمْرَيْنِ: قَصْدِ أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَقَصْدِ إضَاقَتِهِ إلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ اهـ.

(قَوْلُهُ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ) عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ) أَيْ يَنْوِي الْإِضَافَةَ لِلْمَرْأَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا نِيَّةُ أَصْلِ الطَّلَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ، وَهُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ، فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ كِنَايَةٌ بِرّ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ) وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَيْ لَفْظَ مِنْك إذَا حُذِفَ لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ مَذْكُورًا، وَنِيَّتُهُ لَا تَكْفِي كَمَا لَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَنَوَى أَنْتِ كَمَا مَرَّ حَجَرٌ

(قَوْلُهُ لَا الزَّوْجَ وَالنِّكَاحَ) أَيْ: وَلَوْ نَوَتْ بِذَلِكَ الْفِرَاقَ بِرّ. (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ نَوَتْ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ) أَيْ النَّفْسَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَيْ: إذَا لَمْ يُذْكَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ ذَلِكَ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَقَعَ عَلَى الصَّحِيحِ) هَذَا خِلَافُ الْمُرَجَّحِ فِي التَّهْذِيبِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَعَلَّلَهُ: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ مَا يُشْعِرُ بِالْمُفَارَقَةِ بِرّ. (قَوْلُهُ وَأَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَك) يَنْبَغِي بِخِلَافِ

ــ

[حاشية الشربيني]

أَيْ مِنْ الْمُكَاتَبِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ. ع ش.

(قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَنْوِيَا) أَيْ: هُوَ التَّفْوِيضَ، وَهِيَ الطَّلَاقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>