رَحِمِي مِنْك، فَلَا يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ نَوَاهُ بِهِ.
وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مِثْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَعَدَّ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْكِنَايَةِ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ سَاقِطٌ أَوْ وَاقِعٌ عَلَيَّ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ تَطْلُقُ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ: فَرْضٌ عَلَيَّ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ، وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كِنَايَةٌ ثُمَّ قَالَا: وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ الْخِلَافَ فَقَالَ: لَوْ قَالَ: طَلَاقُك لَازِمٌ لِي فَوَجْهَانِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: هُوَ صَرِيحٌ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمَا مِنْ رُجْحَانِ الصَّرَاحَةِ قَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ النَّذْرِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ، فَإِنْ نَوَى كَانَ طَلَاقًا، وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ وَقَالَ: لَا نَصَّ فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَهُ طَلَاقًا، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنَّهُ صَرِيحٌ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْحَقُّ فِي هَذَا الزَّمَنِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ، فَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: أَنَّ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ.
وَقَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ: (أَنْت حَرَامٌ مَعْ عَلَيَّ) وَنَحْوُهُ كَانَتْ عَلَيَّ مُحَرَّمَةً أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ، أَوْ حَرَّمْتُك (أَلْزِمْ) أَنْتِ بِهِ (كَفَّارَةً) كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ، سَوَاءٌ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ فَرْجِهَا أَوْ التَّمَتُّعِ بِهَا أَمْ أَطْلَقَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنْ التَّمَتُّعِ لِقِصَّةِ مَارِيَةَ، لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] إلَى أَنْ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] أَيْ أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ.
وَقِيسَ بِالْأَمَةِ الزَّوْجَةُ، نَعَمْ إنْ خَاطَبَ بِهِ رَجْعِيَّةً أَوْ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعِ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، فَلَا كَفَّارَةَ لِصِدْقِهِ فِي وَصْفِهَا، أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ صَائِمَةً لَزِمَتْ؛ لِأَنَّهَا عَوَارِضُ سَرِيعَةُ الزَّوَالِ، فَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ خَاطَبَ بِهِ أَمَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ أَوْ الْمُرْتَدَّةَ أَوْ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الْمُزَوَّجَةَ أَوْ زَوْجَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ أَوْ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ شُبْهَةٍ، فَفِي لُزُومهَا وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الِاسْتِبَاحَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَجَزَمَ الْقَاضِي بِالْمَنْعِ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ، (لَا إنْ نَوَى) بِهِ (الطَّلَاقَا أَوْ الظِّهَارَ) لِزَوْجَتِهِ، (أَوْ نَوَى) بِهِ (الْإِعْتَاقَا لِأَمَةٍ) لَهُ (فَذَا) أَيْ: فَالْمَنْوِيُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ هُوَ اللَّازِمُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَجَازَ أَنْ يُكَنِّيَ عَنْهَا بِالْحَرَامِ، وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ جَمِيعًا تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ نَوَاهُمَا مَعًا أَمْ مُتَرَتِّبَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا مَرَّ عَنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَرْنِ النِّيَّةِ لِبَعْضِ اللَّفْظِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ، وَلَا يَثْبُتَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ
ــ
[حاشية العبادي]
أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاك.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنَّهُ صَرِيحٌ) فَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ مَا أَدْخُلُ الدَّارَ، فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِدُخُولِ الدَّارِ م ر.
(قَوْلُهُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَتَطْلُقُ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا يُقَالُ: الطَّلَاقُ يُحَرِّمُهَا وَالْمُطَلَّقَةُ، وَلَوْ رَجْعِيًّا لَا تُوجِبُ مُخَاطَبَتُهَا بِذَلِكَ كَفَّارَةً؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ سَبَقَ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَارَنَ كَمَا هُنَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَ تَحْرِيمَهُ أَبَدًا، (قَوْلُهُ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ) أَيْ: أَوْ الْوَثَنِيَّةِ أَوْ الْمُسْتَبْرَأَةِ، شَرْحُ الرَّوْضِ. يَنْبَغِي أَوْ الْمُحَرَّمَةِ. (قَوْلُهُ فَفِي لُزُومِهَا وَجْهَانِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَوْجَهُهُمَا لَا م ر. (قَوْلُهُ هُوَ اللَّازِمُ) ظَاهِرُ هَذَا الْحَصْرِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَوَى مَعَ الطَّلَاقِ تَحْرِيمَهُ نَحْوَ وَطْئِهَا، وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ) وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَقِيلَ: إنْ نَوَى فِي الثَّانِيَةِ الظِّهَارَ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ) وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْوُجُوبَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَالْفَرْضُ مُشْتَهِرٌ فِي الْعِبَادَةِ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ عِبَادَةً اهـ. حَاشِيَةٌ مَنْهَجٌ.
(قَوْلُهُ لِاشْتِهَارِهِ إلَخْ) يَحْتَاجُ لِدِقَّةِ نَظَرٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ق ل أَنَّ مَأْخَذَ الصَّرَاحَةِ وُرُودُ اللَّفْظِ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ مَعْنَاهُ كَذَلِكَ مَعَ الشُّهْرَةِ فَلَعَلَّ مَحَلَّ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُبْعِدُ مَعْنَاهُ كَلَفْظِ عَلَيَّ هُنَا، فَيُعْتَبَرُ مَعَهُ الشُّهْرَةُ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ) وَإِنْ نَوَى اهـ. ق ل عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَنْوِ.
(قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ) أَيْ: فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْوَطْءِ اهـ. بج (قَوْلُهُ أَوْ فَرْجِهَا إلَخْ) أَيْ: وَذَلِكَ حَلَالٌ لَهُ وَإِلَّا كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَصَائِمَةٍ وَنَحْوِهِ فَلَا كَفَّارَةَ اهـ. ق ل أَيْ: فَهُوَ كَإِرَادَةِ تَحْرِيمِ وَطْئِهَا. (قَوْلُهُ وَجْهَانِ) أَوْجَهُهُمَا لَا فِي غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، أَمَّا هِيَ فَالْأَصَحُّ فِيهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ اهـ. م ر، لَكِنْ ذَكَرَ هَذَا فِي الْأَمَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الزَّوْجَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالشَّارِحُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَنَّ أَوْجَهَ الْوَجْهَيْنِ فِي الزَّوْجَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ. فَانْظُرْ هَلْ هُوَ ضَعِيفٌ أَوْ يُفَرَّقُ؟ ، (قَوْلُهُ وَالْمَجُوسِيَّةِ) بِأَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهَا وَفِيهِ أَنَّ الْحُرْمَةَ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ الْفُرْقَةُ فَالْأَوْلَى حَذْفُهَا، كَذَا بِهَامِشٍ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ تَخَيَّرَ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بِآخِرِ اللَّفْظِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الظِّهَارِ وَتَأَخُّرِهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِآخِرِهِ وُقُوعُ الْمَنْوِيَّيْنِ مُرَتَّبَيْنِ كَمَا أَوْقَعَهُمَا، وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَ الْمَنْوِيُّ أَوَّلًا الظِّهَارَ صَحَّا مَعًا، أَوْ الطَّلَاقَ، وَهُوَ بَائِنٌ لَغَا الظِّهَارُ، أَوْ رَجْعِيٌّ وُقِفَ الظِّهَارُ، فَإِنْ رَاجَعَ صَارَ عَائِدًا وَلَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. م ر وَبَحَثَ سم عَلَى حَجَرٍ فِي الرَّدِّ بِأَنَّهُ بِالْآخِرِ يَتَبَيَّنُ الْوُقُوعُ مَعًا، إذْ لَا يُمْكِنُ قَبْلَ الْآخَرِ لِعَدَمِ تَمَامِ الصِّيغَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا، وَإِنْ