يُزِيلُ النِّكَاحَ وَالظِّهَارَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَهُ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ لَفْظُ الْحَرَامِ فِي الطَّلَاقِ، فَإِنْ اشْتَهَرَ فِيهِ، فَهُوَ صَرِيحٌ عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صَرْفَ النِّيَّةِ إلَى التَّحْرِيمِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ، كَمَا أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ صَرِيحًا فِي الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَجُوزُ صَرْفُهُ بِالنِّيَّةِ إلَى الطَّلَاقِ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَضْعًا وَالصَّرِيحِ اشْتِهَارًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْكَفَّارَةِ حَقِيقَةً، فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَدْ تَكَرَّرَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ صَرِيحٌ فِي الْكَفَّارَةِ أَمْ كِنَايَةٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ مَعْنًى اللَّفْظَةَ حَتَّى يُقَالَ: صَرِيحٌ فِيهِ أَمْ كِنَايَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ التَّحْرِيمِ أَمْ لَا، فَتَوَسَّعُوا بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ انْتَهَى. وَبِذَلِكَ عُرِفَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا، وَالصَّرِيحُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ، بِخِلَافِ الْأَبْضَاعِ كَمَا مَرَّ لِاخْتِصَاصِهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَلِشِدَّةِ قَبُولِهَا التَّحْرِيمَ بِدَلِيلِ تَأْثِيرِ الظِّهَارِ فِيهَا دُونَ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ قَالَ: فَرْجُك أَوْ رَأْسُك عَلَيَّ حَرَامٌ فَكَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَفْظَةُ عَلَيَّ مَزِيدَةٌ
ــ
[حاشية العبادي]
أَوَّلًا صَحَّا مَعًا، أَوْ الطَّلَاقَ أَوَّلًا وَكَانَ بَائِنًا، فَلَا مَعْنَى لِلظِّهَارِ بَعْدَهُ، أَوْ رَجْعِيًّا كَانَ الظِّهَارُ مَوْقُوفًا فَإِنْ رَاجَعَهَا، فَهُوَ صَحِيحٌ وَالرَّجْعَةُ عَوْدٌ، وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْأَصْلُ ذِكْرًا. اهـ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ صَرِيحٌ عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ فَهُوَ صَحِيحٌ فِي الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ فِي النَّظْمِ وَأَصْلِهِ فَعَدَّا فِي الصَّرَائِحِ - حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ - كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ مَعَ الِاشْتِهَارِ مِثْلُهُ وَمَتَى كَانَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ النَّوَوِيِّ، فَهُوَ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ اشْتَهَرَ أَوْ لَا، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: حَلَالُ اللَّه عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى طَرِيقَةِ النَّوَوِيِّ تَكُونُ كَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، حَتَّى تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ) وَهُوَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ، إلَّا إنْ نَوَى أَحَدَ الْمَذْكُورَاتِ، فَهُوَ اللَّازِمُ لَهُ ثُمَّ قَدْ يُشْعِرُ صَنِيعُهُ بِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ كِنَايَةً، وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ التَّفْصِيلَ. (قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ إلَخْ) قَدْ يَسْتَشْكِلُ هَذَا الْفَرْقُ بِأَنَّ الصَّرِيحَ وَضْعًا يَقْبَلُ الصَّرْفَ أَيْضًا كَمَا فِي: أَنْتِ طَالِقٌ لِمَنْ يُحِلُّهَا مِنْ وَثَاقٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ قَبُولُ الصَّرْفِ مَعَ الْقَبُولِ ظَاهِرًا بِدُونِ قَرِينَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْكَفَّارَةِ حَقِيقَةً فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إلَخْ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ: أَنَّ هَذِهِ الْعِلَاوَةَ عَاضِدَةٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ وَاسْتِحْسَانِ الشَّارِحِ لَهُ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُضْعِفَةٌ لِذَلِكَ وَقَادِحَةٌ فِيهِ أَيْ: لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْكَفَّارَةِ سَقَطَ اسْتِشْهَادُ الْإِمَامِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا، وَجَازَ صَرْفُهُ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ قُلْت: غَرَضُ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالصَّرِيحُ اشْتِهَارٌ شَامِلٌ لِلصَّرَاحَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالصَّرَاحَةِ فِي الطَّلَاقِ، فَبَحَثَ فِي الْأُولَى بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ إلَخْ قُلْت: يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي وَبِذَلِكَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ إلَخْ وَبِالْجُمْلَةِ فَبَحْثُهُ الْمَذْكُورُ قَادِحٌ فِي قِيَاسِ الْإِمَامِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ بِرّ. وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ فَلَا حَاجَةَ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَبِهَذَا تَنْدَفِعُ مُنَاقَشَةُ شَيْخِنَا الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَاشِيَة.
(قَوْلُهُ دُونَ الْأَمْوَالِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَالْأَمْوَالِ فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُ الشَّخْصِ لِآخَرَ لَيْسَ زَوْجَةً، وَلَا أَمَةً لَهُ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ اهـ. (قَوْلُهُ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) وَقِيَاسُهُ: أَنْ يُلْحَقَ بِالرَّأْسِ كُلَّ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَا حَيَاةَ بِدُونِهَا كَنَفْسِهَا أَوْ رُوحِهَا أَوْ قَلْبِهَا حَجَرٌ.
[حاشية الشربيني]
تَقَارَنَا فِي الْوُقُوعِ مَعَ الْآخَرِ، لَكِنَّ تَرْتِيبَهُمَا فِي النِّيَّةِ يَقْتَضِي تَغْلِيبَ حُكْمِ السَّابِقِ فِيهِمَا، فَفِي وُقُوعِهِمَا تَرَتُّبٌ حُكْمِيٌّ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِآخِرِ الصِّيغَةِ بِوُقُوعِ مَا أُرِيدَ بِهَا مِنْ وَقْتِ إرَادَتِهِ، فَلَوْ أَرَادَ الظِّهَارَ أَوَّلًا ثُمَّ الطَّلَاقَ حُكِمَ بِالظِّهَارِ مِنْ وَقْتِ إرَادَتِهِ وَبِالطَّلَاقِ مِنْ وَقْتِ إرَادَتِهِ، فَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي ابْتِدَاءِ الْوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ تَمَامُهَا مَعًا فَلَيْسَ تَرَتُّبًا فَقَطْ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ إلَخْ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ دَفْعَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ جَرَى سَابِقًا فِي - حِلُّ اللَّهِ لِي مُحَرَّمٌ - عَلَى أَنَّهُ صَرِيحُ طَلَاقٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَخَالَفَ هُنَا فَجَعَلَهُ كِنَايَةً فِيهِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ' حِلُّ اللَّهِ لِي مُحَرَّمٌ ' ' وَأَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ ' كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ آخِرًا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَهُوَ صَرِيحٌ) فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ نِيَّةُ غَيْرِهِ، فَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَتَعَيَّنَ الطَّلَاقُ اهـ. مُحَلَّى (قَوْلُهُ لَيْسَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّارِحُ عَلَى التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ، سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ م ر، (قَوْلُهُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِهِ) أَيْ: لَا عَلَى وُقُوعِ مَعْنًى بِهِ حَتَّى يَكُونَ صَرِيحًا فِيهِ أَوْ كِنَايَةً. (قَوْلُهُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الصَّرِيحِ) أَيْ: إنْ كَانَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، وَالْكِنَايَةِ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute