للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِفَجْرِهِ) إذَا (مَثَلْ) أَيْ: ظَهَرَ وَاتَّصَلَ بِوَجْهِ الْأَرْضِ يُقَالُ: مَثَلَ الشَّيْءُ أَيْ لَطَا بِالْأَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِمَا يُضْرَبُ بِهِ مِنْ الْأَمْثَالِ بِجَعْلِهِ رَاجِعًا إلَى الْيَوْمِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا وَوَقَفَ عَلَيْهِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي رَجَبٍ أَوْ يَوْمَ كَذَا وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ، لَمْ يُقْبَلْ وَيَدِيَنْ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِي رَجَبٍ، وَهُوَ فِيهِ وَقَعَ حَالًّا، (وَ) فِي قَوْلِهِ: أَنْت (طَالِقٌ آخِرَ أَوْ سَلْخَ رَجَبْ) مَثَلًا (فِي آخِرِ الْجُزْءِ مِنْ الشَّهْرِ وَجَبْ) أَيْ: لَزِمَ الْوُقُوعُ فِي آخِرِ الْجُزْءِ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ؛ لِأَنَّهُ الْآخِرُ الْمُطْلَقُ وَالسَّابِقُ لِلْفَهْمِ، وَاسْمُ السَّلْخِ يَقَعُ عَلَيْهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَلَزِمَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (أَوَّلَ آخِرَ رَجَبٍ) بِإِدْغَامِ الرَّاءِ فِي الرَّاءِ (أَوْ) أَوَّلَ آخِرَ (صَفَرِ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْأَشْهُرِ (أَوَّلَ يَوْمِ آخِرِ) مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ، وَهُوَ أَوَّلُ طُلُوعِ فَجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ، (وَ) لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ (آخِرَ الْأَوَّلِ) مِنْ رَجَبٍ مَثَلًا (فَالتَّطْلِيقُ آخِرَ يَوْمِ أَوَّلٍ يَلِيقُ) أَيْ يُعَلَّقُ أَوْ يُلْصَقُ بِآخِرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَجَبٍ، وَهُوَ غُرُوبُ شَمْسِهِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ: هَذَا الْأَمْرُ لَا يَلِيقُ بِك أَيْ لَا يُعَلَّقُ بِك، وَفُلَانٌ لَا يَلِيقُ دِرْهَمًا أَيْ: لَا يُمْسِكُهُ وَلَا يُلْصَقُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِي مُنْتَصَفِ الْيَوْمِ وَقَعَ عِنْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ يُحْسَبُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ شَرْعًا، وَنِصْفُهُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ

(وَ) لَزِمَ فِي قَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ (لَيْلَةَ الْقَدْرِ إذَا تَنَجَّزَا) أَيْ انْقَضَى (لَيْلَاتُ عَشْرٍ آخِرٍ) مِنْ رَمَضَانَ، إنْ قَالَهُ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيِ الْعَشْرِ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ مُضِيُّ لَيَالِيِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ بَعْدَ حَلِفِهِ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِي تَعْبِيرِهِ فِي الشِّقَّيْنِ تَجَوُّزٌ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهَا تَطْلُقُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْعَشْرِ لِصِدْقِ اسْمِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِهِ، وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ جَمِيعِ اللَّيَالِيِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ يُعَلَّقُ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مَثَلًا، فَيَقَعُ فِي أَوَّلِ لَيْلَتِهِ مِنْ رَمَضَانَ الثَّانِي، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَنَةٍ كَامِلَةٍ.

نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ. وَمَا قَالَهُ فِي الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ: مِنْ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا، وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ، فَلَا تَطْلُقُ إلَّا فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ آخِرِ رَمَضَانَ الثَّانِي، وَالتَّجَوُّزُ الْأَوَّلُ لَازِمٌ لِكَلَامِ الْحَاوِي كَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (تَجَوَّزَا فِي الْقَوْلِ) أَيْ: وَقَدْ تَجَوَّزَ الْحَاوِي فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ لِمَا تَقَرَّرَ، وَقَدْ حَرَّرَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ (قُلْتُ: إنْ تُرِدْ تَحْرِيرَهْ) أَيْ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فَقُلْ: إنَّ نَصْبَ الْحَاوِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِالظَّرْفِيَّةِ (أَوْقَعْتَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (فِي أَوَّلِ) اللَّيْلَةِ (الْأَخِيرَة، وَإِنْ عَلَى) لَفْظِ (الْأَوَّلِ لَيْلَةً عَطَفْ بِالْجَرِّ) لِيَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَلَزِمَ فِي قَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ آخِرَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، إذَا مَضَى لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ (صَحَّ) ذَلِكَ الْقَوْلُ.

(وَالتَّجَوُّزُ) فِيهِ (انْصَرَفْ) ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ وَقَعَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، أَوْ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ فَيَوْمُ عَرَفَةَ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ، أَوْ فِي أَفْضَلِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمُ عَرَفَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، أَوْ فِي أَفْضَلِ الشُّهُورِ فَشَهْرُ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ، وَفِي شُعَبِ الْإِيمَانِ لِلْحَلِيمِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَيِّدُ الشُّهُورِ رَمَضَانُ» وَوَقَعَ فِي قَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ (إذَا مَضَى يَوْمٌ بِآخِرِ الْغَدِ) ، إنْ قَالَهُ بِاللَّيْلِ، (وَ) إنْ قَالَهُ (بِالنَّهَارِ) وَقَعَ (مِثْلُ وَقْتٍ اُبْتُدِيَ) فِيهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِنْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إذَا مَضَى الْيَوْمُ، فَإِنْ قَالَهُ نَهَارًا وَقَعَ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ لَحْظَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، أَوْ لَيْلًا فَلَغْوٌ، إذْ لَا نَهَارَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَقَعَ حَالًّا، وَإِنْ قَالَهُ لَيْلًا، فَإِنَّهُ تَسْمِيَةٌ لِلْوَقْتِ

ــ

[حاشية العبادي]

وَأَقُولُ: قَدْ يُقَالُ: بَلْ الْقِيَاسُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَنْفِيَّ لِلْعُمُومِ، وَالتَّقْدِيرُ لَا يَكُونُ مَتَى فُعِلَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فِي مُدَّةِ عُمُرِي، وَالْحُكْمُ فِي الْعَامِّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِانْفِرَادِهِ، فَكُلُّ مَرَّةٍ مَحْلُوفٌ عَلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم.

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ وَاتَّصَلَ بِوَجْهِ الْأَرْضِ) لَعَلَّهُ مَعْنَاهُ لُغَةً، وَإِلَّا فَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ الْوُقُوعُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ مَتَى طَلَعَ اتَّصَلَ بِوَجْهِ الْأَرْضِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ غُرُوبُ شَمْسِهِ) هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ السَّنْبَاطِيُّ تَطْلُقُ بِآخِرِ لَيْلَةِ أَوَّلِ يَوْمٍ اهـ. ق ل وَمَا نَقَلَهُ السَّنْبَاطِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: صَوَّبَهُ الشَّاشِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ اهـ. وَالْأَوَّلُ نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَيْضًا فَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا

(قَوْلُهُ فَلَغْوٌ إذْ لَا نَهَارَ إلَخْ) وَالْحَمْلُ عَلَى الْجِنْسِ مُتَعَذِّرٌ لِاقْتِضَائِهِ التَّعْلِيقَ بِفَرَاغِ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمَجَازِ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ فِي التَّعَالِيقِ وَنَحْوِهَا قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ أَوْ قَرِينَةٌ خَارِجِيَّةٌ تُفِيدُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اهـ. م ر. وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ أَوْ قَرِينَةٌ خَارِجِيَّةٌ تُفِيدُهُ أَيْ فَيُحْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>