وَقِيلَ عَزِيمَةٌ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ: وَالرُّخْصَةُ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] إلَى قَوْلِهِ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] أَيْ: تُرَابًا طَاهِرًا وَقِيلَ تُرَابًا حَلَالًا وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَخْبَارِ الْآتِي أَكْثَرُهَا فِي الْبَابِ (تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ) حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى ثُمَّ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيك» وَفِيهِمَا عَنْ «عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: أَجْنَبْت فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَعَّكْت فِي التُّرَابِ فَأَخْبَرْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَعْنَى تَمَعَّكْت تَدَلَّكْت وَفِي رِوَايَةٍ تَمَرَّغْت وَهُوَ بِمَعْنَى تَدَلَّكْت. اهـ وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ تَمَعَّكْت بِتَمَرَّغْتُ إذْ هُوَ مَعْنَاهُ لُغَةً؛ وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ وَخَرَجَ بِالْمُحْدِثِ الْمُتَنَجِّسُ فَلَا يَتَيَمَّمُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَالرُّخْصَةُ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) إنَّمَا يَظْهَرُ أَنَّهُ رُخْصَةٌ إنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ
[حاشية الشربيني]
الْقَوْلِ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ مُطْلَقًا لَكِنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، وَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْفَاقِدُ لَهُ شَرْعًا فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ اتِّفَاقًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ لَا يَلِيقُ بِهِ التَّخْفِيفُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ رُخْصَةٌ) وَإِسْقَاطُ الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ أُخْرَى كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى التُّحْفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رُخْصَةٌ) فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ رُخْصَةٌ إلَّا فِي حَقِّ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْفَاقِدِ لِلْمَاءِ حِسًّا فَإِنَّهُ عَزِيمَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ التَّيَمُّمِ وَفِعْلِ الصَّلَاةِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ مَعَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ، أَمَّا الْفَاقِدُ لَهُ شَرْعًا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَهُوَ فِي حَقِّهِ رُخْصَةٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ لَا يَلِيقُ بِهِ التَّخْفِيفُ. اهـ. وَكَوْنُهُ رُخْصَةً فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَتَدَبَّرْ، وَلَا يَرِدُ الْعَاصِي بِالْإِقَامَةِ الْفَاقِدُ لَهُ شَرْعًا كَعَبْدٍ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالسَّفَرِ فَأَقَامَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِيهِ صِحَّةُ تَيَمُّمِهِ لِلْمَرَضِ لِمَا قَالَهُ حَجَرٌ إنَّ مَحَلَّ الْإِقَامَةِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلرُّخْصَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ الْعَاصِي وَغَيْرِهِ فَانْدَفَعَ مَا لِلسُّبْكِيِّ هُنَا. اهـ.
ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمَجْمُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْفَاقِدِ لِلْمَاءِ حِسًّا وَإِنَّ التَّيَمُّمَ فِي حَقِّهِ عَزِيمَةٌ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا كَمَا لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الْحَضَرِ بِالتَّيَمُّمِ. اهـ. يَعْنِي: أَنَّ صَلَاتَهُ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ كَصَلَاتِهِ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُهُ لِإِلْغَاءِ سَفَرِهِ بِمَعْصِيَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. اهـ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ السَّفَرَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمَرَضِ قَطْعًا فَمَا بَالُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْخَائِفِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِلْمَرَضِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ قُلْت أَجَابَ شَيْخُنَا ذ بِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةٌ لِلْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا فَسَبَبُ سَبَبِ الرُّخْصَةِ مَعْصِيَةٌ. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ حَجَرٍ السَّابِقِ جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا كَانَ مَحَلًّا لِلرُّخْصَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لَهَا مَعَ الْعِصْيَانِ بِهِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَزِيمَةٌ) لَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لِشَيْءٍ آخَرَ خُصُوصًا وَهُوَ اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ فِي الْوَجْهِ لَا تَخْفِيفٌ لِلْأَوَّلِ كَإِبَاحَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَفِطْرِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ عَمِيرَةَ عَلَى الْمَحَلِّيِّ نَقَلَ هَذَا التَّعْلِيلَ عَنْ الرَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَزِيمَةٌ) ظَاهِرُهُ إنَّهُ عَزِيمَةٌ عِنْدَهُ حَتَّى فِي حَقِّ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْفَاقِدِ لِلْمَاءِ شَرْعًا لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ مَاءً فَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ بِلَا خِلَافٍ قَالُوا وَلِذَا مَنْ بِهِ قُرُوحٌ يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْهَلَاكَ وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ. اهـ. وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ عَزِيمَةً جَوَازُهُ مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ نَعَمْ هَذَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالِ فَلَعَلَّ غَيْرَهُمَا نَقَلَ الْخِلَافَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَزِيمَةٌ) لَعَلَّهُ لِمَشَقَّةِ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ فَلَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ حَدُّ الرُّخْصَةِ وَيَنْدَفِعُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: إنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) أَيْ فَالْقَضَاءُ هُوَ الْجَارِي عَلَى قِيَاسِ الشَّرْعِ وَهَذَا كَافٍ فِي كَوْنِ سُقُوطِهِ رُخْصَةً كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمُحَشِّي عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ هَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الْأَظْهَرُ الْأَشْهَرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا اهـ فَلَا يُشْتَرَطُ الْحِلُّ (قَوْلُهُ: فَقَالَ إنَّمَا يَكْفِيك) رِوَايَةُ الْحَدِيثِ فِي طُرُقِهَا زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ (قَوْلُهُ: ضَرْبَةً وَاحِدَةً) أَيْ ضَرَبَ بِهِمَا جَمِيعًا مَرَّةً وَاحِدَةً لَا بِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَحْدَهَا ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَلٌ يُبَيِّنُهُ الْأَحَادِيثُ الْأُخَرُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ ضَرْبَتَيْنِ مَعَ تَرْتِيبِ الْمَسْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute