للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنَّهُ اصْطِلَاحٌ وَالْجَائِزُ وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ، فَالْوَاجِبُ الطَّلَاقُ فِي الْإِيلَاءِ وَعِنْدَ الشِّقَاقِ بِرَأْيِ الْحَكَمَيْنِ، وَالْمُسْتَحَبُّ طَلَاقُهُ لَهَا لِتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّهِ لِبُغْضٍ أَوْ خَوْفِ إفْسَادِهَا فِرَاشَهُ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَالْمَكْرُوهُ طَلَاقُهُ مَعَ سَلَامَةِ الْحَالِ فَأَقْسَامُ الطَّلَاقِ أَرْبَعَةٌ، (وَطَلِّقِي نَفْسَكِ مَهْمَا قَالَا) أَيْ وَمَهْمَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك، وَلَوْ مَعَ إنْ شِئْت (تَمْلِيكُهَا ذَا) أَيْ فَذَا تَمْلِيكُهَا الطَّلَاقَ لَا تَوْكِيلُهَا فِيهِ؛ لِعَوْدِ مَصْلَحَتِهَا إلَيْهَا لَا إلَى الزَّوْجِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَلَّكْتُك نَفْسَك فَتَمْلِكُهَا بِالطَّلَاقِ، وَإِذَا كَانَ تَمْلِيكًا لَهَا (فَلْتُطَلِّقْ) نَفْسَهَا (حَالَا) ؛ لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا نَفْسَهَا مُتَضَمِّنٌ لِلْقَبُولِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْحَالُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ، فَلَوْ أَخَّرَتْهُ بِقَدْرِ مَا يَقْطَعُ الْقَبُولَ عَنْ الْإِيجَابِ لَمْ تَطْلُقْ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ تَعْلِيقَهَا الطَّلَاقَ مُلْغًى (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ تَطْلِيقِهَا نَفْسَهَا (يَرْجِعُ) الزَّوْجُ جَوَازًا، كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.

(وَالْمُعَلَّقُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَمْلِيكِ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهَا كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ رَجَبٌ فَطَلِّقِي نَفْسَك (لَغَا) كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا تَفْوِيضُ التَّعْلِيقِ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ: عَلِّقِي طَلَاقَك؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَجْرِي مَجْرَى الْيَمِينِ، فَلَا يُقْبَلُ التَّمْلِيكُ وَالنِّيَابَةُ وَتَفْوِيضُ الْإِعْتَاقِ إلَى الرَّقِيقِ كَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجَةِ، (وَيَقَعُ الْمُتَّفَقُ إنْ ذَكَرَا مِنْ عَدَدٍ أَوْ نَوَيَا) أَيْ: وَيَقَعُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ الْمَلْفُوظِ بِهِ أَوْ الْمَنْوِيِّ، إنْ ذَكَرَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَدَدًا أَوْ نَوَاهُ وَاخْتَلَفَ مَذْكُورُهُمَا أَوْ مَنْوِيُّهُمَا، فَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ دُونَ الثَّلَاثِ أَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ وَنَوَتْ دُونَهَا أَوْ بِالْعَكْسِ فِيهِمَا، وَقَعَ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْعَدَدِ فَقَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً، أَوْ قَالَ: طَلِّقِي إنْ شِئْت وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ: لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ ذَلِكَ الْعَدَدِ صَارَتْ شَرْطًا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الطَّلَاقِ أَيْضًا فَقَالَ: إنْ شِئْت طَلِّقِي ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً كَانَ كَمَا لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ الْعَدَدِ

(وَ) يَقَعُ (مَا يَقُولُ) أَيْ مَا يَذْكُرُهُ (الزَّوْجُ) مِنْ الْعَدَدِ، (إنْ تُطْلِقْ هِيَا) أَيْ الزَّوْجَةُ الْجَوَابَ فَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ: طَلَّقْت وَلَمْ تَذْكُرْ عَدَدًا وَلَا نَوَتْهُ وَقَعَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ تَقْدِيرًا، وَخَرَجَ بِمَا يَقُولُهُ الزَّوْجُ مَا يَنْوِيهِ كَأَنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ: طَلَّقْت وَلَمْ تَنْوِ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِتَعَذُّرِ عَوْدِ الْمَنْوِيِّ فِي الْجَوَابِ، إذْ التَّخَاطُبُ يَقَعُ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ وَلِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي عَدَدِهِ كَالْإِبَانَةِ كِنَايَةٌ فِي أَصْلِهِ وَعَدَدِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَبِينِي نَفْسَك وَنَوَى فَقَالَتْ: أَبَنْت وَلَمْ تَنْوِ لَمْ يَقَعْ فَكَذَا الْعَدَدُ (وَلَوْ بِالِاخْتِلَافِ) أَيْ يَقَعُ مَا ذَكَرَهُ فِي صُوَرِ التَّمْلِيكِ، وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ لَفْظِ الزَّوْجَيْنِ (فِي الصَّرِيحِ وَ) فِي (الضِّدِّ) أَيْ الْكِنَايَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ كَالْمِثَالِ الَّذِي زَادَهُ بِقَوْلِهِ (كَالتَّطْلِيقِ وَالتَّسْرِيحِ) وَكَالتَّحْرِيمِ أَوْ التَّطْلِيقِ وَالْإِبَانَةِ فَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: سَرَّحْت، أَوْ حَرِّمِي نَفْسَك فَقَالَتْ:

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ) فِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ التَّعْلِيقَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْحَالُ) لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ بِرّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْعَدَدِ إلَخْ) يَشْمَلُ مَا لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الطَّلَاقِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ م ر.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ نَوَتْ وَقَعَ الْمَنْوِيُّ، لَكِنْ لَوْ اخْتَلَفَ مَنْوِيُّهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ كَالْمِثَالِ الَّذِي زَادَهُ بِقَوْلِهِ إلَخْ) الْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ

ــ

[حاشية الشربيني]

الْمَنْهَجِ وَع ش عَلَى م ر نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْمُحَشِّي وَقَوْلُهُ: الَّتِي وَطِئَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الشَّبَهِ مَعَ الْحَمْلِ تُقَدَّمُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَحْمِلُ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ تَقْدِيمُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَفَادَهُ م ر فَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَامِلِ مِنْهُ أَيْ وَاَلَّتِي تَحْمِلُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ تَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الشَّيْخِ عَوَضٍ عَلَى الْخَطِيبِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا، وَهِيَ لَا تَحِيضُ أَصْلًا أَوْ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ فَقَطْ أَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ، إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالنِّفَاسِ، إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَلَوْ مَعَ النِّفَاسِ، إذَا كَانَتْ بِالْأَشْهُرِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْإِيلَاءِ) أَيْ إذَا لَمْ يَفِئْ، وَلَوْ بِاللِّسَانِ سم فَهُوَ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ اهـ. حَاشِيَةٌ مَنْهَجٌ. (قَوْلُهُ تَمْلِيكُهَا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ فِيهِ شَوْبَ تَعْلِيقٍ، نَعَمْ إنْ جَرَى بِلَفْظِ التَّوْكِيلِ فَهُوَ تَوْكِيلٌ اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ فَلْتُطَلِّقْ نَفْسَهَا حَالًا) وَلَا يَكْفِي عَنْ التَّطْلِيقِ قَوْلُهَا قَبِلْت، وَإِنْ نَوَتْ بِهِ الطَّلَاقَ كَمَا فِي التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْحَالُ) مَا لَمْ يَقُلْ طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّمْلِيكُ اشْتِرَاطَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمَّا قَبِلَ التَّعْلِيقَ سُومِحَ فِي تَمْلِيكِهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَالْأَصْفُونِيُّ وَالْحِجَازِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّهْذِيبِ عَنْ النَّصِّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. اهـ. خ ط وَم ر عَلَى الْمِنْهَاجِ.

(قَوْلُهُ وَفِي الضِّدِّ) كَأَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ الْمُصَنِّفَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ وَاقِعٌ بَيْنَ الصَّرِيحَيْنِ أَوْ الْكِنَاتَيْنِ كَمَا يُفِيدُ زِيَادَةُ لَفْظِهِ فِي قَبْلَ الضِّدِّ، لَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>