للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ لَمَّا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي اسْمِهَا وَنَسَبِهَا وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ مُظَاهِرٌ وَمُظَاهَرٌ مِنْهَا وَصِيغَةٌ وَمُشَبَّهٌ بِهِ وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا مَعَ تَعْرِيفِهِ شَرْعًا فَقَالَ (تَشْبِيهُ) الزَّوْجِ (ذِي التَّكْلِيفِ) أَيْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَلَوْ عَبْدًا وَكَافِرًا وَمَجْنُونًا وَخَصِيًّا (مَنْ) أَيْ زَوْجَةً (لَمْ تَبِنْ) مِنْهُ، وَلَوْ رَجْعِيَّةً وَكَافِرَةً وَمُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ وَصَغِيرَةً وَمَجْنُونَةً وَحَائِضًا وَنُفَسَاءَ (بِجُزْءِ أُنْثَى) لَمْ يَذْكُرْ لِلْكَرَامَةِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي (مَحْرَمٍ) بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (لَمْ تَكُنِ حِلًّا) لَهُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ يَدِهَا، أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا ظِهَارٌ كَمَا سَيَأْتِي.

فَخَرَجَ بِذَلِكَ تَشْبِيهُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ فَكَالْمُكَلَّفِ وَالتَّشْبِيهُ بِجُزْءٍ ذُكِرَ كَالْأَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ التَّمَتُّعِ أَوْ بِجُزْءِ أُنْثَى غَيْرِ مَحْرَمٍ كَالْمُلَاعَنَةِ وَأَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَحْرَمٍ لَكِنْ كَانَتْ حَلَالَهُ كَمُرْضَعَتِهِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهُنَّ لَا يُشْبِهْنَ الْمَحَارِمَ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ وَالتَّشْبِيهِ بِغَيْرِ الْجُزْءِ كَأَنْتِ كَأُمِّي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ يُقَالُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنْتِ كَجُمْلَةِ أُمِّي، أَوْ ذَاتِهَا أَوْ بَدَنِهَا، أَوْ نَفْسِهَا فَإِنَّهُ ظِهَارٌ مَعَ أَنَّ التَّشْبِيهَ لَيْسَ بِجُزْئِهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَالْجُزْءِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُذْكَرُ لِلْكَرَامَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِضَافَةُ بِأَنْ يَقُولَ أَنْتِ عَلَيَّ، أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي، أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي؛ لِأَنَّهَا مُتَبَادَرَةٌ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَجُزْأَهَا) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى مَنْ لَمْ تَبِنْ أَيْ: وَتَشْبِيهُ الْمُكَلَّفِ جُزْءَ مَنْ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ (كَشَعْرٍ) مِنْهَا بِجُزْءِ أُنْثَى مَحْرَمٍ لَمْ تَكُنْ حِلًّا كَقَوْلِهِ: شَعْرُكِ، أَوْ رَأْسُك، أَوْ يَدُك، أَوْ رِجْلُك، أَوْ نِصْفُك، أَوْ رُبُعُك كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ يَدُهَا، أَوْ شَعْرُهَا ظِهَارٌ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ كَمَا سَيَأْتِي.

فَيَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالْبَيْعِ وَقَضِيَّتُهُ صِحَّةُ إضَافَةِ الْإِيلَاءِ إلَى الْبَعْضِ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِيهِ تَفْصِيلًا فَقَالَا إنْ أَضَافَهُ إلَى الْفَرْجِ كَانَ مُولِيًا أَوْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَلَا، وَإِنْ قَالَ لَا أُجَامِعُ بَعْضَك فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْفَرْجَ، أَوْ لَا أُجَامِعُ نِصْفَك فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ قَالَ الْإِمَامُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَسَافِلَهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْبَعْضَ وَأَرَادَ الْفَرْجَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الْمَقْصُودَ وَأَضَافَهُ إلَى النِّصْفِ الشَّائِعِ لَا يَكُونُ مُولِيًا فَفِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ تَرْكِ الْجِمَاعِ فِي النِّصْفِ تَرْكُهُ فِي الْكُلِّ فَصَارَ كَإِضَافَتِهِ الطَّلَاقَ إلَى النِّصْفِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إضَافَةُ الطَّلَاقِ كَإِضَافَةِ الْعِتْقِ، أَمَّا الْجِمَاعُ فَفِعْلٌ مَحْسُوسٌ لَا يُعْقَلُ وُقُوعُهُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ، فَلَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ. انْتَهَى.

(أُطْلِقَا) أَيْ: سَوَاءٌ أَطْلَقَ الظِّهَارَ كَقَوْلِهِ أَنْت كَظَهْرِ أُمِّي (أَوْ كَانَ ذَا تَأْقِيتٍ) كَقَوْلِهِ أَنْت كَظَهْرِ أُمِّي يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا (أَوْ مُعَلَّقَا) كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ الْغَدُ أَوْ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْت كَظَهْرِ أُمِّي وَإِنَّمَا يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ. وَجْهُ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ شَبَهُهُ بِالطَّلَاقِ وَبِالْيَمِينِ إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةُ كَالْيَمِينِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَقَوْلُهُ: (ذَاكَ) أَيْ التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ (ظِهَارٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ تَشْبِيهٌ وَزَادَ عَلَى الْحَاوِي (مُنْكَرٌ) أَيْ: حَرَامٌ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَمَكْرُوهٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى كَالظِّهَارِ.

وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَالْيَمِينُ وَالْحِنْثُ غَيْرُ مُحَرَّمَيْنِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ قَدْ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ وَكَافِرًا) شَامِلٌ لِلْحَرْبِيِّ وَعَبَّرَ الرَّوْضُ بِالذِّمِّيِّ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ وَذِمِّيًّا وَكَافِرًا كَانَ أَعَمَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَخَصِيًّا) مَمْسُوحًا رَوْضٌ (قَوْلُهُ: كَمُرْضِعَةٍ) وَكَذَا ابْنَتُهَا الْمَوْلُودَةُ قَبْلَ ارْتِضَاعِهِ بِخِلَافِ الْمَوْلُودَةِ بَعْدَهُ وَكَذَا مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ زَوْجَةَ أَبِيهِ مَعَ وِلَادَتِهِ بِأَنْ تَمَّ انْفِصَالُهُ مَعَ تَمَامِ الْعَقْدِ كَزَوْجَةِ أَبِيهِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ (قَوْلُهُ: لَا يُشْبِهْنَ الْمَحَارِمَ) اللَّاتِي وَرَدَ النَّصُّ فِي الْأُمَّهَاتِ وَقِيسَ بِهِنَّ مِنْهُنَّ الْبَاقِي (قَوْلُهُ: وَجُزْئِهَا) اسْتَثْنَى فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ الْأَجْزَاءَ الْبَاطِنَةَ كَالْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ بِرّ (قَوْلُهُ: فِي النِّصْفِ) كَأَنَّ الْمُرَادَ الشَّائِعُ (قَوْلُهُ: أَيْ حَرَامٌ) ، بَلْ كَبِيرَةٌ ح ج (قَوْلُهُ وَزُورًا) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ) أَيْ:

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ وَمَجْبُوبًا) وَفَارَقَ الْإِيلَاءَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ الْوَطْءُ وَهُنَا مَا يَشْمَلُ التَّمَتُّعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ الْمَجْبُوبُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ حَرَّمَهُ أَفَادَ بَعْضُهُ م ر (قَوْلُهُ: أَوْ يَدِهَا) اعْتَمَدَ ع ش أَنَّهُ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ كَالطَّلَاقِ، فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ وُجُودِ الْجُزْءِ فَرَاجِعْهُ. وَفِي ق ل أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ، فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْجُزْءِ.

(قَوْلُهُ: فَفِيهِ احْتِمَالٌ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ، أَوْ قَالَ لَا أُجَامِعُ نِصْفَك الْأَسْفَلَ فَإِيلَاءٌ، أَوْ لَا أُجَامِعُ نِصْفَك الْأَعْلَى، أَوْ نِصْفَك، فَلَا يَكُونُ إيلَاءً إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالنِّصْفِ النِّصْفَ الْأَسْفَلَ فَيَكُونُ إيلَاءً. اهـ. بِاخْتِصَارٍ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ إنَّهُ إذَا أَطْلَقَ النِّصْفَ يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُصَدَّقُ بِكُلِّ نِصْفٍ فَيَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِوَطْءِ الْأَسْفَلِ فَهُوَ يَمْتَنِعُ مِنْهُ خَوْفَ الْحِنْثِ فَيَكُونُ مُولِيًا. اهـ. فَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يُعْقَلُ وُقُوعُهُ. . إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى عَدَمِ إيقَاعِهِ فِي النِّصْفِ بِقَيْدِ شُيُوعِهِ، بَلْ الْحَلِفُ عَلَى عَدَمِ إيقَاعِهِ فِيمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ النِّصْفُ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الَّذِي تَعَيَّنَ بِالْوُقُوعِ فِيهِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ) أَيْ: بِدُونِ نِيَّةِ الظِّهَارِ وَإِلَّا فَهُوَ كِنَايَةُ ظِهَارٍ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) أَيْ: إنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً وَنَحْوَهَا كَمَرِيضَةٍ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>