يَجِدْ رَقَبَةً يُحَصِّلُهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَيُكَلَّفُ الصَّبْرَ إلَى وُصُولِ الْمَالِ وَوَجَدَ أَنَّ الرَّقَبَةَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا يَصُومُ وَلَا نَظَرَ إلَى تَضَرُّرِهِ بِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ مُدَّةَ الصَّبْرِ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَ نَفْسَهُ فِيهِ
وَقَوْلُهُ: (أَوْ غَنَمًا ذَا حَلَبِ) بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَرَأْسَ مَالٍ كَسْبُهُ يَكْفِي هُنَا وَضَيْعَةً) أَيْ: أَوْ اقْتَنَى غَنَمًا ذَاتِ لَبَنٍ، أَوْ رَأْسَ مَالٍ لَهُ رِبْحٌ، أَوْ ضَيْعَةً لَهَا غَلَّةٌ وَكَانَ كُلٌّ مِنْ اللَّبَنِ وَالرِّبْحِ وَالْغَلَّةِ يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ، فَلَا يُكَلَّفُ بَيْعُهَا لِتَحْصِيلِ رَقِيقٍ يُعْتِقُهُ (إنْ) كَانَ بِحَيْثُ لَوْ (بَاعَهَا تَمَسْكَنَا) أَيْ: صَارَ مِسْكِينًا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ مَا مَرَّ آنِفًا وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرْطَ فِيمَا ذُكِرَ التَّعَسُّرُ وَالْمَشَقَّةُ لَا التَّعَذُّرُ الْكُلِّيُّ قَالَ الْإِمَامُ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى ضَرْبِ تَوَسُّعٍ فِي الْبَابِ وَإِنْ أَشْعَرَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: ١٩٦] بِالتَّضْيِيقِ
(ثُمَّ إلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ: ثُمَّ إنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ (دَفَعْ) إلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا يَعْنِي مَلَّكَهُمْ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْحَاوِي وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ مُمَلَّكًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (سِتِّينَ مُدًّا) مِمَّا يَكُونُ فِطْرَةً بَدَلًا عَنْ صَوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي دَفْعُ ذَلِكَ إلَى أَكْثَرِ مِنْ سِتِّينَ لِانْتِفَاءِ تَمْلِيكِ كُلٍّ مُدًّا وَلَا دَفْعِهِ إلَى دُونِ سِتِّينَ وَلَوْ فِي سِتِّينَ دَفْعَةً لِاشْتِمَالِ الْآيَةِ عَلَى الْعَدَدِ كَالْوَصْفِ بِالْمَسْكَنَةِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِالْوَصْفِ لَا يَجُوزُ بِالْعَدَدِ وَلَا دَفْعِ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ وَلَا التَّغْذِيَةِ وَالتَّعْشِيَةِ.
وَالتَّعْبِيرُ بِالْمِسْكَيْنِ يَشْمَلُ الْفَقِيرَ كَعَكْسِهِ كَمَا مَرَّ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ تَبَرُّكًا بِالْآيَةِ وَلِأَنَّ شُمُولَهُ لِلْفَقِيرِ أَظْهَرُ مِنْ شُمُولِ الْفَقِيرِ لَهُ
(قُلْتُ يَكْفِي لَوْ وَضَعَ) سِتِّينَ مُدًّا بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا (مُمَلِّكًا) ذَلِكَ لَهُمْ بِأَنْ قَالَ مَلَّكْتُكُمْ هَذَا وَأَطْلَقَ، أَوْ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ فَقَبِلُوهُ وَلَا نَظَرَ إلَى ضَرُورَةِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ لِخِفَّةِ أَمْرِهَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَغَيْرِهِ (أَمَّا) لَوْ قَالَ (خُذُوهُ وَنَوَى) بِهِ الْكَفَّارَةَ فَإِنْ أَخَذُوهُ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَهُ، أَوْ بِالتَّفَاوُتِ (فَكُلُّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَوَى مُدًّا فَمُجْزِيهِ وَمَنْ لَا) يَعْلَمُ أَنَّهُ حَوَاهُ (لَزِمَا) أَيْ: لَزِمَهُ (تَدَارُكٌ) لِذَلِكَ نَعَمْ إنْ أَخَذُوهُ مُشْتَرَكًا ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ فَقَدْ مَلَكُوهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا يَضُرُّ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْخُوذِ بَعْدَهَا وَمَا اُسْتُشْكِلَ بِهِ الْإِجْزَاءُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْكَيْلَ رُكْنٌ فِي قَبْضِ الْمَكِيلِ وَنِيَابَتُهُمْ عَنْ الْمُظَاهِرِ تُؤَدِّي إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْقَبْضِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ يُرَدُّ بِأَنَّ الْإِجْزَاءَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّمْلِيكِ وَحْدَهُ لَا عَلَى الْقَبْضِ أَيْضًا وَهُمْ مَلَكُوهُ فِي الْأُولَى بِقَوْلِهِمْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَخْذِهِمْ لَهُ جُمْلَةً.
وَأَمَّا الْقَبْضُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْكَيْلِ فَذَاكَ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْكَيْلَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَبْضِ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّرَاتِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ حَتَّى لَوْ أَعْطَى فِي الزَّكَاةِ حَبًّا جُزَافًا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ أَجْزَأَ قَطْعًا وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ أَعْطَاهُمْ ثَوْبًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لَمْ يَجُزْ لَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ لِأَنَّهُ عَلَّلَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِيمَا قَالَهُ بِأَنَّ الْمُخْرَجَ
ــ
[حاشية العبادي]
حَتَّى لَوْ كَانَتْ لَا تُوجَدُ مُطْلَقًا فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّبْرُ، وَإِنْ وُجِدَتْ، أَوْ أَمْكَنَ وُجُودُهَا فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَا فَوْقَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهَا مِنْ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ وَمِنْ الْبَعِيدِ عَدَمُ الضَّبْطِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إنْ وُجِدَتْ، أَوْ أَمْكَنَ وُجُودُهَا فِي الدُّنْيَا وَتَحْصِيلُهَا، وَلَوْ مِنْ مَسَافَةِ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ.
(قَوْلُهُ فَيُكَلَّفُ الصَّبْرَ) كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْمَعْنَى وَإِخْرَاجُ هَذِهِ كَالسَّابِقَةِ مِمَّا قَبْلَهُمَا
(قَوْلُهُ: أَوْ اقْتَنَى غَنَمًا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَطْفِ غَنَمًا وَمَا بَعْدَهُ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ عَبْدًا وَدَارًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا يُكَلَّفُ. . إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى تَصْوِيرِ النَّوَوِيِّ اعْتِبَارُ الْفَضْلِ عَنْ كِفَايَةِ سَنَةٍ بِرّ
(قَوْلُهُ: مِمَّا يَكُونُ فِطْرَةً) قَالَ فِي
ــ
[حاشية الشربيني]
مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَيَنْتَظِرُهُ، وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: يَكْفِي) أَيْ: لَا يَفْضُلُ عَنْ كِفَايَتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَقَوْلُهُ: هُنَا أَيْ: فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ عَجَزَ. . إلَخْ) وَلَوْ كَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ تَأَذَّى بِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُ الصَّوْمِ، بَلْ يَشْرَعُ فِيهِ فَإِذَا عَجَزَ أَفْطَرَ وَاسْتَأْنَفَ الطَّعَامَ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا دَفْعُهُ إلَى دُونِ سِتِّينَ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُ دَفْعُ السِّتِّينَ مُدًّا فِي سِتِّينَ يَوْمًا إلَى وَاحِدٍ. اهـ. حَاشِيَةُ الْأَنْوَارِ
(قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ بِقَرِينَةٍ. . إلَخْ) عِبَارَةُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ لَوْ جَمَعَ السِّتِّينَ وَوَضَعَ الطَّعَامَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَالَ مَلَّكْتُكُمْ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ فَقَبِلُوهُ جَازَ لَهُمْ الْقِسْمَةُ بِالتَّفَاوُتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ خُذُوهُ وَنَوَى الْكَفَّارَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُجْزِئُهُ إنْ أَخَذُوهُ بِالسَّوِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا فِيمَنْ أَخَذَ مُدًّا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَتِلْكَ بِأَنَّ الْمُمَلِّكَ ثَمَّ الْقَبُولُ الْوَاقِعُ بِهِ التَّسَاوِي قَبْلَ الْأَخْذِ وَهُنَا لَا مُمَلِّكَ إلَّا الْأَخْذُ فَاشْتُرِطَ التَّسَاوِي فِيهِ. اهـ. بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ التَّمْلِيكَ مَعَ الْقَبُولِ شَرْطٌ لِلْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا بِخِلَافِ الْأَخْذِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا مَنْ أَخَذَ مُدًّا كَمَا يُفِيدُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا بَعْدُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. . إلَخْ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ نَعَمْ إنْ أَخَذُوهُ مُشْتَرَكًا فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَّكَهُمْ وَقَبِلُوا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ) نَقَلَ ق ل عَنْ شَيْخِهِ أَيْ: ز ي أَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّمْلِيكِ مُجَرَّدُ الْوَضْعِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ م ر وَحَجَرٍ أَنَّهُ يَكْفِي الدَّفْعُ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ تَمْلِيكٍ.
(قَوْلُهُ: بِأَخْذِهِمْ لَهُ جُمْلَةً) اُنْظُرْهُ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهَا لَيْسَ جُمْلَةً اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ الْإِشْكَالَ بِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ. . إلَخْ لَكِنَّهُ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ قِيلَ. . إلَخْ)