وَإِنَّمَا لَمْ يُلَاعِنْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لِنَفْيِهِ وَهُوَ أَنْ يُلْحِقَهُ الْقَائِفُ بِالْوَاطِئِ فَتَعَيَّنَ وَلِهَذَا لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ وَلَدِ الْأَمَةِ لِإِمْكَانِ نَفْيِهِ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ، أَوْ كَانَ وَتَحَيَّرَ، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا تُرِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ فَيُنْتَسَبُ لَكِنْ لَوْ انْتَسَبَ لِلزَّوْجِ لَاعَنَ لِتَعَيُّنِهِ الْآنَ طَرِيقًا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ مُشْكِلٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ لَا جَرَمَ جَزَمَ صَاحِبُ الْمُهَذِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ إذَا أَلْحَقَهُ بِهِ الْقَائِفُ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، بَلْ لَهُ اللِّعَانُ كَمَا جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِفِ إنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَا أَنَّهُ يُثْبِتُ نَسَبًا لَازِمًا عَلَى مُنْكِرٍ. اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ إلْحَاقَ الْقَائِفِ أَقْوَى مِنْ الِانْتِسَابِ.
أَمَّا لِعَانُهُ لِنَفْيِ التَّعْزِيرِ فَجَائِزٌ وَحَيْثُ لَاعَنَ الْمُكَلَّفُ إنَّمَا يُلَاعِنُ (إنْ كَانَ) الْوَطْءُ الْمَقْذُوفُ بِهِ (فِي النِّكَاحِ) فَلَوْ قَذَفَ فِيهِ بِزِنًا أَضَافَهُ إلَى مَا قَبْلَهُ وَلَا وَلَدَ لَمْ يُلَاعِنْ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ وَلَدٌ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ كَذَلِكَ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَقْوَى لِتَقْصِيرِهِ بِالتَّارِيخِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُطْلِقَ الْقَذْفَ لَكِنْ لَهُ إنْشَاءُ قَذْفٍ مُطْلَقٍ وَيُلَاعِنُ فَإِنْ لَمْ يُنِشِ حُدَّ وَثَانِيهِمَا وَنَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ الْوَلَدَ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا فَيَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ وَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ بِلِعَانِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدُّ الزِّنَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُلَطِّخْ فِرَاشَهُ حَتَّى يَنْتَقِمَ مِنْهَا بِاللِّعَانِ وَإِنَّمَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْعِقَابِ (إنْ تَسْأَلْ) أَيْ: الْمَرْأَةُ (فِي هَذَا) أَيْ: الْعِقَابِ فَلَوْ عَفَتْ عَنْهُ أَوْ سَكَتَتْ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ لَمْ يُلَاعِنْ إذْ الْعُقُوبَةُ لَا تُسْتَوْفَى إلَّا بِطَلَبِهَا بِخِلَافِ اللِّعَانَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهَا (وَلَوْ بِسَبْقِ) أَيْ: مَعَ سَبْقِ (جَحْدِ الْقَذْفِ) بِأَنْ جَحَدَهُ ثُمَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ فِعْلِهِ اللِّعَانُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ تَأْوِيلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ لَهُ تَأْوِيلَانِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْحَدْ.
نَعَمْ إنْ جَحَدَ مَعَ ذَلِكَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ مَا قَذَفْتُك وَمَا زَنَيْت ثُمَّ ثَبَتَ قَذْفُهُ حُدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ شَهِدَ بِعِفَّتِهَا فَكَيْفَ يُحَقَّقُ زِنَاهَا إلَّا إذَا أَنْشَأَ قَذْفًا وَمَضَى إمْكَانُ الزِّنَا بَعْدَ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ عَلَيْهِ حَمْلُ إطْلَاقِ الْقَاضِي جَوَازَ اللِّعَانِ (أَوْ) مَعَ سَبْقِ (امْتِنَاعٍ) مِنْهُ، أَوْ مِنْهَا عَنْ اللِّعَانِ قَبْلَ الْحَدِّ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ فَلِلْمُمْتَنِعِ اللِّعَانُ وَتَسْقُطُ بِهِ الْعُقُوبَةُ، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا كَمَا فِي الْبَيِّنَةِ وَأَلْحَقَ اللِّعَانَ بِهَا فِي هَذَا، وَإِنْ كَانَ يَمِينًا لِمُشَابَهَتِهِ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الزَّوْجَ يَأْتِي بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ وَيُؤَثِّرَ فِي إثْبَاتِ الْحَدِّ عَلَيْهَا كَالْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْيَمِينِ فِي امْتِنَاعِ الْعَوْدِ إلَيْهَا بَعْدَ النُّكُولِ؛ لِأَنَّهَا بِالنُّكُولِ تَنْتَقِلُ إلَى الْمُدَّعِي فَفِي تَمْكِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الِانْتِقَالِ إبْطَالُ حَقِّهِ وَاللِّعَانُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْغَيْرِ
(عَدَّهُنَّ)
ــ
[حاشية العبادي]
يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ يُنْظَرَ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَهُوَ لِنَفْيِ الِانْتِسَابِ الْمُمْكِنِ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ، أَوْ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ فَإِنْ كَانَ شَامِلًا لِمَا لَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ مُزَوَّجَةً فَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ هُنَا وَإِنَّمَا لَمْ يُلَاعِنْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لِنَفْيِهِ، وَهُوَ أَنْ يَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالزَّوْجِ كَمَا قَالَ فِي قَوْلِهِ، أَوْ بِالزَّوْجِ فَكَذَلِكَ. . إلَخْ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ اللِّعَانِ وَعَدَمِهِ إذَا أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالزَّوْجِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ: مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ كَانَ هُنَا طَرِيقٌ آخَرُ لِنَفْيِهِ، وَهُوَ أَنْ يَنْتَسِبَ لِغَيْرِ الزَّوْجِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا لِعَانُهُ لِنَفْيِ التَّعْزِيرِ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِي الرَّمْيِ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِهِ فَفِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى إيذَاءً فَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ مِنْ نَفْيِ التَّعْزِيرِ عِنْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى التَّعْزِيرِ لِلْقَذْفِ كَمَا فِي قَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ لَا عَلَى التَّعْزِيرِ لِلْإِيذَاءِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنَعَ حَيْثُ بِصِدْقِهِ أَوْ الْكَذِبِ قَطَعَ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا مَعَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: فَجَائِزٌ) ، وَذَلِكَ لِمَا سَلَفَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا وَطِئَكِ شَخْصٌ بِشُبْهَةٍ مِنْك وَمِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لِلْإِيذَاءِ بِرّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَفَتْ عَنْهُ. . إلَخْ) فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ فَلَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ، أَوْ عَفَتْ عَنْ الْعُقُوبَةِ، أَوْ لَمْ تَطْلُبْ أَيْ: الْعُقُوبَةَ، أَوْ جَنَتْ بَعْدَ قَذْفِهِ وَلَا وَلَدَ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، فَلَا لِعَانَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْعُقُوبَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَسُقُوطِهَا فِي الْبَقِيَّةِ وَتَعْبِيرِي هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْعُقُوبَةِ الشَّامِلَةِ لِلتَّعْزِيرِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْحَدِّ. اهـ. فَانْظُرْ مَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ سُقُوطِ التَّعْزِيرِ إذَا ثَبَتَ الزِّنَا بَعْدَ الْقَذْفِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ الَّذِي وَجَبَ لِلْقَذْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَذْفٌ لِكَوْنِ الْمَقْذُوفِ غَيْرُ مُحْصَنٍ، أَمَّا التَّعْزِيرُ لِلْمَنْعِ مِنْ الْإِيذَاءِ فَلَا يَسْقُطُ كَمَا فِي عَكْسِ ذَلِكَ بِأَنْ قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ فَإِنَّهُ لَا لِعَانَ وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ وَاللَّفْظُ لِلرَّوْضِ وَلَا تُلَاعِنُ لِتَعْزِيرٍ وَجَبَ لِلتَّأْدِيبِ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ، أَوْ ظُهُورِ صِدْقِهِ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ وَكَبِيرَةٍ ثَبَتَ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ. اهـ. بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ مَعَ ثُبُوتِ الزِّنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَتَقَدَّمَ الْقَذْفُ عَلَى الثُّبُوتِ فِي الْأَوَّلِ وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي لَا أَثَرَ لَهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ مَعْنَى الْأَوَّلِ فَلْيُحَرَّرْ النَّقْلُ (قَوْلُهُ: أَوْ امْتِنَاعٍ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ
(فَرْعٌ) امْتَنَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ اللِّعَانِ ثُمَّ طَلَبَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ أَيْ: أَوْ قَبْلَهُ مُكِّنَ مِنْهُ لَا بَعْدُ إلَّا إنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ أَيْ: وَالطَّالِبُ الزَّوْجُ اهـ لَا الزَّوْجَةُ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ) كَانَ الْمُرَادُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ طَلَبَ خَصْمِهِ لَا مُطْلَقًا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ. . إلَخْ) وَلِثُبُوتِ صِدْقِ الزَّوْجِ شَرْحُ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ مُشْكِلٌ) يَرُدُّ الْإِشْكَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute