للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: يُلَاعِنُ بِعَدَدِ النِّسْوَةِ إذَا قَذَفَهُنَّ، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا مَرَّ فِي تَعَدُّدِ الْحَدِّ بِتَعَدُّدِ الْمَقْذُوفِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَاهَا بِأَجْنَبِيٍّ يَكْفِيهِ لِعَانٌ وَاحِدٌ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا لَازِمٌ لِفِعْلِهِ بِخِلَافِ فِعْلِهَا مَعَ فِعْلِ غَيْرِ الزَّانِي بِهَا.

(وَمُنِعْ حَيْثُ بِصِدْقِهِ أَوْ الْكِذْبِ قُطِعْ) أَيْ: وَمُنِعَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ الْعُقُوبَةِ حَيْثُ قُطِعَ ظَاهِرًا بِصِدْقِهِ بِأَنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِإِقْرَارِهَا، أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَحَيْثُ قُطِعَ بِكَذِبِهِ كَأَنْ قَذَفَ صَغِيرَةً لَا تُوطَأُ، أَوْ رَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ، أَوْ نَسَبَهَا إلَى الزِّنَا بِمَمْسُوحٍ، أَوْ صَبِيٍّ ابْنِ شَهْرٍ مَثَلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُقُوبَةَ نَوْعَانِ حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ كَمَا شَمَلَهُمَا قَوْلُهُ عِقَابٌ فَالْحَدُّ يُلَاعِنُ لِنَفْيِهِ وَالتَّعْزِيرُ نَوْعَانِ تَعْزِيرُ تَكْذِيبٍ، وَهُوَ مَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْقَاذِفِ الْكَاذِبِ ظَاهِرًا بِأَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ كَذِمِّيَّةِ وَرَقِيقَةٍ وَصَغِيرَةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ ذَلِكَ وَتَعْزِيرُ تَأْدِيبٍ، وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ بِصِدْقِهِ ظَاهِرًا، أَوْ بِكَذِبِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَا لِعَانَ فِيهِمَا، أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ اللِّعَانَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ فِيهِ لِلسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ بِقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فَيُعَزَّرُ لَا لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ قَطْعًا فَلَمْ يُلْحِقْ بِهَا عَارًا، بَلْ مَنْعًا لَهُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَالْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ.

وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَحُدَّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيًا لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ التَّعْزِيرِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَهَذِهِ وَارِدَةٌ عَلَى كَلَامِهِ، وَيُمْكِنُ إدْرَاجُهَا فِي الْقَطْعِ بِالْكَذِبِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْقَطْعِ بِهِ ظَاهِرًا

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ ثَمَرَاتِ اللِّعَانِ فَقَالَ (وَبِلِعَانِ الزَّوْجِ) لِنَفْيِ نَسَبٍ، أَوْ عُقُوبَةٍ (حُرْمَةُ الْأَبَدْ تَثْبُتُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْذُوفَةِ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا وَوَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَلَكَهَا لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» لَكِنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ الْفُرْقَةِ عَلَى تَلَاعُنِهِمَا مَعًا، وَلَيْسَ مُرَادًا كَالْفُرْقَةِ بِغَيْرِ اللِّعَانِ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِوُجُودِ سَبَبٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالتَّأْبِيدُ هُنَا صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ لَا طَلَاقٍ كَالرَّضَاعِ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَتَحْصُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّلَاقِ فِيهَا وَمَا رُوِيَ: «أَنَّ عُوَيْمِرَ أَطْلَقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ فَلِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا»

أَيْ: لَا مِلْكَ، فَلَا يَقَعُ طَلَاقُك قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَهُمَا بِالْفُرْقَةِ إنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ كَمَا أَعْلَمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: (لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا) وَاحْتَرَزَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (عِنْدَنَا) عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَأَبَّدُ وَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِاللِّعَانِ، بَلْ

ــ

[حاشية العبادي]

مِنْ أَمْرِ الْحَاكِمِ بِهِ وَتَلْقِينِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَبِاعْتِقَالٍ

(قَوْلُهُ: يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ) أَيْ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَقْذُوفُ هُنَا أَيْضًا، وَهُوَ هِيَ وَالْأَجْنَبِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِبَيِّنَةٍ) أَيْ: ثُمَّ قَذَفَهَا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، أَوْ لِعَانٌ مِنْهُ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ. اهـ. أَيْ: فَلَا يُلَاعِنُ لِقَذْفِهِ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اللِّعَانِ وَلَا حَدَّ بِذَلِكَ الْقَذْفِ، بَلْ يُعَزَّرُ فَقَطْ وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَا قَذَفَ بِهِ ثَانِيًا غَيْرَ مَا ثَبَتَ بِلِعَانِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي جَمِيعُ ذَلِكَ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ. . إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ مَعَ ثُبُوتِ الزِّنَا.

(قَوْلُهُ: وَحُدَّ لِلْقَذْفِ) أَيْ: لِكَوْنِهِ لَمْ يُلَاعِنْ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيًا، سَوَاءٌ كَانَ بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضِ فِي الثَّانِي وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يُحَدُّ، أَوْ يُعَزَّرُ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَتَقَدَّمَ بِهَامِشِ قَوْلِهِ وَلَوْ بِتَكْرَارٍ فِيمَا لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيًّا وَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا، وَلَوْ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فَقَطْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِلَافٌ فَانْظُرْ الْفَرْقَ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ وَارِدَةٌ) قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَمُنِعَ حَيْثُ لَيْسَ فِيهِ حَصْرُ الْمَنْعِ فِيمَا ذُكِرَ

(قَوْلُهُ: وَبِلِعَانِ الزَّوْجِ حُرْمَةُ الْأَبَدِ) وَكَذَا بِلِعَانِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ حَيْثُ جَازَ بِأَنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ كَمَا يَأْتِي وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَبَانَهَا تَلَاعَنَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ أَوْ الْعُقُوبَةِ وَتَتَأَبَّدُ حُرْمَتُهَا بِلِعَانِهِ، وَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا، أَوْ قَذَفَ مَوْطُوءَتَهُ بِشُبْهَةٍ لَمْ يُلَاعِنْ لِدَفْعِ الْحَدِّ كَالْأَجْنَبِيِّ بَلْ لِنَفْيِ وَلَدٍ، أَوْ حَمْلٍ فَيَنْدَفِعُ بِهِ النَّسَبُ وَالْعُقُوبَةُ وَتَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ وَلَا يَلْزَمُهَا حَدُّ الزِّنَا وَلَا تُلَاعِنُ نَعَمْ إنْ قَالَ زَنَيْت فِي نِكَاحِي حُدَّتْ وَلَاعَنَتْ لِلدَّفْعِ وَإِذَا لَاعَنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَبَانَ عَدَمُهُ فَسَدَ لِعَانُهُ وَحُدَّ وَكَذَا لَوْ لَاعَنَ زَوْجٌ وَلَا وَلَدَ ثُمَّ بَانَ فَسَادُ نِكَاحِهِ. اهـ.

وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ الْفَسَادُ لَا تَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَفِي الرَّوْضِ فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ أَيْ: الزَّوْجُ وَحُدَّ لِقَذْفِهَا فَطَالَبَهُ الرَّجُلُ أَيْ: الْمَقْذُوفُ بِهِ أَيْ: بِالْحَدِّ وَقُلْنَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ فَلَهُ اللِّعَانُ وَهَلْ تَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ بِاللِّعَانِ لِأَجْلِهِ فَقَطْ وَجْهَانِ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ قَالَ الْبَغَوِيّ قِيلَ يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَنْقُولَ تَأَبُّدُ الْحُرْمَةِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَأَبُّدُ الْحُرْمَةِ بِلِعَانِ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ: حُرْمَةُ الْأَبَدِ) أَيْ: حَتَّى فِي الْجَنَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ

ــ

[حاشية الشربيني]

تَعْلِيلُ الْبَغَوِيّ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْأُولَى بِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا إلَخْ وَالثَّانِيَةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ سِوَى اللِّعَانِ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ قَالَ وَهُوَ أَوْضَحُ مِنْ فَرْقِ الشَّيْخِ بِأَنَّ إلْحَاقَ الْقَائِفِ أَقْوَى. اهـ. لَكِنَّ الْمُحَشِّيَ أَشَارَ لِدَفْعِ مَا قَالَهُ حَجَرٌ بِأَنَّهُ أَيْضًا فِي الِانْتِسَابِ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لِنَفْيِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْتَسِبَ لِغَيْرِ الزَّوْجِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَبِلِعَانِ الزَّوْجِ. . إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَذَبَ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ. اهـ. شَرْحُ م ر وَفِيمَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يَعُودُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أَيْضًا وَخَالَفَ فِي الْمَطْلَبِ فَقَالَ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ وَوَافَقَهُ خ ط. اهـ. ق ل (قَوْلُهُ: أَوْ عُقُوبَةٍ) كَتَبَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ عَلَى قَوْلِ الْمِنْهَاجِ لَهُ اللِّعَانُ لِدَفْعِ التَّعْزِيرِ مَا نَصُّهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَثْبُتُ بِهَذَا اللِّعَانِ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ الْعُقُوبَةَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْحَدُّ شَرْحُ م ر وَنَقَلَ ق ل عَنْ الْمَطْلَبِ وَوَافَقَهُ خ ط سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَلَا تَسْقُطُ حَصَانَتُهَا. اهـ. شَرْقَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: صِفَةٌ تَابِعَةٌ) أَيْ: لَا تَصْلُحُ فَارِقًا بَيْنَ فُرْقَةِ اللِّعَانِ وَفُرْقَةِ غَيْرِهِ

(قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>