للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِذَلِكَ أَيْضًا إنْ حَاضَتْ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَلِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْآيِسَاتِ بِخِلَافِ الْأُولَى إذَا حَاضَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنَّ حَيْضَهَا لَا يَمْنَعُ صِدْقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عِنْدَ اعْتِدَادِهَا بِالْأَشْهُرِ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْفَرَاغِ قَيْدٌ لِلْأُولَى فَقَطْ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَيْدٌ لِلثَّانِيَةِ أَيْضًا فَلَوْ وَسَّطَهُ بَيْنَهُمَا كَالْحَاوِي لَزَالَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: قَبْلَ نِكَاحٍ قَيْدٌ لِلثَّانِيَةِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ حَاضَتْ بَعْد أَنْ نُكِحَتْ فَلَا تَسْتَأْنِفُ، بَلْ يَكْتَفِي بِمَا مَضَى لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ بِهَا وَلِلشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ كَمَا إذَا قَدَرَ الْمُتَيَمِّمُ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ: يَطْرَأُ تَكْمِلَةٌ

ثُمَّ ثَنَّى بِالضَّرْبِ الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفُرْقَةِ الْوَفَاةِ فَقَالَ (وَبِوَفَاةِ الزَّوْجِ وَهِيَ) أَيْ: وَالزَّوْجَةُ (حُرَّهْ) حَائِلٌ تَعْتَدُّ (بِأَشْهُرٍ أَرْبَعَةٍ وَعَشْرَهْ) مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْحَرَائِرِ الْحَائِلَاتِ لِمَا سَيَأْتِي، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَالْمَدْخُولُ بِهَا وَذَاتُ الْأَقْرَاءِ وَغَيْرُهَا وَالرَّجْعِيَّةُ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَمَا مَرَّ وَزَوْجَةُ الصَّبِيِّ وَغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ مَا أَمْكَنَ فَإِنْ جَهِلَتْ اسْتِهْلَالَ الْأَهِلَّةِ لِحَبْسٍ، أَوْ غَيْرِهِ اعْتَدَّتْ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا أَخَذَ بِالْأَحْوَطِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْبَائِنَ لَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَأَنَّ وَفَاةَ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا تُوجِبُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ، بَلْ تَعْتَدُّ كَمَا فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ الْوَطْءُ كَمَا فِي عِدَّةِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ فُرْقَةَ الْوَفَاةِ لَا إسَاءَةَ فِيهَا مِنْ الزَّوْجِ فَأُمِرَتْ بِالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْدَادُ كَمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّهَا قَدْ تُنْكِرُ الدُّخُولَ حِرْصًا عَلَى النِّكَاحِ وَلَا مُنَازِعَ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْأَعْظَمَ حِفْظُ حَقِّ الزَّوْجِ دُونَ مَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ بِالْأَشْهُرِ

(وَبِطَلَاقِ بَائِنٍ قَدْ أُبْهِمَا) بِأَنْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ طَلَاقًا بَائِنًا مُبْهِمًا، وَلَوْ لَفْظًا وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، أَوْ التَّعْيِينِ حَالَةَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (مَمْسُوسَةً حَالَتْ) أَيْ مَوْطُوءَةً حَائِلًا تَعْتَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا (بِالْأَقْصَى مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ عِدَّتَيْ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارِقَةً بِالطَّلَاقِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارِقَةً بِالْوَفَاةِ فَأَخَذْنَا بِهِ احْتِيَاطًا وَتُعْتَبَرُ عِدَّةُ الطَّلَاقِ مِنْ وَقْتِهِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ وَقْتِهَا فَلَوْ مَضَى قُرْءٌ، أَوْ قُرْآنِ قَبْلَ الْوَفَاةِ اعْتَدَّتْ بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَمِنْ قُرْأَيْنِ، أَوْ قُرْءٍ وَخَرَجَ بِالْبَائِنِ الرَّجْعِيَّةُ وَبِالْمَمْسُوسَةِ غَيْرُهَا فَتَعْتَدَّانِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَمَا مَرَّ وَبِالْحَائِلِ الْحَامِلُ فَتَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ كَمَا سَيَأْتِي وَذَاتُ الْأَشْهُرِ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَقْصَى فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِ فَلَوْ اخْتَلَفَتَا فَكَانَتْ إحْدَاهُمَا حَامِلًا، أَوْ مَمْسُوسَةً، أَوْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ وَالْأُخْرَى بِخِلَافِهَا عَمِلَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ، وَلَوْ أَحْبَلَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا وَمَاتَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَقِيلَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْصَى مِنْ الْوَضْعِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ.

وَقِيلَ يَكْفِي الْوَضْعُ وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي وَالتَّصْرِيحُ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّظْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ

وَيَجِبُ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْوَفَاةِ الْإِحْدَادُ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا تَرْكُهَا التَّزْيِينَ بِمَا سَيَأْتِي كَمَا قَالَ (وَتَتْرُكُ) وُجُوبًا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ (التَّزْيِينَ بِالْمَصْبُوغِ) مِنْ اللِّبَاسِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: لَا يُحْسَبُ مَا مَضَى شَهْرًا) أَيْ: بَلْ يُحْسَبُ مَا مَضَى قُرْءًا، أَوْ قُرْأَيْنِ بِحَسَبِ مَا مَضَى مِنْهُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَفَادَهُ التَّنْظِيرُ الْمَنْقُولُ بِالْهَامِشِ عَنْ الرَّوْضِ وَمُوَافِقٌ لِاعْتِرَاضِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: إذَا حَاضَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَيْسَتْ قَطْعًا وَقَوْلُهُ فَإِنَّ حَيْضَهَا. . إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْأُولَى الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى فَكَانَ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى عَنْ قَوْلِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَيْسَتْ قَطْعًا أَيْ: لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْآيِسَاتِ لَا يَسْتَقِلُّ وَلَا مَعْنَى لَهُ بِدُونِهِ وَقَدْ يَمْنَعُ الْقَطْعَ الْمَذْكُورَ وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى وَقَوْلُهُ: لِتَبَيُّنِ إلَخْ أَيْ: مُطْلَقًا أَيْ: قَبْلَ الْفَرَاغِ وَبَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَيْدٌ لِلثَّانِيَةِ أَيْضًا) هُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: قَبْلَ نِكَاحٍ يَطْرَأُ تَعْبِيرٌ فَاسِدٌ لَا مَعْنَى لَهُ عَلَى هَذَا الِاقْتِضَاءِ فَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: قَبْلَ نِكَاحٍ مَانِعٍ مِنْ هَذَا الِاقْتِضَاءِ وَمُبَيِّنٍ لِمُرَادِهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا بُرُلُّسِيٌّ وَقَوْلُهُ: تَعْبِيرٌ فَاسِدٌ إذْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِدَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ نِكَاحٌ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلتَّقْيِيدِ بِقَبْلَ النِّكَاحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ لَازِمِ التَّقْيِيدِ بِقَبْلَ الْفَرَاغِ التَّقْيِيدُ بِقَبْلَ النِّكَاحِ سم وَكَتَبَ أَيْضًا فِي فَسَادِ التَّعْبِيرِ نَظَرٌ، بَلْ لَيْسَ اللَّازِمُ هُنَا عَلَى الِاقْتِضَاءِ الْمَذْكُورِ إلَّا الِاسْتِدْرَاكُ سم.

وَقَوْلُهُ: وَمُبَيِّنٌ لِمُرَادِهِ حَاصِلُهُ أَنَّ قَرِينَةَ الْمَعْنَى وَاسْتِحَالَةَ نِكَاحٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ خَاصٌّ بِالْأُولَى وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِقَبْلَ النِّكَاحِ لِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْيِيدِ فِيهَا قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِقَبْلَ الْفَرَاغِ وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ قَبْلَ نِكَاحٍ، فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ وَمَا بَعْدَهُ سم (قَوْلُهُ: قَيَّدَ فِي الثَّانِيَةِ) إذْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأُولَى مَعَ تَقْيِيدِهَا بِقَبْلَ الْفَرَاغِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ

(قَوْلُهُ: فَأَخَذْنَا بِهِ) أَيْ الْأَقْصَى (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمُبْهَمَةِ مِنْ التَّعْيِينِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَيِسَ مِنْهُ لِمُدَّتِهِ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ ح ج (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِهَا) أَيْ الْوَفَاةِ، وَلَوْ مَضَتْ الْأَقْرَاءُ كُلُّهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ كُلًّا حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا مُتَوَفًّى عَنْهَا وَأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَالْآيِسَةِ فَإِنَّهُمَا يُكْمِلَانِ الْمُنْكَسِرَ لِتَأَصُّلِ الْأَشْهُرِ فِي حَقِّهِمَا. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا

(قَوْلُهُ: وُجُوبًا) خِلَافًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ حَيْثُ قَالَ بِنَدْبِهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: مِنْ اللِّبَاسِ) وَمِنْهُ مَا يَتَغَطَّى بِهِ كَلِحَافٍ كَمَّلَ بَحْثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا إنَّهُ الْأَوْجَهُ مُطْلَقًا وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ حِلَّهُ لَيْلًا. اهـ. سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ (قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>