الشَّيْخَانِ فِيمَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيِّ (وَأَلْحَقَ الْقَائِفُ) الْوَلَدَ بِأَحَدِهِمَا حَيْثُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا (فِيمَا قَدْ فَسَدْ) مِنْ النِّكَاحِ الثَّانِي وَظَنَّ النَّاكِحُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، أَوْ ظَنَّ حِلَّ الْمُعْتَدَّةِ وَكَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَالُ عِنْدَ الْوَطْءِ فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَهُ وَتَعْتَدُّ عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ اشْتَبَهَ الْحَالُ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ انْتَظَرَ بُلُوغَهُ وَانْتِسَابَهُ بِنَفْسِهِ.
وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَطْ لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُ بِوَضْعِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلثَّانِي، أَوْ مِنْ الثَّانِي فَقَطْ لَحِقَهُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَنْفِيٌّ عَنْهُمَا (وَ) يُعْتَبَرُ (مِنْ زَمَانِ الْوَطْءِ) فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا مِنْ زَمَانِ الْعَقْدِ (إمْكَانُ الْوَلَدْ) أَيْ: مُدَّةُ إمْكَانِهِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ (وَ) تُعْتَبَرُ (عِدَّةُ الْوَطْءِ) فِي ذَلِكَ (مِنْ التَّفْرِيقِ) بَيْنَهُمَا بِالْقَاضِي أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (أَوْ مَوْتِهِ عَنْهَا أَوْ التَّطْلِيقِ) أَيْ: أَوْ تَطْلِيقِهِ لَهَا بِظَنِّ الصِّحَّةِ، أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْهَا بِعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ يَزُولُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ: أَوْ مَوْتِهِ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ إمْكَانَ الْوَلَدِ فِيمَا تَقَرَّرَ اسْتَطْرَدَ ذِكْرَ مَا يُنَاسِبُهُ فَقَالَ (أَقَلُّ إمْكَانٍ لِمَوْلُودٍ كَمَلْ) أَيْ: لِوَضْعِ وَلَدٍ كَامِلٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ حِينِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ وَلَحْظَةٌ لِلْوِلَادَةِ فَلَوْ ادَّعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تُصَدَّقْ وَكَانَ لِلزَّوْجِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَنْ يُرَاجِعَهَا.
وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْأَشْهُرَ السِّتَّةَ هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] مَعَ قَوْلِهِ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤] لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الِانْفِصَالُ فِي عَامَيْنِ فَالْبَاقِي مِنْ الثَّلَاثِينَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَبَيْنَ تَوْأَمَيْنِ الْأَقْصَى مَعْ خَلَلْ) أَيْ: فَسَادٍ يَأْتِي بَيَانُهُ أَيْ: وَأَقْصَى الْمُدَّةِ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) بِلَا لَحْظَتَيْنِ
(وَ) إنَّمَا (قُلْتُ مَعْ خَلَلْ) أَيْ: فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي (إذْ هَذِهِ الْمُدَّةُ لِلْحَمْلِ الْأَقَلْ) أَيْ: هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ (وَإِنْ تَخَلَّلَتْ) بَيْنَهُمَا (يَكُنْ ذَا) أَيْ: الثَّانِي (حَمْلَا آخِرَ فَاشْرِطْ كَوْنَهُ) أَيْ: الْأَقْصَى بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ (أَقَلَّا) مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لِلرَّافِعِيِّ) هَذَا (الْبَحْثُ) اعْتَرَضَ بِهِ كَلَامَ الْوَجِيزِ وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ذَلِكَ بِأَنَّ كَوْنَهُ حَمْلًا آخَرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وَطْءٍ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّانِيَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَضْعِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ مِنْهَا مَا يَسَعُ الْوَطْءَ فَيَكُونُ الْبَاقِي دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِاسْتِدْخَالِهَا الْمَنِيَّ حَالَةَ وَضْعِ الْأَوَّلِ وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْوَطْءِ فِي قَوْلِهِمْ يُعْتَبَرُ لَحْظَةً لِلْوَطْءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ الْوَطْءُ، أَوْ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ هُنَا، بَلْ قَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ الْوَطْءُ حَالَةَ الْوَضْعِ (وَالتَّصْوِيرُ أَقَلُّهُ) أَيْ: وَأَقَلُّ مُدَّةِ إمْكَانِ وَضْعِ سِقْطٍ مُصَوَّرٍ (أَرْبَعَةٌ شُهُورُ) مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا كَمَا عَبَّرَ بِهَا الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَلَحْظَتَانِ وَأَقَلُّ إمْكَانِ وَضْعِ (لَحْمٍ) أَيْ: سِقْطٍ غَيْرِ مُصَوَّرٍ (ثَمَانُونَ) يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ»
(قُرُوءُ الطُّهْرِ) بِالْجَمْعِ أَوْ بِالْإِفْرَادِ أَيْ: وَأَقَلُّ مُدَّةِ إمْكَانِ انْقِضَاءِ الْأَقْرَاءِ الَّتِي هِيَ الْأَطْهَارُ لِلْحُرَّةِ الْمُعْتَادَةِ إذَا طَلُقَتْ (فِي الطُّهْرِ ضِعْفُ سِتَّةٍ وَعَشْرِ) أَيْ: اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ لَحْظَةٌ لِلْقُرْءِ الْأَوَّلِ وَلَحْظَةٌ لِلطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ لِتَبَيُّنِ الْقُرْءِ الثَّالِثِ لَا مِنْ الْعِدَّةِ، فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِيهَا وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ مُدَّةُ الْإِمْكَانِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ فَذِكْرُهُ الطُّهْرَ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ بَعْدَ الْقُرْءِ إيضَاحٌ وَتَكْمِلَةٌ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَظَنَّ النَّاكِحُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يُفْهِمُ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ) فَالنِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ: انْتَظَرَ بُلُوغَهُ وَانْتِسَابَهُ) أَيْ وَلَكِنْ إذَا وَضَعَتْهُ وَمَضَى بَعْدَ الْوَضْعِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَلَوْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنْ نَفَيَاهُ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ بَعْدَ الْوَضْعِ تَكْمُلُ الْعِدَّةُ عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ عَنْ الثَّانِي نَعَمْ أَفَادَ ابْنُ الْمُقْرِي أَنَّ قِيَاسَ إلْحَاقِ الْمَجْهُولِ بِالزِّنَا أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْأَقْرَاءَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ اُعْتُبِرَتْ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي قَوْلِهِمْ لَمْ تَنْقَضِ بِوَضْعِهِ هَلْ يُشْكِلُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّهَا تَنْقَضِي بِالْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ أَمْ لَا كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا
(قَوْلُهُ: أَقَلُّ إمْكَانِهِ. . إلَخْ) أَقَلُّ مُبْتَدَأٌ وَالْأَقْصَى عُطِفَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ تَوْأَمَيْنِ ظَرْفٌ حَالٌ مِنْ الْأَقْصَى وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ خَبَرٌ عَنْ الْمُبْتَدَأِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: الْآتِي وَلَحْظَتَانِ عُطِفَ عَلَى الْخَبَرِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُبْتَدَأِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْآتِي بِلَا لَحْظَتَيْنِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ عَلَى السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ فَقَطْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ شَيْخُنَا هُنَا فَانْظُرْهُ (قَوْلُهُ: بِلَا لَحْظَتَيْنِ) لَا يَضُرُّ نَفْيُ اللَّحْظَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلثَّانِي مِنْ لَحْظَةٍ لِوَضْعِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا بَيْنَ وَضْعِهِ وَوَضْعِ الْأَوَّلِ فَوَضْعُهُ خَارِجٌ عَنْ الْمُدَّةِ الْمُتَخَلَّلَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ إشْكَالَ ابْنِ الرِّفْعَةِ يَدْفَعُ بَحْثَ الرَّافِعِيِّ فَتَأَمَّلْهُ
(قَوْلُهُ: فِي الطُّهْرِ) هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ كُلِّهَا وَقَسِيمَةُ قَوْلُ الْمَتْنِ وَأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ إلَخْ بِرّ
ــ
[حاشية الشربيني]
النِّكَاحُ الثَّانِي بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ انْتَظَرَ بُلُوغَهُ) فَلَوْ مَاتَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ انْقَضَتْ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا بِوَضْعِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْآخِرِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ) أَيْ عَدَدِيَّةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ. . إلَخْ) قَالَ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هُوَ فِي غَايَةِ النُّدُورِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ الثَّانِي عَنْ ذِي الْعِدَّةِ مَعَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ الْمَصْحُوبُ بِالْغَالِبِ كَمَا عُلِمَ فَامْتَنَعَ نَفْيُهُ عَنْهُ مُرَاعَاةً لِذَلِكَ الْأَمْرِ النَّادِرِ لِلِاحْتِيَاطِ لِلنَّسَبِ وَالِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ وَيَلْزَمُ مِنْ لُحُوقِهِ بِهِ تَوَقُّفُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى وَضْعِهِ. اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَطْءَ حَالَةَ الْوَضْعِ أَنْدَرُ مِنْ هَذَا فَانْدَفَعَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: خَلْقُهُ) أَيْ: مَادَّتُهُ وَهُوَ الْمَنِيُّ