لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» (أَوْ الْأَمَانِ بِجِزْيَةٍ، وَالْعَهْدِ لِلْإِنْسَانِ) أَيْ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ، أَوْ عَهْدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: ٦] الْآيَةَ فَيُهْدَرُ الْحَرْبِيُّ وَلَوْ قَتَلَهُ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ عَنْهُ كَذَلِكَ نِسَاءُ الْحَرْبِيِّينَ وَذَرَارِيِّهِمْ.
وَإِنَّمَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ رِعَايَةً لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَخَرَجَ بِالْمَعْصُومِ فِي حَالَتَيْ الْإِصَابَةِ، وَالتَّلَفِ مَا لَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ، أَوْ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ، أَوْ ذِمِّيًّا فَنَقَضَ عَهْدَهُ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ فَلَا كَفَّارَةَ وَلَا ضَمَانَ لِلنَّفْسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ، أَوْ رَمَى إلَى مُرْتَدٍّ، أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يُوجِبُهُمَا لِوُجُودِ الْعِصْمَةِ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْقَوَدَ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِصْمَةُ مِنْ أَوَّلِ الْفِعْلِ إلَى الْفَوْتِ وَخَرَجَ بِالْإِنْسَانِ الْمَزِيدِ عَلَى الْحَاوِي قَتْلُ غَيْرِهِ فَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَا الدِّيَةَ لِوُرُودِ النَّصِّ بِهِمَا فِي قَتْلِ الْإِنْسَانِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ مَعْصُومًا مُطْلَقًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَعْصُومٍ مُطْلَقًا وَهُمَا ظَاهِرَانِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْصُومًا مُقَيَّدًا، وَقَدْ أَخَذَ فِي أَمْثِلَتِهِ فَقَالَ: (كَقَاتِلِ النَّفْسِ) بِغَيْرِ حَقٍّ (وَكَفِّ مَنْ سَرَقْ فَاعْصِمْهُمَا عَلَى سِوَى مَنْ اسْتَحَقْ) قَتْلُ الْقَاتِلِ وَقَطْعُ الْكَفِّ لَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لَهُمَا وَهُوَ وَلِيُّ الْقَوَدِ، وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَلِيِّ بِقَتْلِهِ الْقَاتِلَ وَلَا عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِقَطْعِهِ كَفَّ السَّارِقِ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّ كَفَّ السَّارِقِ مَعْصُومَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي السَّرِقَةِ خِلَافُهُ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْقَطْعَ عَلَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَيْسَ مُسْتَحِقَّ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِطَلَبِ الْمَالِكِ مَالَهُ فَلَوْ قَطَعَهَا الْإِمَامُ، أَوْ غَيْرُهُ فَلَا ضَمَانَ نَعَمْ يُعَزَّرُ غَيْرُهُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاتِلِ، وَالسَّارِقِ أَنَّ حَقَّ الْقَوَدِ يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ بِخِلَافِ قَطْعِ كَفِّ السَّارِقِ فَهُوَ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: بَعْدَ نَقْلِهِ الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى قَاطِعِ السَّارِقِ هَكَذَا أَطْلَقَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُجْعَلَ وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السَّارِقَ مَعْصُومٌ عَلَى مِثْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا فِي الْمَسْأَلَةِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَطَعَهَا لَا بِقَصْدِ الْحَدِّ، أَوْ عَلَى مَا إذَا قَطَعَهَا ذِمِّيٌّ قَالَ وَيُسْتَأْنَسُ لِلثَّانِي بِمَا إذَا قَتَلَ الْإِمَامُ
ــ
[حاشية العبادي]
أَوْ الْأَمَانِ) قَالَ الشَّارِحُ وَأَوْرَدَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى الْحَصْرِ فِيهِمَا ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَى الْأَسِيرِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ لَا يُرَدُّ فَإِنَّهُ صَارَ مَالًا لِلْمُسْتَحِقِّينَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمَانٍ. اهـ. كَلَامُ الشَّارِحِ قُلْت: وَفِي جَرَيَانِ جَوَابِ الْبُلْقِينِيِّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ لِتَقْيِيدِهِ الْأَمَانَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالْعَهْدِ وَلَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي حَقِّ الْأَسِيرِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُنَاكَ عَهْدٌ حُكْمًا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا نِسَاءُ الْحَرْبِيِّينَ وَذَرَارِيِّهِمْ) أَيْ: قَبْلَ الْأَسْرِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَهُمْ أَرِقَّاءُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَيَضْمَنُونَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ: جُرْحُ الْمُسْلِمِ، أَوْ رَمْيُ الْمُرْتَدِّ يُوجِبُهُمَا أَيْ: الْكَفَّارَةَ وَالضَّمَانَ. (قَوْلُهُ: قَتَلَ غَيْرَهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: لِلْإِنْسَانِ قَيْدٌ فِي الْقَتْلِ حَتَّى كَانَ الْخَارِجُ بِهِ قَتْلُ الْعَيْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْأَمَانِ وَالْإِيمَانِ الْمُبَيَّنِ بِهِ الْعِصْمَةُ الْمُقَيَّدُ بِهَا التَّالِفُ.
(قَوْلُهُ: كَقَاتِلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ) عَلَّلَ عِصْمَتَهُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُبَاحَ الدَّمِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ قَدْ يُتْرَكُ، وَقَدْ يُسْتَوْفَى. اهـ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدِ السَّارِقِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ قُتِلَ فِي الْحِرَابَةِ مُهْدَرٌ مُطْلَقًا أَيْ: إلَّا عَلَى مِثْلِهِ، وَكَذَا مُرْتَدٌّ وَذِمِّيٌّ فِيمَا يَظْهَرُ بِرّ. (قَوْلُهُ: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ) اُنْظُرْ لَوْ صَرَفَ قَتْلَهُ بِأَنْ قَصَدَ قَتْلَهُ لَا عَنْ الْحَقِّ هَلْ يُؤَثِّرُ، أَوْ لَا؟ ، بَلْ يَقَعُ عَنْ الْحَقِّ مُطْلَقًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ وَاضِحٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى مِثْلِهِ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى ذِمِّيٍّ وَمُرْتَدٍّ بِرّ، وَكَتَبَ أَيْضًا أَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ كَذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: عَلَى مِثْلِهِ فِيهِ أَمْرٌ أَنَّ الْأَوَّلَ هَلْ الْمُرَادُ بِمِثْلِهِ مُطْلَقُ السَّارِقِ، وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْعُضْوِ الْمُسْتَحَقِّ قَطْعُهُ كَأَنْ وَجَبَ قَطْعُ يَدِ أَحَدِهِمَا، وَقَطْعُ رِجْلِ الْآخَرِ، فَإِذَا قَطَعَ الْأَوَّلُ رِجْلَ الثَّانِي وَجَبَ الْقَوَدُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ الْمُشَارِكُ فِي وَصْفِ السَّرِقَةِ وَفِي الْعُضْوِ الْمُسْتَحَقِّ قَطْعُهُ؟ . كَأَنْ وَجَبَ قَطْعُ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعُضْوِ الْمُسْتَحَقِّ قَطْعُهُ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ، فَلَا مُمَاثَلَةَ حَتَّى لَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا عُضْوَ الْآخَرِ الَّذِي وَجَبَ قَطْعُهُ، فَلَا قَوَدَ فِيهِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي لَوْ قَطَعَهُ مِثْلُهُ، وَوَجَبَ الْقَوَدُ فَعَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْهُ عَلَى دِيَةِ الْعُضْوِ، فَهَلْ يَجِبُ، أَوْ لَا؟ . (قَوْلُهُ: وَيَسْتَأْنِسُ لِلثَّانِي) أَيْ: أَوْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا إلَخْ
[حاشية الشربيني]
قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ مَعْصُومٌ عَلَى مِثْلِهِ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهْدَرَ مَعْصُومٌ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْإِهْدَارِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ وَيَدُ السَّارِقِ مُهْدَرَةٌ إلَّا عَلَى مِثْلِهِ سَوَاءٌ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَهُوَ مَعْصُومٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ اهـ.
شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لَا بِقَصْدِ الْحَدِّ) صَادِقٌ بِالْإِطْلَاقِ وَقَصْدِ شَهْوَةِ نَفْسِهِ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَا فَرْقَ فِيمَا يَظْهَرُ بَيْنَ قَصْدِ الْحَدِّ، وَالْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الْقَتْلَ، أَوْ الْقَطْعَ لَا عَنْ الْحَدِّ عَلَى احْتِمَالٍ فِيهِ اهـ.
وَفِي حَوَاشِيهِ الِاحْتِمَالُ هُوَ الْمُتَبَادِرُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِهْدَارِ فِعْلٌ حِسِّيٌّ كَالزِّنَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ قَصْدِ الْحَدِّ وَشَهْوَةِ نَفْسِهِ اهـ.
وَوَجَّهَ م ر فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute