للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ أَحْسَنَ السِّبَاحَةَ (بِمَاءٍ مُغْرِقِ، وَالْتَقَمَ الْحُوتُ) ذَلِكَ الشَّخْصُ وَلَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَلْقَاهُ فِي مَهْلَكَةٍ، وَقَدْ هَلَكَ بِسَبَبِ إلْقَائِهِ فَلَا نَظَرَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي هَلَكَ بِهِ؛ وَلِأَنَّ لُجَّةَ الْبَحْرِ مَعْدِنُ الْحُوتِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَتَّفَهُ وَهَدَفُهُ لِلسَّبُعِ وَفَارَقَ مَا لَوْ أَلْقَاهُ مِنْ عُلْوٍ فَقَدَّهُ آخَرُ بِأَنَّ الْقَدَّ صَدَرَ مِنْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَفْعَلُ بِرَوِيَّةٍ فَقَطَعَ أَثَرَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَالْحُوتُ يَلْتَقِمُ بِطَبْعِهِ كَالسَّبُعِ الضَّارِي فَهُوَ كَالْآلَةِ وَخَرَجَ بِالْمُغْرِقِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي غَيْرِ مُغْرِقٍ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَعَمْدٌ وَإِلَّا فَشِبْهُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِهْلَاكَ وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَ الْإِهْلَاكِ (وَ) مِثْلُ أَنْ يُلْقِيَ (غَيْرَ سَابِحٍ فِي الْمَاءِ إنْ أَغْرَقَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِيمَا لَا يُغْرِقُ كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ حَتَّى هَلَكَ فَإِنَّهُ يُهْدَرُ (أَوْ بِجَارِحٍ حَيْثُ يَرَى إهْلَاكَهُ ذَا كَثْرَهْ) أَيْ: الْعَمْدِ الْمَحْضِ بِأَنْ يَهْلَكَ بِجَارِحٍ، أَوْ غَيْرِهِ غَالِبًا كَمَا مَرَّ أَوْ بِجَارِحٍ كَثِيرًا وَلَوْ زُجَاجًا وَقَصَبًا وَخَشَبًا وَعَظْمًا وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (كَسَقْيِهِ الدَّوَاءَ) الْمُهْلِكَ كَثِيرًا مَعَ أَلَمٍ وَبَقِيَ حَتَّى مَاتَ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ أَغْشِيَةَ الْبَاطِنِ الرَّقِيقَةَ (وَ) مِثْلُ (غَرْزِ إبَرِهِ مَعَ وَرَمٍ) وَأَلَمٍ وَبَقِيَ حَتَّى مَاتَ لِظُهُورِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ وَسِرَايَتِهَا إلَى الْهَلَاكِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ وَمَاتَ فِي الْحَالِ، أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ لَمْ يَشْتَدَّ لَا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَصْلًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَلَمٍ مَا غَالِبًا اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ وَأَصْلُهُ الْأَلَمَ مَعَ الْوَرَمِ وَإِنْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُمَا لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُ الْوَرَمُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَلَوْ ذَكَرَ الْأَلَمَ بَدَلَ الْوَرَمِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ وَلَوْ بِلَا وَرَمٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْغَرْزُ بِمَقْتَلٍ فَإِنْ كَانَ كَدِمَاغٍ وَعَيْنٍ فَعَمْدٌ مُطْلَقًا لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِيهِ وَمِثْلُهُ الْغَرْزُ فِي غَيْرِهِ فِي شِدَّةِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، أَوْ فِي بَدَنِ صَغِيرٍ، أَوْ ضَعِيفٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَلَوْ غَرَزَ فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ وَلَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ فَمَاتَ لَمْ يُؤَثِّرْ بِحَالٍ، وَالْمَوْتُ عَقِبَهُ مُوَافَقَةُ قَدَرٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي سَقْيِ الدَّوَاءِ الْأَلَمُ كَمَا فِي غَرْزِ الْإِبْرَةِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي مُوَافَقَتَهُ وَكَذَا كَلَامُ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ حَيْثُ أَخَّرَا ذِكْرَ الْوَرَمِ، وَالْمُسْتَلْزِمِ لِلْأَلَمِ لِيَشْمَلَ ذَلِكَ وَإِلْغَاءَ قَوْلِهِ (فَمِائَةً مُعَاجَلَهْ) زَائِدَةٌ أَيْ: مُعْقِبُ التَّلَفِ فِي الْعَمْدِ الْمَحْضِ يُوجِبُ فِي النَّفْسِ الْكَامِلَةِ مَعَ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الدِّيَةِ تَارَةً وَبِدُونِهِ أُخْرَى كَمَا فِي قَتْلِهِ وَلَدَهُ مِائَةٌ وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ زِيَادَتِهَا نَحْوُ وَأَمَّا مُعْقِبُ التَّلَفِ فِيمَا ذُكِرَ فَيُوجِبُ فِي النَّفْسِ الْكَامِلَةِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُعَجَّلَةً (قَدْ ثُلِثَتْ) تُؤْخَذُ (مِمَّنْ جَنَى لَا) مِنْ (الْعَاقِلَهْ) كَمَا هُوَ قِيَاسُ بَدَلِ الْمُتْلَفَاتِ فَدِيَةُ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَوْنُهَا مُعَجَّلَةً لَا مُؤَجَّلَةً وَكَوْنُهَا مُثَلَّثَةً لَا مُخَمَّسَةً وَكَوْنُهَا عَلَى الْجَانِي لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَدِيَةُ الْخَطَإِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا مَرَّ

وَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي مُخَفَّفَةٌ مِنْ الْآخَرَيْنِ (وَلِتَكُ) إبِلُ الدِّيَةِ اللَّازِمَةِ لِلْجَانِي، أَوْ لِمَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ (مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ) أَوْ الْقَبِيلَةِ (أَوْ) مِنْ (إبِلِهِ) أَيْ: نَوْعِهَا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَنَوَّعَتْ إبِلُهُ فَقَدْ صَحَّحَ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْأَشْرَفِ فَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى أَخْذِهِ وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَاوِي وَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَكْثَرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا دَفَعَ مَا شَاءَ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ إبِلُ الْبَلَدِ، أَوْ الْقَبِيلَةِ، وَلَا غَالِبَ خُيِّرَ الدَّافِعُ (وَبِالْمَعِيبِ) بِعَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ (لَا يَدِي) أَيْ: لَا يُعْطِي الدِّيَةَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ كُلُّهَا مَعِيبَةً بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِهَا

ــ

[حاشية العبادي]

فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ التَّسْوِيَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَعَمْدٌ) يَنْبَغِي اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْمَحِلِّ الضَّيِّقِ كَنَظِيرِهِ مِنْ السَّبُعِ بِرّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْحُوتَ كَالسَّبُعِ يَثِبُ فِي الْمَضِيقِ دُونَ الْوَاسِعِ (قَوْلُهُ: فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا) هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ: إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ عِنْدَ عَدَمِ إبِلِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَكْثَرِ) جَزَمَ بِهَذَا فِي الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهَا

ــ

[حاشية الشربيني]

اهـ.

فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ أَحْسَنَ السِّبَاحَةَ أَيْ وَلَمْ يُقَصِّرْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُهْلِكٌ لِمِثْلِهِ غَالِبًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْسَنَ السِّبَاحَةَ) أَيْ وَكَانَ لَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ بِهَا كَلُجَّةٍ وَاسِعَةٍ، أَوْ يُمْكِنُ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى مَاتَ اهـ.

حَجَرٌ وَسم (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ أَنْ يُلْقِيَ غَيْرَ سَابِحٍ إلَخْ) أَيْ، أَوْ سَابِحًا وَلَمْ يُقَصِّرْ وَمَاتَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: كَسَقْيِهِ الدَّوَاءَ إلَخْ) جَعَلَهُ مِثَالًا لِلْجَارِحِ لَمَّا قَالَ أَنَّهُ يَقْطَعُ أَغْشِيَةَ الْبَاطِنِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ) ، أَوْ الْقَبِيلَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَلَدٌ وَلَا قَبِيلَةٌ اُعْتُبِرَ غَالِبُ إبِلِ النَّاسِ وَكَذَا، وَلَوْ وَجَبَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْإِسْلَامِ لَا تَخْتَصُّ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي هَذِهِ مَرْدُودٌ اهـ.

ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ إبِلُهُ كُلُّهَا مَعِيبَةً، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْغَالِبُ اهـ.

ر وَقِيَاسُ مَا فِي الرَّوْضَةِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ نَوْعِ إبِلِهِ سَلِيمًا وَغَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ سم عَلَى التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>